تحية كاريوكا.. تزوجت ١٧ مرة وناضلت ضد الاحتلال بـ«بدلة رقص»

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

تحية كاريوكا.. «أعظم مجنونة في العالم» كما وصفها يوسف شاهين، وعظيمة عظماء الرقص الشرقي، صاحبة الأسلوب الخاص الذي اعتمد على إعادة إنتاج الهرمونية الشرقية القديمة في الرقص، وهو الأسلوب الذي تأسس عليه مدرسة كاملة في مقابل مدرسة سامية جمال التي لجأت إلى مزج الشرقي بالغربي، كما كانت أحد أبرز وجوه السينما المصرية لا بل العربية في عصر عرفت فيه السينما الزمن الجميل زمن الأبيض والأسود، إلا أن شهرة «كاريوكا» الراقصة، تطغى على شهرتها كممثلة.

اكتشاف مبكر

هي بدوية محمد كريم علي السيد النيداني، المولودة بمدينة الإسماعيلية في 22 فبراير عام 1919، عشقت الرقص والتمثيل منذ الصغر، وسافرت إلى القاهرة هربًا من تعذيب أخيها، وتعرفت على الراقصة سعاد محاسن والتي اكتشفت موهبتها، ثم ذهبت إلى بديعة مصابني بعد سفر الراقصة سعاد محاسن إلى الشام، وانضمت إلى فرقتها، وبدأت حياتها السينمائية راقصة في فيلم «الدكتور فرحات»، عام 1935، وفي عام 1939 شاركت في فيلم «أجنحة الصحراء»، أول إنتاج وإخراج لأحمد سالم وبطولة حسين صدقي وراقية إبراهيم، وكان مازال اسمها «تحية محمد»، وبدأت شهرتها الحقيقية عام 1940 عندما قدمت رقصة الكاريوكا العالمية في أحد عروض الفرقة، وهي الرقصة التي التصقت بها بعد ذلك حتى لازمت اسمها فأصبح «تحية كاريوكا».

ويعد فيلم «أحب الغلط» عام 1942، بداية ظهور تحية سينمائيا، وكان الفيلم من إنتاج شركتها «أفلام الشباب»، والتي أسستها مع المخرج حسين فوزي، والفنان حسين صدقي، وفي هذا العام قدّمت 4 أفلام روائية، وظلت تمثل وترقص حتى منتصف الخمسينيات، حينما اعتزلت الرقص حتى تتفرغ للتمثيل في السينما بالرغم من أسلوبها الفريد في الرقص الذي وضعت قواعده وحمل بصمتها، وقدمت بطولة عدد كبير من الأفلام، منها «لعبة الست، شباب امرأة، خلي بالك من زوزو، أم العروسة، وداعًا بونابرت، السقا مات».

زيارة لهوليوود

بالتزامن مع الحرب العالمية الثانية، كثر عدد الأجانب في الملاهي الليلية في مصر، وعليه جاء العديد من نجوم هوليوود، منهم فيفيان لي وجاك بيني، وصادفا أن شاهدا رقص تحية وأعجبا بها، كما حازت على إعجاب ثري أمريكي، يمتلك أسهمًا في صحيفة «نيويورك تايمز» وقتها، فرغب في الزواج منها بمهر قيمته 20 ألف جنيه، إلا أنها رفضته، قبل أن تزور النجمة آن شيريدن مصر عام 1944، التي اقترحت على كاريوكا السفر إلى هوليوود، لتبدأ على الفور في تحسين لغتها الإنجليزية، وأرسلت لها شركة FOX الأمريكية عقدًا عام 1945 لمدة 5 سنوات، لتوقع مباشرةً دون النظر إلى البنود والشرط الجزائي.

وتزوجت كاريوكا من ضابط أمريكي يهودي يُدعى ليفي، وانتقلت معه إلى لوس أنجلوس الأمريكية، وأثار ذلك جدلًا في مصر رغم تأكيد الفنانة الراحلة أن الضابط الأمريكي أشهر إسلامه، لكن المقالات المنتقدة لتحية أشاعت أن زوجها دخل الإسلام حبًا في الراقصة لا في الدين.

وبعد عام وشهرين زارها الفنان سليمان نجيب وشقيقه حسني، وانهارت تحية من البكاء أمامهما طالبةً منهما مساعدتها في العودة إلى مصر لأنها لا تملك مبلغ تذكرة السفر، كاشفةً لهما أنها انفصلت عن زوجها، كما أنها لم تتلقَّ أي عرض جدي للمشاركة في عمل سينمائي، وكل ما يُعرَض عليها مجرد اختبارات أمام الكاميرا، وفي النصف الثاني من عام 1947، عادت «تحية» إلى مصر.

رصيد فني

عملت تحية كذلك في المسرح مع الفنان إسماعيل يس، كما أسست فرقة مسرحية مع الفنان فايز حلاوة، وقدّمت المسرح السياسي الذي حمل اسمها، فيما بلغ رصيدها السينمائي 117 فيلمًا، منها بينها «الجراج، سوق النساء، نساء صعاليك، إسكندرية كمان وكمان، الوداع يا بونابرت، مين يقدر علي عزيزة، السكرية، السراب، شاطئ الغرام، طاقية الإخفاء».

نضال وطني

اشتهرت كاريوكا بنشاطها السياسي والثوري منذ عام 1948 عندما ساعدت الفدائيين ضد الاحتلال الإنجليزي وهربت لهم السلاح بسيارتها الخاصة، وشاركت في المقاومة أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وأُلقي القبض عليها أكثر من مرة، واتُهمت بمحاولة قلب نظام الحكم، كما قامت بمساعدة محمد أنور السادات في الهروب من الإنجليز، وحينما انتصرت مصر في حرب أكتوبر 1973، بدأت مرحلة جديدة وقدّمت أفلام تُشير لمساوئ عصر جمال عبد الناصر.

 ففي عام 1975 أنتجت تحية فيلما للفنانة الشابة - حينها- ماجدة الخطيب، بعنوان «زائر الفجر»، وفي العام التالي قدمت فيلم «الكرنك» أمام سعاد حسني ونور الشريف وفريد شوقي، للمخرج علي بدرخان، وعقب ذلك قرر الرئيس السادات منحها جائزة في عيد الفن هي والفنان فريد شوقي.

وحين صعدت تحية إلى منصة التكريم، صافحها الرئيس وأثنى عليها وعلى تاريخها الوطني المشرف، ومشوارها النضالي والفني، ثم راح يذكرها بما قامت به معه قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية قائلا: «فاكرة يا تحية لما خبتيني عند اخواتك في إسماعيلية لما كنت هربان من السجن؟ .. أنت لسه فاكر يا ريس؟.. طبعًا دي أيام هايكتبها التاريخ عمري ما هانساها، مش عايزة حاجة؟ فيه حد مزعلك؟ لكِ أي طلب؟ أطلبي أي حاجة.. أشكرك يا ريس، هو بس فيه حاجة كنت عايزة أطلبها من سيادتك مش ليّا لكن لزينات صدقي، هي كبرت وما بقتش تشتغل ومريضة وبتمر بظروف قاسية أوي، يا ريت يا ريس تأمر لها بمعاش تقدر تعيش منه.. يتنفذ فورًا ويصرف لها معاش استثنائي»، وعلى رغم من هذه العلاقة الوطيدة بينهما، إلا أنها كانت أول من عارضه بمجرد أن أفصح عن نيته في إبرام «معاهدة سلام» مع إسرائيل، وظل الخلاف قائمًا حتى اغتياله عام 1981.

بـ«ميت راجل»

في منتصف عام 1981، وخلال تواجدها الدائم في النقابة ومتابعتها المستمرة لكل كبيرة وصغيرة، اكتشفت تحية بعض الاختلاسات المالية في حسابات نقابة الممثلين، فأبلغت النيابة عنها، ما أدى إلى استقالة نقيب الممثلين في ذلك الوقت الممثل زكريا سليمان وأصدر سعد الدين وهبة، رئيس اتحاد الفنانين، قرارا بأن تتولى تحية منصب نقيب الممثلين موقتا إلى حين انتخاب نقيب جديد خلف النقيب المستقيل في إدارة شؤون النقابة.

ونجحت كاريوكا بمفردها في إدارة شؤون النقابة لمدة ثلاثة أشهر كاملة، قامت فيها بأدوار النقيب وكل أعضاء مجلس النقابة وأمين الصندوق والسكرتير العام معًا، وكانت وقتها تبلغ 66 عامًا من عمرها، وجاء موعد الانتخابات ورفضت ترشيح نفسها لمنصب النقيب، لتُعطي الفرصة لمن هم أكثر قدرة منها.

17 زيجة

كانت تحية متعددة الزيجات، لأنها كانت ترفض الدخول في علاقة غير شرعية، حسب الفنانة القديرة رجاء الجداوي، ابنة شقيقتها والتي قامت بتربيتها بعد انفصال والد الأخيرة عن والدتها، حيث تزوجت 17 مرة وفقًا لما كشفته الأخيرة في حوار لها أكتوبر الماضي مع الإعلامية لميس الحديدي.

وكان الزواج الأول لتحية وعمرها 20 عامًا، وانفصلت عام 1940، وتزوجت لمدة 6 أشهر من محمد سلطان باشا، والزوج الثالث هو ليفي، والرابع هو المخرج فطين عبد الوهاب، ثم الفنان أحمد سالم، الذي أحبها وأحبته حتى أنه طلّق زوجته ليتزوج منها، وانفصلا بسبب شائعة عن علاقته بأسمهان، ثم تزوجت من حسين عاكف لمدة شهرين فقط، وبعده الفنان رشدي أباظة، وتزوجا بعد قصة حب وسافرا إلى لبنان لكنها ضبطته يخونها في أحد ملاهي شارع الحمراء، مع عشيقته الفرنسية السابقة آني برييه، فطلبت الطلاق ولكن بعد ضرب آني.

كما تزوجت تحية البكباشي مصطفي كمال صدقي أحد ضباط الملك فاروق، والذي تم اعتقاله بعد قيام ثورة يوليو، فانفصلا، وبعده عبدالمنعم خادم، لمدة 5 سنوات كاملة، ثم حسن حسين، ثم محرم فؤاد عام 1959، واستمر زواجهما عدة أشهر، ثم ارتبطت بأحمد ذو الفقار صبري، وبعده فايز حلاوة، وهو أطول زواج وأصعب طلاق بعد 18 عامًا، وبعده تزوجت أيضا من حسن عبد السلام، واستمر هذا الزواج منذ نهاية السبعينيات، حتى وفاتها في عام 1999 في معهد ناصر الطبي عن عمر يناهز 80 عامًا إثر إصابتها بأزمة حادة في الجهاز التنفسي.

الوجه الإنساني

تحية كفلت طفلة وجدتها أمام الشقة التي كانت تسكن بها، وذلك بعد نصيحة من الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، وحكت الفنانة رجاء الجداوي عن ذلك خلال لقائها ببرنامج «هنا العاصمة»: «كاريوكا اتصلت بالشيخ الشعراوي، ونصحها بكفالتها وسمتها عطية الله، وقال لها: دي مفتاحك للجنة، فكانت تعشق هذه الطفلة، البنت الصغيرة منحتها سعادة طاغية لمدة سنتين ونصف، وقبل موتها في العناية المشددة وبينما لا تستطيع التحدث لوضعها على أجهزة التنفس، طلبت أن تكتب شيئا ما، وبالفعل كتبت اسم الفنانة فيفي عبده وأوصت أن تقوم بتربية الطفلة التي كانت تربيها، وهو ما نفذته فيفي».

«الحاجة تحية ماتت على أعلى درجات الإيمان»، وفقًا لما صرّح به الفنان رشوان توفيق، في لقاء إعلامي بشهر يناير الماضي، حيث قال خلال استضافته في برنامج «بالألوان الطبيعية» عبر قناة «دريم»، إنه كان يقابل كاريوكا في المدينة المنورة، وتابع: «كانت تقولي أنا قاعدة 15 يوم قدام القبة، وكنت أروح لها البيت ألقاها ماسكة المصحف.. ربنا مفيش أرحم منه أبدًا».

شارك الخبر على