النزاع السوري خريطة بلا طريق (النائب د. فريد الخازن)

حوالي ٦ سنوات فى تيار

لا يشبه النزاع السوري أيّاً من النزاعات الدائرة في المنطقة، وهو جاء في آخر سلسلة تحولات "الربيع العربي" وانتقل سريعاً من أزمة داخلية الى حرب اقليمية مدوّلة. بعد القضاء على "داعش" والتنظيمات الارهابية واستعادة النظام المبادرة، دخل النزاع دائرة الحلول والتسويات في مسارات مختلفة تعكس الواقع السياسي والميداني ومصالح أطرافه. لروسيا دور مؤثر وقدرات عسكرية وازنة في سوريا، ولأميركا موقع ودور. ولايران أيضاً نفوذ حاسم وعلاقة استراتيجية مع النظام، كما لتركيا مصالح حيوية، وخصوصا في المنطقة الحدودية، حيث للاكراد نفوذ يحسب له حساب. أما أطراف الداخل، النظام والمعارضة المشتتة، فلا يقلّون شأناً وحركة وارتباطات. انها حالة غير مسبوقة من التناقضات والرهانات والعصبيات والتطلعات. هذا التداخل في المصالح والنفوذ والغايات يجعل النزاع السوري وحلوله حقل ألغام يصعب اجتيازه بلا خسائر أو أثمان. 
 
روسيا حسمت أمرها بتدخل عسكري مباشر في 2015. أميركا أوباما ظلت مترددة ولم تحسم إلّا في مسألة السلاح الكيميائي، خلافاً للسياسة التي اتبعها ترامب في التصدي للارهاب بمعزل عن مسار النزاع وتوازناته. لتركيا هاجس طاغٍ، بعدما عاد رئيسها الى الواقعية مع فشل الرهان على "الاخوان المسلمين" في بداية النزاع ومعه التوسع في شمال سوريا. هاجس تركيا حالياً التصدي للاكراد بغطاء روسي - ايراني. أما ايران فتدعم النظام، الحليف الموثوق به والاكثر ثباتاً في العالم العربي، وتبقى سوريا صلة الوصل مع الحلفاء في لبنان والعراق. ولدول الخليج مواقع وتنظيمات، تراجع دورها جراء القطيعة بين السعودية وقطر. أما اسرائيل فليست بعيدة من الساحة السورية، وهي في تواصل مع موسكو وتتعامل مع الامر الواقع على محورين: في المنطقة المتاخمة لحدودها في الجولان المحتل وفي البلاد لتحجيم النفوذ الايراني، ما قد يشكل مساحة التقاء بين اميركا وروسيا. اشتباك متواصل، فيه من المركزية ما يكفي للتفجير ومن "اللامركزية" ما يكفي لتعطيل أي تسوية لا تراعي مصالح القوى النافذة. كما ان سيناريو الحرب لم يعد نظرياً في ظل أجواء التوتر المتزايد من كل الاتجاهات. 
 
في زمن الحرب الباردة، حافظت سوريا على علاقات مميزة مع موسكو، وفي الوقت عينه بنت علاقات وثيقة مع واشنطن، بعد حرب 1973 تحديداً. في زمن الرئيس حافظ الاسد كان ثمة توظيف مثمر لميزات سوريا التفاضلية في المنطقة عبر نسج علاقات تعاون مع الجهات الاقليمية والدولية المؤثرة، ولكل منها هامش متاح برعاية سورية. اجتمعت السعودية وايران على دعم الاسد، بينما إلتقت مصالح واشنطن وموسكو مع دمشق في مسائل محددة. هذا التوازن الدقيق لم يعد ممكناً اليوم، ولا الظروف الاقليمية والدولية مؤاتية لاستعادته بعدما أصبح النزاع السوري يخص اهله بقدر ما يخص الغير، فضلاً عن محاور لم تكن قائمة في الماضي، أبرزها تركيا التي ابتعدت عن العالم العربي منذ الانتداب الفرنسي وعادت في السنوات الاخيرة بطموحات كبرى. 
 
سوريا اليوم منقسمة سياسياً وجغرافياً، وفي غير اتجاه. مناطق "خفض التصعيد" مقاربة ممكنة، وان غير مكتملة. والتحدي يكمن في المواءمة بين السياسي والميداني. في المرحلة الراهنة يشكل الاكراد حجر الزاوية في مناطق حيوية لاكثر من جهة ان بالنسبة الى دول الجوار أو في ما يخص النظام السياسي المرتقب. العملية العسكرية التركية في عفرين لن تكون بلا اثمان اذا توسعت وادت الى صدام مع واشنطن الداعمة للتنظيمات الكردية.
 
شبكة "فيتوات" (veto) تطغى على الساحة السورية، تحركها المصالح المتباينة حيناً والمتطابقة حيناً آخر. بين أطراف الخارج، روسيا هي الاكثر امتلاكا لاوراق الضغط و"الفيتو"، تنافسها ايران بحكم نفوذها وعلاقتها الثابتة مع النظام. وفي الداخل، يأتي النظام في الصدارة وهو الأكثر تماسكاً. عملية كرّ وفرّ انطلقت بضوابط لا معيار لها ولا سقوف. انها خريطة نزاعات وحلول تبحث عن طريق، وقد تكون في اتجاه المجهول. 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على