هل الطرف الأميركيّ نزيه ومتوازن أو قد تحرّر من النزاهة لصالح إسرائيل؟ (جورج عبيد)

أكثر من ٦ سنوات فى تيار

لن تكون زيارة ريك تيلرسون إلى لبنان معصومة عن واقع الالتهاب المستجدّ على خطيّ الجولان وجنوب لبنان، وقد إنسحق الجبروت الإسرائيليّ مرّة أخرى بفعل إسقاط الجيش السوريّ لطائرة F15 وأخرى F16، لينسحب هذا الانسحاق على الدور الإسرائيليّ في المنطقة ككلّ، فلا تظهر منه سوى نقاط ضعف يحاول سدّها في الجنوب اللبنانيّ، وشدّها لصالحه بمحاولة تكوين حالة ضغط في الملفّ النفطيّ، المتعنون بمحاولة ترهيب الشركة المستثمرة للحفر في البلوك 9 واستخراج النفط منه، وترميم الحائط الإسمنتيّ عن طريق تجاوز حدود الهدنة المرسومة في اتفاقية سنة 1949 وفي الوقت عينه محاولة تجاوز الخطّ الأزرق، والقرارات الدولية 425 و426 و1701، المتعلقة بالانسحاب الإسرائيليّ من الجنوب وعدم الاعتداء على السيادة اللبنانيّة.
 
ويفترض مصدر دبلوماسيّ عارف، بأنّ زيارة تيلرسون إلى لبنان والمنطقة، ستعطف العناوين المثارة على عنوان واحد وخطير وهو القرار الأميركيّ الأخير بنقل السفارة الأميركيّة من تل أبيب إلى القدس، سيحاول تيلرسون في جولته بعملية العطف تلطيف القرار الأميركيّ والتخفيف من وطأته وإعادة الاعتبار ولو بخجل إلى المفاوضات العربيّة-الإسرايليّة ضمن مبدأ الدولتين، لكي يبقى للأميركيين أثر طريّ من مصر إلى السلطة الفلسطينيّة إلى المملكة الأردنيّة المهدّدة بدورها بمجموعة اضطرابات خطيرة قد تمزّقها إربًا إربًا.
 
غير أنّ الرجل الآتي من عالم النفط، والمتميّز بالصلابة يغلّفها بلغة دبلوماسية سلسة، سيصطدم ويرتطم بموقف لبنانيّ واحد تجاوز بحدود معقولة ومقبولة التناقضات الداخليّة وانكبّ على تكوين رؤية متينة تلفظ من جوفها أيّة قدرة على التفريق من أنّى جاءت، لا سيّما إذا انطلقت إسرائيليّة بلسان أميركيّ. ذلك أنّه بعد قرار ترامب بنقل السفارة إلى القدس، لم يعد ممكنًا الفصل أو إقامة تمييز ولو بالحدّ الأدنى بين الموقف الأميركيّ والموقف الإسرائيليّ، ولم يعد ممكنًا أيضًا التعاطي مع الطرف الأميركيّ بصفته الطرف النزيه والمحايد، كما كان على سبيل المثال خلال عهد الرئيس السابق بيل كلينتون. وقد كشفت الوقائع لا سيّما منذ سنة 2003 أي تاريخ الدخول الأميركيّ إلى العراق، ومحاولة غرس مقولة الفوضى الخلاّقة في الشرق الأوسط بدءًا من اغتيال الرئيس رفيق الحريريّ، مرورًا بالحرب الإسرائيليّة على لبنان في تموز من سنة 2006 بلوغًا نحو الحرب السوريّة في سنة 2011 وانتهاء بالقرار الأميركيّ الأخير في شأن القدس خلال كانون الأول سنة 2017، بأنّ الأميركيين لم يعودوا طرفًا نزيهًا لا سيّما في عهدي جورج بوش الإبن ودونالد ترامب الآن.
 
لقد كان ممكنًا على الأميركيين في السابق التوغّل في التفاصيل اللبنانيّة وعناوينها المختلف عليها واستثمارها بقوةّ بالانسياب المتكامل الأجزاء بين الأطراف المختلفة والمتنازعة، وجذب بعضهم إلى وعائها ليكونوا موصّفين لسياستها ومحذّرين من مغبّة الممانعة والمكابرة. وقد بدا واضحًا في مراحل كثيرة بأنّ اللسان الأميركيّ منغرس في أفواه أطراف سياسيّة وإعلاميّة لبنانية فاعلة ومؤثرة، وليس لها وظيفة داخلية بل وظيفتها محصورة بتبيان المواقف الأميركيّة وتحويلها إلى رسائل مرسلة إلى الدولة اللبنانيّة واللبنانيين عمومًا ضمن الحيزين الداخليّ-الخارجيّ.
 
أهميّة اجتماع رئيس الجمهورية ميشال عون إلى رئيسيّ المجلس النيابيّ والحكومة نبيه برّي وسعد الحريريّ، أنه غاص في العناوين المتفجرة وقد تمّت محاكاتها في لحظاتها الآنية وتفاعلاتها المستقبليّة، بعدما طوى اللقاء صفحة خلافية كادت أن تفجّر البلد، فيتماهى التفجير بالإرادة الإسرائيليّة العامدة على ضرب مفهوم الاستقرار اللبنانيّ، والمنطلقة منه لضرب الخطوط الحمر المانعة من أيّ اعتداء إسرائيليّ ممكن. نتيجة الغوص بلغت الذروة بعد محاكاة وتشريح العناوين من الجولان إلى جنوب لبنان مرورًا بالقدس، والذروة تبلورت بمفهوم لبناني واحد جامع بين المسؤولين، عنوانه التعاطي بصلابة ومتانة مع زيارة وزير الخارجية الأميركيّ ريك تيلرسون بالعنوان المكشوف سلفًا من خلال العرض الذي قدّمه مساعده السفير ديفيد ساترفيلد وقد كان فيما سلف سفيرًا للولايات المتحدة الأميركية في لبنان. وتتوضّح المتانة والصلابة اللبنانية أكثر بالتمييز اللبنانيّ الواحد بين الدور الأميركيّ الوسيط والدور الأميركيّ المتورّط والمدافع عن وجود إسرائيل ضمن الخماسيّة المحيطة بها أي لبنان وسوريا والأردن والضفة الشرقية ومصر. وتفيد بعض المعلومات المتداولة بأنّ ساترفيلد عمد على إشراك إسرائيل في الثروة النفطية ضمن البلوك التاسع مع لبنان، إلاّ أنّ الموقف اللبنانيّ كان رافضًا رفضًا قاطعًا وقد ترجم رئيس الجمهورية الرفض بموقفه حين قال نرفض التعدي على حقوقنا النفطية وأرضنا.
 
لن يكون بمقدور تيلرسون وبحسب ما يرشح أن يستفرد بكل رئيس أو مسؤول على حدة، فيسعى من خلال دينامية الاستفراد إلى إغراء هذا وذاك، أو تهديد هذا وذاك. ومما تبيّن بأنه آت إلى لبنان ضمن سياسة العصا والجزرة ضمن همّ واحد وهو أن يربك اللبنانيين ويسهل المهمة أمام الإسرائيليين باستباحة الثروة النفطية واستكمال مخططهم. لقد تبيّن وبوضوح تام، بانّ مفهوم السلاح الردعيّ الذي تبناه رئيس الجمهورية في خطاب القسم بحرص شديد على موجودية المقاومة، سيتحوّل وبالتفاوض مع تيلرسون إلى سياسة ردعية بل إلى دبلوماسية ردعيّة بكل ما للكلمة من معنى. سلاح المقاومة ضمن هذا المبدأ سيتجلى بوضوح بعدم الوضوح أي عدم الطمأنة، لن يسعى اللبنانيون من خلال رئيس الجمهورية أو من خلال رئيسيّ المجلس والحكومة أو من خلال وزير الخارجية جبران باسيل إلى طمأنة الإسرائيليين. وبحسب المراقبين، فإنّ مفهوم السلاح الردعيّ سيفعل فعله مرّة أخرى في التفاوض مع الأميركيين وصولاً إلى التجسيد على الأرض. ويعرف الإسرائيليّون على وجه التحديد بأنّ سلاح المقاومة اللبنانية مع حزب الله، أمسى يشكّل مساحة خوف ورعب للإسرائيليين ترجم ذلك غير مرّة  في محطات عديدة عرفها الإسرائيليون على وجه التحديد، كان آخرها ردّة الفعل التي أبداها نتنياهو حين اتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متوسّلا إليه بالضغط على حزب الله حتى لا يقوم بأي ردّة فعل ممكنة. وإذا ساغ الكلام أكثر فإن إسرائيل أثبتت بالفعل أنها دولة كرتونية قابلة للعطب وللانحلال والتمزّق لأسباب عديدة أهمها:
 
1-   تلوّث القيادات فيها بالفساد، وهذا عامل أساسيّ يؤدّي إلى التآكل الداخليّ والاهتراء الذاتيّ.
2-   اهتزاز الجوّ أو مفهوم القتال الجويّ، وهذا أخطر عامل يعيشه الإسرائيليون بعد إسقاط الطائرتين الإسرائيليتين من قبل الجيش السوريّ، فما هو قائم في الفضاء السوريّ قائم في الفضاء اللبنانيّ. السلاح الردعيّ ليس بريًّا بل جويًّا، وقد أثبت فعله بقوّة وسيكون مانعًا للإسرائيليين من القيام بغارات جويّة سواءً كانت وهميّة أو فعليّة.
3-   البون الشاسع ما بين الإسرائيليين واللبنانيين والسوريين في مفهوم لاهوتيّ يقوم على الحياة بعد الموت، فمعظم الإسرائيليين صدوقيون، لا يؤمنون بالحياة بعد الموت فيما المقاومة والجيشان اللبنانيّ في لبنان أو السوريّ في سوريا بأفراده مسيحيين ومسلمين يؤمنون بالحياة بعد الموت أي بالقيامة، وتلك معادلة قائمة في المواجهة الإسرائيليّة، والدليل على ذلك أنه ما إن سقطت الطائرتان الإسرائيليّتان حتى علت صفارات الإنذار في الجليل الأعلى وشمال فلسطين، داعية الناس للنزول إلى الملاجئ.
4-   إستمرار توازن الرعب كما هو، فالإسرائيليّ يخشى فعليًّا من سقوطه، بعدما ثبت الخلل الدفاعيّ الحويّ عنده على وجه التحديد. توازن الرعب حاجة إسرائيليّة أكثر مما هي حاجة لبنانية أو سورية أو حاجة عند المقاومة.
5-   الخوف الكامن عندهم هو السبب لبناء الحائط الإسمنتيّ، وإذا ما بلغ الحائط الخطّ الأزرق وتجاوز البرّ نحو البحر بالاعتداء السافر على الثروة النفطيّة حينئذ سيكون هناك حساب عسير عبّر عنه الرئيس عون أمس، وذلك بالردّ على الاعتداء حتى لو كان الميدان ساحة لتجسيد الرد.
6-   العامل الروسيّ بات بدوره ضاغطًا مقابل الأميركيين الداعمين لإسرائيل، سيّما أنّ السلاح الذي أسقط الطائرة الإسرائيلية روسيّ، إسقاط الطائرة رسالة روسيّة للأميركيين تعبّر عن فاعلية وقدرة أمنيتين وسياسيتين.
 
الحوار اللبنانيّ-الأميركيّ غدًا خلال زيارة ريك تيلرسون سيلحظ هذه العوامل والأسباب. ستكون موادّ جوهرية في اللقاء مع تيلرسون، بتفصيل وتشريح دقيقين. وزير خارجية أميركا يزور لبنان في وسط تلك البقعة الملتهبة، ولن يقدر على الفصل بين سلاح المقومة ودورها وبين دور الجيش اللبنانيّ فسياق الأحداث أثبت فاعلية السلاح في ترسيم خريطة جديدة في الصراع. بحيث يبدو الطرف اللبنانيّ مالكًا للقدرة على قول ما يراه صالحًا وخيّرًا وداعمًا للحقّ اللبنانيّ بوجه إسرائيل. فبمقدار لمس المسؤولين اللبنانيين بأنّ الطرف الأميركيّ تحرّر من نزاهته لصالح إسرائيل، سيكتشف الأميركيون صلابة اللبنانيين ومتانتهم بمفهوم الدبلوماسية الردعية بالإزاء مع السلاح الردعيّ، وستتحوّل الصلابة إلى صخرة صلدة تتحطّم عليها الغطرسة الكرتونيّة، والصخرة تعبّر عن حقّ لبنان الواحد بالوجود بل إنه واجب الوجود من أجل استقرار المشرق والبشريّة جمعاء.

شارك الخبر على