أزمة الخليج (٣) الرياض والدوحة.. ورقصة «العرضة» التي تحولت إلى «لعنة»

ما يقرب من ٧ سنوات فى التحرير

كتب: عبدالرحمن محمود

مثلت رقصة "العرضة" التي أداها العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، لدى وصوله إلى الدوحة، قبل 6 أشهر، مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إشارة قوية إلى متانة العلاقات التي تربط الجارتين الغنيتين، وما حملته في طياتها من رسائل إقليمية ودولية، مفادها أن البيت الخليجي على ما يرام.

غير أن الرقصة التي بدأت كونها إحدى أهازيج الحروب، ثم أصبحت تؤدى في أوقات الاحتفالات والأعياد، يبدو أنها تحولت إلى لعنة على العلاقات بين الرياض والدوحة، بعد أن أداها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خلال زيارته الأولى إلى السعودية.

فبعد أيام من انتهاء القمة العربية الإسلامية الأمريكية، بتأسيس مركز عالمي مقره الرياض لمواجهة الفكر المتطرف تحت اسم "اعتدال"، وإصدار بيان يؤكد "التزام الدول المشاركة الراسخ بمحاربة الإرهاب بكل أشكاله، والتصدى للجذور الفكرية للإرهاب وتجفيف مصادر تمويله"، أعلنت السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع قطر، وإغلاق كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية مع الدوحة.

غير أن القرار المفاجئ، في نظر الكثير ين، والذي شاركت فيه الإمارات والبحرين ومصر، اعتبره رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط السعودية، سلمان الدوسري، خطوة تأخرت 21 عاما.

جذور الصراع، يبدو أنها أعمق بكثير مما يقول رئيس تحرير أكبر دورية سعودية؛ فمن أين نبدأ؟

محاولات مبكرة

مع اقتراب حقبة الاستعمار البريطاني من نهايتها، حاولت السعودية، ضم قطر إليها باعتبارها جزء من إقليم الأحساء، واستمرت السعودية في هذه المطالب، حتى تدخلت بريطانيا لكبح جماح السعوديين عن قطر، لتعترف السعودية بحدود قطر، فيما بقيت مناطق متنازع عليها بين الطرفين، إلى أن وقعت السعودية وقطر في عام 1965 اتفاقية ترسيم للحدود، لكنها لم تقض على المشكلة بعد، لا سيما بسبب حقوق التنقيب عن النفط.

حصار حدودي

حاولت السعودية محاصرة قطر، في صفقة تنازلت بموجبها عن أجزاء من "واحة البريمي" للإمارات العربية المتحدة، في مقابل الشريط الساحلي المعروف بـ"خور العديد" والذي أصبح حاجزًا حدوديًا طبيعيًا بين قطر والإمارات، ليُضطر القطريون أن يمروا بأراض سعودية للوصول إلى الإمارات بدلًا من أن تكون هناك حدود مباشرة بين البلدين، في محاولات مبكرة لفرض السيطرة على الجارة الصغرى.

صدام مسلح

في نهاية سبتمبرمن عام 1992، أرسلت السعودية كتيبة عسكرية للسيطرة على مركز الخفوس الحدودي، على خلفية تجمع قبلي في المناطق المتنازع عليها بين البلدين، حيث يتوزع أفراد قبيلة مُرّة في هذه المناطق.

الصدام المسلح الذي وقع على الحدود بين البلدين أدى إلى مقتل ضابط سعودي وجنديين قطريين، وسيطرة السعودية على منطقة "الخفوس".

لعبة الانقلابات

في عام 1996، اتهمت الحكومة القطرية أفراد قبيلة "بني مرّة" بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة التي أدارها الأمير المخلوع خليفة بن حمد آل ثاني، من أبوظبي، على ابنه الذي أطاح به في انقلاب أبيض قبلها بعام، وقامت الدوحة بنزع الجنسية عن المئات منهم وطردهم للسعودية، وكشفت عن تفاصيل تتعلق بتورّط السعودية في الانقلاب بالتعاون مع بعض أفراد القبيلة.

في ديسمبر من العام نفسه، اختارت القمة الخليجية التي عقدت في مسقط، الشيخ جميل الحجيلان أمينًا عامًا لمجلس التعاون الخليجي، مقابل مرشح قطر في ذلك الحين عبد الرحمن العطية - الأمين العام السابق، فاحتجت قطر، وقاطعت الجلسة الختامية.

مناوشات إعلامية

عام 2000 قاطع ولي العهد السعودي، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، حينذاك، القمة الإسلامية التي عقدت في الدوحة احتجاجا على وجود ممثل تجاري لإسرائيل في قطر، كما استدعت الرياض سفيرها لدى الدوحة، بعد ظهور معارض سعودي على قناة "الجزيرة" القطرية انتقد الأسرة الحاكمة في السعودية.

عام 2005 ربحت زوجة أمير قطر السابق، ووالدة الأمير الحالي، الشيخة "موزة"، دعوى تشهير رفعتها ضد صحيفة "الزمان" التي كانت تصدر في العاصمة البريطانية، بعد أن اتهمتها الصحيفة بالتعامل مع إسرائيل، وخلال المحاكمة أبرز محاميها وثيقة تثبت "تمويل المخابرات السعودية للصحيفة وعمل الصحيفة كوسيلة إعلام للتشهير بقطر والأسرة الحاكمة"، بحسب محامي آل ثاني.

2007، قام أمير قطر ورئيس الوزراء، بزيارة مفاجئة إلى السعودية، لرأب الصدع في العلاقات بين البلدين، وفي آخر العام نفسه، شارك العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، حينذاك، في قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الدوحة.

مطلع 2009، قاطعت السعودية وعدد من الدول العربية، القمة العربية الطارئة التي عقدت في الدوحة لبحث الحرب الإسرائيلية على غزة.

2010، بناء على طلب ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز، أصدر حمد بن خليفة آل ثاني، عفوا عن عدد غير محدد من السعوديين المعتقلين في قطر بتهمة الاشتراك في محاول الانقلاب الفاشلة عام 1996.

ثورات الربيع العربي

في أعقاب انطلاق شرارة التغيير التي اجتاحت دولا عربية عدة، آواخر 2010، بدأت من سيدي بوزيد في تونس، عندما أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي، النار في نفسه، ووصلت سريعا إلى سيدي جابر بالإسكندرية، حيث مقتل الشاب خالد سعيد، على يد الشرطة، وإعلان النسخة المصرية من الانتفاضة، ظهر الخلاف في السياسات جليا بين الرياض والدوحة.

ففي الوقت الذي سخرت فيه قطر، أسطولها الإعلامي لدعم تلك الثورات، وقفت المملكة السعودية على النقيض، إذ استضافت الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي وأسرته، وأعلنت دعمها الواضح لنظام مبارك.

تميم.. من شابه أباه

عام 2013، تولى الأمير تميم بن حمد، السلطة في قطر بعد تنازل الأب لابنه، وسط توقعات سعودية بتحسن علاقاتها مع قطر وانتهاج الأمير الجديد سياسة خارجية تختلف عن السياسة السابقة التي انتهجتها الدوحة منذ انقلاب 1995، ولكن هل حقق الأمير الشاب، أمنيات جيرانه؟.

تحول الفتور الذي شاب العلاقات بين مصر والمعسكر الخليجي "السعودية والإمارات"، في يويليو 2013، إلى دعم سخي للقاهرة التي أطاحت بحكم الإخوان بعد عام واحد فقط، فيما سلكت قطر "راعية الجماعة في المنطقة"، طريقا آخر.

ردا على سياسة الدوحة تجاه بيان الثالث من يوليو، استدعت الرياض، الأمير الشاب إلى السعودية، وأبلغته "بضرورة انتهاج سياسات تتوافق مع سياسات مجلس التعاون الخليجي إزاء القضايا الإقليمة"، ولكن هل فعلت قطر؟

بينما تحسنت العلاقات السعودية الإماراتية - المصرية، بلغ الخلاف ذروته مع الدوحة، بعد أن استدعت الرياض وأبوظبي والمنامة، سفرائها لدى قطر، في مارس 2014، بسبب "تدخل قطر في الشؤون الداخلية لهذه الدول"، بدعم عناصر الإخوان، وجمعية الإصلاح - الفرع الإمارتي للإخوان - المحظورة في بلاد آل نهيان.

التعاون مع إيران.. لا غفران

مع اقتراب عام 2015، من نهايته، اختطف عدد من أفراد الأسرة الحاكمة في قطر، في جنوب العراق لدى دخولهم عن طريق الخطأ خلال رحلة صيد، فيما أشارت دلائل إلى تورط "حزب الله العراقي"، المقرب من ايران، في عملية الاختطاف، قبل أن تتوصل مساعي الدوحة إلى الإفراج عنهم في إبريل2017، مقابل إطلاق سراح عدد من مقاتلي حزب الله اللبناني، وعناصر شيعية لدى المعارضة السورية، ودفع مئات الملايين من الدولارات لإيران ولمليشيات عراقية، في خطوة وصفتها السعودية والإمارات بدعم الإرهاب.

اسشتاط غضب السعوديين، بعد أن نشرت الوكالة الرسمية لقطر، تصريحات نسبتها إلى الشيخ تميم بن حمد، تنصل منها فيما بعد، أكد فيها أن إيران دولة إسلامية كبرى لها ثقل إقليمي لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، مشيرا إلى أن طهران تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها، فأطلقت الآلة الإعلامية السعودية سهامها نحو الدوحة، ودقت طبول الحرب، واتهمت قطر رسميا بدعم الإرهاب.

الاتهام الذي تبلور قبل أيام، في قرار مشترك بين السعودية والإمارات والبحرين، فضلا عن مصر ودول أخرى، بقطع العلاقات كافة مع الدوحة، وضع العلاقات الخليجية القطرية، على صفيح يغلي في صحراء الربع الخالي، فيما تقف "العرضة"، على الحياد.

شارك الخبر على