الإفراج عن معتقلي السوداني.. صفحة جديدة أم تخدير للغضب؟

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

في استجابة لمطالبات أمريكية وأوروبية، أصدار الرئيس السوداني عمر البشير عفوا رئاسيا عن كافة المعتقلين على خلفية المظاهرات التي شهدها السودان خلال يناير الماضي.

وشهدت الخرطوم ومدن سودانية أخرى، منذ مطلع العام الجاري، احتجاجات عدة، تنديدا بغلاء المعيشة وسوء الأوضاع الاقتصادية، بعد إقرار الحكومة إجراءات اقتصادية تقشفية، تبعها ارتفاع في أسعار السلع بالأسواق ، ووصل حجم الاحتجاجات إلى المطالبة برحيل البشير.

النصيب الأكبر

بدأت السلطات السودانية، أمس الأحد، إخلاء سبيل عشرات المعتقلين، وأبقت على آخرين من سجن "كوبر"، وحازت قيادات في حزب الأمة القومي على النصيب الأكبر من قرار الإفراج، بينما لازالت زعامات الحزب الشيوعي والمؤتمر السوداني علاوة على عدد من الصحفيين قيد الاعتقال.

وتم الإفراج عن نحو 80 معتقلا من القوى السياسة والناشطين والطلاب، بعد توقيفهم في مطلع يناير الماضي على خلفية احتجاجات ضد الغلاء. ومن بين المفرج عنهم الأمين العام لحزب الأمة سارة نقد الله، ابنتي الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ، الصحفية أمل هباني، الناشطة ناهد جبر الله، بجانب الصادق الصديق المهدي، فضل الله برمة ناصر، عروة الصادق وهم قيادات في حزب الأمة القومي.

ولم يشمل القرار كوادر الحزب الشيوعي ولا سكرتيره السياسي محمد مختار الخطيب، كما لازال رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير والصحفيين الحاج الموز، كمال كرار، أحمد جادين، ومعتقلين آخرين قيد الحبس.

رسالة من القيادة

من جانبه قال مساعد الرئيس السوداني عبد الرحمن الصادق المهدي في تصريحات صحفية، إن عدد الذين تم الإفراج عنهم يتجاوز 80 معتقلا. مضيفا أنه سيتم الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين والطلاب والسيدات فور اكتمال إجراءاتهم.

واعتبر الصادق، إطلاق سراح المعتقلين "رسالة من القيادة لها ما بعدها، ونحن ساعون لعلاج المرض وليس العرض وهو الخلاف السياسي الذى يؤدي للاعتقالات والاحتجاجات".

وأفاد الصادق بأن الحكومة تنوي الاتصال بكل الأطراف وتعمل على صيانة حقوق الإنسان وإزالة الاستقطاب السياسي لصالح دولة الوطن، مؤكدا: "الحوار والاتفاق والتراضي الوطني هو الأيسر وسبيلنا لمواجهة المستقبل".

عملية تخدير

سارع حزب الأمة القومي لإعلان ترحيبه بقرار الإفراج عن المعتقلين، ووصفه بالإيجابي، لكنه رأى فيه محاولة من النظام لممارسة "عملية تخدير تمتص السخط الشعبي".

وأضاف الحزب، في بيان له: "الأزمة السياسية والاقتصادية لم تبارح مكانها، بل زاد تعقيدها بسبب سياسات الفساد والاستبداد وغياب أفق الحل لدى النظام".

وأرسل الحزب شكره لمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي وحملات المناصرة المدنية وأسر المعتقلين، مشددا على مواصلة الضغط والمطالبة والنضال من أجل إطلاق سراح بقية المعتقلين.

ورأى في إطلاق سراح المعتقلين قوة دفع حقيقية لمواصلة المقاومة والنضال من أجل خلاص الوطن، ودعا الحكومة الى التراجع عن سياساتها الاقتصادية الأخيرة، وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات وأولها قانون الأمن وقانون الصحافة والمطبوعات وكفالة حرية التعبير والعمل السياسي، والاعتراف بالفشل في إدارة البلاد وتسليم السلطة للشعب.

من جهته رحب نائب رئيس حزب الأمة القومي المعارض فضل الله برمة ناصر، بالإفراج عنه، وقال في تصريحات لشبكة "سودان تربيون" إن الخط القومي الوطني الحل الأمثل لقضايا الوطن.

وأكد ناصر، تمسكهم بالشرعية والدستور والقانون، لافتا إلى أن الوطن في أزمة حقيقة لن تحل بحزب أو حزبين ويحتاج لجمع الصف، معربا عن أمله في إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين واعتبرها فرصة سانحة للحوار الشامل لإخراج الوطن من الأزمة بالوصول لحلول سلمية لقضاياه.

صفحة جديدة

يبدو أنه كان من أولويات السلطات السودانية إخبار العالم بهذه الخطوة إذ طلبت من مراسلي وسائل الإعلام الحضور إلى سجن كوبر لتغطية خبر إطلاق سراح المعتقلين.

ويرى مراقبون أن خطوة الإفراج عن المعتقلين السياسيين تعكس مسعى من الرئيس السوادني لفتح صفحة جديدة ربما مع القوى السياسية المعارضة، وذلك حسبما ذكرت قناة العربية.

قلق أمريكي وأوروبي

جاء الإفراج عن المعتقلين بعد أيام من إبداء السفارة الأمريكية في الخرطوم قلقها لاحتجاز السلطات السودانية المئات من القادة السياسيين والناشطين والمواطنين، واعتقال عدد كبير من هؤلاء في ظروف غير إنسانية ومهينة دون وصول محاميهم أو أسرهم إليهم.

وأعربت السفارة في بيان على صفحتها بموقع "تويتر"، الأسبوع الماضي، عن قلقها العميق إزاء استمرار عمليات الحبس، مشددة على حق السودانيين، في التظاهر والتمتع بالحريات الأساسية، بما فيها التجمع السلمي دون توجيه اتهامات.

كما طالبت سفارات دول الاتحاد الأوروبي في الخرطوم، نهاية الشهر الماضي، في بيان مشترك، السلطات السودانية بالإفراج عن الموقوفين.

وأبدى الاتحاد الأوروبي، قلقه الشديد من الاحتجاز المطول دون توجيه تهم لعدد كبير من القادة السياسيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان وغيرهم من المواطنين والمصادرات المتكررة للصحف.

طفل في سجن كوبر

وقبل ساعات معدودة من قرار الإفراج عن المعتقلين، نشرت الكاتبة السودانية سلمى التجاني مقال تحت عنوان "طفل في سجن كوبر"، سلطت خلاله الضوء على احتجاز السلطات السودانية لطفل منذ 31 من يناير الماضي، مشيرة إلى أنه وضع غريب ينافي مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقوانين السودانية المتمثلة في قانون الطفل لسنة 2010، ويخالف الأعراف والقيم السودانية.

وتقول رواية أسرة الطفل أحمد، حسبما أوضحت التجاني، إن قوة من جهاز الأمن اقتحمت منزل ذويه وأخذته ووالدته وخالته وابنتي خالته بعد الضرب المبرح، لمكان غير معلوم، وبعد فترة سمح جهاز الأمن للأسرة بمقابلته بسجن كوبر تحت الحراسة المشددة، في مخالفة واضحة لقانون الطفل.

واختتمت الكاتبة أن الحكومة السودانية باعتقالها للطفل أحمد عبد الرحيم خرقت الدستور الانتقالي، وقانون الطفل السوداني، واتفاقية حقوق الطفل الدولية، إضافة لتعديها على ما هو معروف من تقاليد وقيم المجتمع السوداني وتعاليم الإسلام، وأدخلت لأول مرة في تاريخ السودان الأطفال في معترك السياسة لتستخدمهم كسلاح لابتزاز معارضيها.

قوش والتمهيد للقرار

يأتي هذا التطور في المشهد السوداني بعد القرار الذي اتخذه الرئيس السوداني بإعادة الفريق صلاح عبدالله غوش، إلى منصبه في قيادة جهاز الأمن والاستخبارات.

ويعتقد بأن إعادة تعيين غوش، مهدت لقرار الإفراج عن المعتقلين، وهو الذي كان أقيل سابقا، واعتقل بتهم محاولة تنفيذ انقلاب. ويعرف غوش بانفتاحه على القوى السياسية المختلفة، وأيضا بمعارضته لأقطاب في الحزب الحاكم ممن يسعون لعدم ترشيح البشير لفترة جديدة.

شارك الخبر على