الطيب الوحيشي.. مخرج «ظل الأرض» الذي انتصر على كرسيه المتحرك

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

الطيب الوحيشي.. المخرج السينمائي والمؤلف والمنتج التونسي، صاحب الأعمال السينمائية المتميزة، فغالبًا ما تقترن تجربته الإبداعية بالمغامرة والتحدي والرهان على الذائقة النوعية المغايرة، اختار الانتصار على آلامه بالفنون والسينما، بعد أن أقعده حادث مرور أليم منذ سنوات عن الحركة، لكن هذا الحادث الذي تسبب له في شبه إعاقة لم يحرمه من مواصلة مشواره والوقوف خلف الكاميرا لتوجيه السينمائيين ونصحهم وتكوينهم ليترك من خلفه أعمالا حازت على إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء.

ولد الوحيشي، في 16 يونيو عام 1948، بمارس من ولاية قابس، وتخرج في معهد السينما في باريس، ويُعد أحد أبرز المخرجين السينمائيين العرب الذين أخذوا على عاتقهم النهوض بصناعة السينما البديلة في حقبة السبعينيات، قدم من خلال مشواره الكثير من الأفلام التسجيلية والروائية المميزة، وانطلق في تأسيس مسيرته السينمائية بإخراج أفلام قصيرة وثائقية من بينها «الطريق المتقاطع»، عام 1970، و«التماثيل»، عام 1971، وتبعها فيلمه «قريتي قرية بين القرى» الحائز على جائزة «التانيت الذهبي» في مسابقة الأفلام القصيرة لدورة أيام قرطاج السينمائية 1972.

في عام 1982، ألّف وأخرج فيلم «ظل الأرض»، وهو العمل الذي اُختير وتُوّج في أسبوع النقاد بمهرجان «كان» الدولي، ويعد هذا الفيلم من الأفلام العربية القليلة المُنجزة انطلاقًا من الدراسات الاجتماعية الأنتربولوجية، وخاض فيهما مغامرة السينما الجادة التي تبحث في أعماق مجتمعه التونسي وقضايا وهموم أفراده، خصوصًا تلك الناشئة عن الهجرة وانعكاساتها، ومن أفلامه «عرس القمر»، في العام 1998، و«مجنون ليلى» العام 1989، و«رقصة الريح» عام 2002، و«أهل الشرارة»، و«ليلة إفريقية»، و«الخمّاس»، و«أوبرا ابن سينا»، و«قرطاج»، و«مرايا الشمس»، وآخرها «همس الماء» عام 2017.

وعده النقاد العرب من أنشط السينمائيين العرب وأكثرهم تفاعلًا مع محيطه الاجتماعي، حتى تعرض في مارس 2006، لحادث سير مروع في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، لدى مشاركته في فعاليات الدورة الأخيرة لمهرجان «مسابقة أفلام من الإمارات» حيث تم اختياره رئيسًا للجنة التحكيم، ورّقد المخرج التونسي لفترة على سرير الشفاء في أحد المستشفيات الفرنسية بعد أن أُصيب وزوجته إصابات بالغة، أُقعد على إثرها سنوات عن الحركة، وحدثت له شبه إعاقة، وعقبها أقام في دولة الإمارات.

وغالبًا ما كانت المهرجانات العربية والعالمية تتسابق على عرض أفلامه وتمنحه الجوائز والتكريم اللائق، وظلت أعماله من الأعمال المهمة ليس في المشهد السينمائي التونسي فحسب، إنما في السينما العربية والعالم الثالث عمومًا، وجال فيها أرجاء المعمورة، واختارت جمعية الكتاب والنقاد المصريين المخرج التونسي لتكريمه في مهرجان السينما المتوسطية بالإسكندرية، سبتمبر 2014، مع عرض فيلمه «طفل الشمس» ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، وكُرّم خلال الدورة الرابعة والعشرين لأيّام قرطاج السينمائية في سنة 2012، ومهرجان سينماءات العالم بالمغرب، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة بالجزائر عن فيلم «غوري... جزيرة الجد»، وجوائز أخرى في ميلانو، وأغادوغو، وباري، مونتريال، جوهانسبرغ وروتردام.

وتوفي «الوحيشي» اليوم الأربعاء، عن عمر يناهز 70 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، بعد مسيرة مهنية ثرية استمرت لأربعة عقود، ساهم خلالها في الارتقاء بصناعة السينما في العالم العربي، وتُوّج عليها بعدد كبير من الجوائز في المهرجانات السينمائية العربية والدولية، بعد أن رفض الاستسلام للمرض، وانتصرت فيه إرادة الحياة، وحوّل من ضعفه مصدر قوّة فأقبل على الحياة، وواصل إبداعه غير عابئ بكرسيه المتحرك، حتى توفاه الله.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على