وثيقة التفاهم بين التيار الوطنيّ الحر وحزب الله أمتن وأصلب من المحن
أكثر من ٧ سنوات فى تيار
بقلم جورج عبيدثمّة قيم جديدة أرسيت بعيد توقيع وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطنيّ الحر تجلّت أضواؤها على وجه التحديد في مواقف عديدة أهمّها أنّ التيار ومعه غالبية المسيحيين، تآزروا مع الحزب خلال حرب إسرائيل على لبنان في تموز سنة 2006 ويتذكّر كثيرون قبل تلك الحقبة بانّ العلاقة بين الفريقين كانت تمرّ بمراحل دقيقة، فكلاهما وقف في خندق مختلف عن الآخر. والموقف الثاني، بأنّ التيار الوطنيّ الحرّ دعم الحزب في قتاله التكفيريين في سوريا، في وقت أدّى دخول الحزب على خطّ المعارك إلى انشطار المواقف السياسيّة في لبنان بين مؤيدين ومعارضين. مقابل ذلك دعم الحزب ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة، بل خاضها حتى النهاية في وقت كان حليفه الرئيس نبيه برّي وكما كان معروفًا داعمًا لترشيح سليمان فرنجيّة إلى الموقع عينه.كثيرون شكّوا وظنّوا بأنّ العماد ميشال عون حينما يبلغ سدّة الرئاسة سيتغيّر موقفه من حزب الله، ومن الحرب في سوريا وعليها، انتخب العماد عون رئيسًا للجمهوريّة فأكّد في خطاب القسم رسوخ التفاهم وفاعلية الرسوخ بتبنّيه مفهومين أساسيين: مفهوم السلاح الردعيّ، بمعنى أنّ الرئيس رفض كليًّا ما يقال حول نزع سلاح المقاومة لأنّه سلاح رادع لإسرائيل ومانع من كل اعتداء عسكريّ وأمنيّ ونفطيّ. ومفهوم القتال الاستباقي في سوريا، والعماد عون قبل الرئاسة وبعدها، دعم الحزب في قتاله القوى التكفيريّة بقوّة، وفي محصّلة استجماع المفهومين يتأكّد يومًا فيومًا وبعيدًا عن أي التباس أو تأويل بأنّ الرئيس ميشال عون والتيار الوطنيّ الحرّ داعمان أساسيان لموجوديّة السلاح في حوزته وبالتنالي، فإنّ الحزب مقدّر لدعم الرئيس الكليّ، الذي لم يأنف لحظة واحدة من ترداده في المحافل العربيّة والدوليّة، ويعرف الحزب مع أمينه العام السيد حسن نصرالله، بأنّ الرئيس تحمّل ضغوطات هائلة نتيجة تبنيه لدور السلاح بالمفهومين المحددين ولم يسأل عن أحد أو يجب على أحد.ألّف التجانس البديع بقيمه السياسيّة-الأخلاقية بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله خطابًا سياسيًّا جديدًا في الداخل اللبنانيّ والمحيط المشرقيّ، انتهج مبدئيّ الاستشراف والاسستقراء سلوكًا له في لحظات قاسية حبلى بالعنف الدمويّ العنيف السائد في المنطقة وبالتحديد في سوريا والعراق. إنّ إقبال العماد ميشال عون في الأساس على توقيع تلك الورقة وترسيخ بنى التحالف الاستراتيجيّ بين التيار وحزب الله، تجلّى من رحم الخطاب المشرقيّ الذي انتهجه العماد عون في زيارته إلى سوريا. أهميّة تلك الزيارة وكما هو معروف، أنّ العماد عون كسر بها ما سمي في مراحل قديمة من الحرب اللبنانيّة مفهوميّ العزل والانعزال السائدين في وسط البيئة المارونيّة على وجه التحديد، وأبان بهذا الكسر، المعالجة الجذريّة لعلاقة الموارنة والمسيحيين بالمحيط الإسلاميّ. ذلك أنّ البعد المشرقيّ الذي اكتنزه عون كان المنطلق لفهم كل آخر على الساحة اللبنانيّة وإرساء علاقة شركوية معه قائمة على الفلسفة الميثاقيّة، وهي العقد الجامع سياسيًّا واجتماعيًّا بين مكونات لبنان. هذه المداميك والأعمدة المنحوتة والمصبوبة بعناية فائقة، أرست تلك القراءة الاستراتيجية المرتكزة على منهجيّ الاستشراف والاسنقراء. تلك القراءة أظهرت بواقعيّة مطلقة نظرة مشتركة بين التيار والحزب حول ما ينتظر سوريا بفعل انفجار ما سمي بالربيع العربيّ أفقيًّا فشطر المنطقة شطرين، بفعل تعاظم الفتنة المذهبيّة بين السنّة والشيعة، بانسياب للقوى التكفيريّة فيها، وشطر الإسلام إلى عدّة شطور بفعل محاولة شيطنته وأبلسته عبر تلك القوى، وهدد المسيحيين بوجودهم الكريم في سوريا والعراق. فحرص العماد عون ومعه التيار كنتيجة لتلك القراءة إلى أن الإسلام دين متماسك يبشرّ بالسلام يأمر المعروف وينهى عن المنكر، والوجود الإسلاميّ ضرورة مسيحيّة، وكان للحزب دور في إبطال مفهوم سلخ المسيحيين والدعوة إلى الشراكة معهم إنطلاقًا من لبنان. وجاءت تلك القراءة متمّمة لما كان يقوله الرجل العاقل والناصع والرصين الرئيس سليم الحصّ، بأنّ اللقاء بين المسيحية المشرقيّة والإسلام القرآنيّ يعيد للعروبة حضورها وبهاءها. بالإضافة إلى ذلك، غاصت القراءة المشتركة وتبحرت في مواقف الدول من الأزمة السوريّة على وجه التحديد. القراءة الفكرية العميقة هي الحوض لسبر غور تلك المواقف، ففي سنة 2013 وفي حديث أدلى به العماد ميشال عون للزميل غسان بن جدّو، قرأ بأن روسيا ستدخل سوريا وقد حدث ذلك قبل دخولها بسنة ونيّف، وأكّد على الدور المحوريّ لإيران، وقد كانت إيران تتفاوض مع دول ما سمي 5+1، مما يجعل المنطقة على تبدّل سريع في الخيارات وقواعد اللعبة، وكان حزب الله قد دخل ميدانيًّا الأرض السورية من بعد انتصاره المدوي في القصير. فتلاقت رؤية العماد ميشال عون مع التجسيد الفعليّ، وبالفعل دخلت سوريا وبفعل الثنائيّة الروسيّة-الإيرانيّة تمّ ربط الحدود السوريّة بالحدود العراقية، وحرر ثمانون بالمئة من الأراضي السوريّة، وتمّ بعد ذلك تحرير سلسلة جبال لبنان الشرقيّة بفضل تعاون الجيش والمقاومة والجيش السوريّ من الضفة الثانية للحدود. على المستوى الداخليّ، جاءت وثيقة التفاهم لبنة أولى للتأكيد على الشراكة الميثاقيّة في لبنان، وعلى أساسها خطى التيار الوطنيّ الحرّ خطوات توسّعت باتجاه مكونات أخرى حاول ويحاول ترميم تفاهمات معها، كان للوزير جبران باسيل الدور الأساسيّ في تسطيرها. ومن ضمن السياق الميثاقيّ، أظهر جبران باسيل على وجه التحديد حرصًا ثابتًا وأكيدًا، بأنّ لبنان لا يسير بثنائيّات على حساب طوائف أخرى، بل يسير بالتكامل مع الجميع وفيما بينهم. بمعنى أنّ الوهم من تكوين ثنائيّة مسيحيّة-سنيّة على حساب الشيعة ليس حقيقة بل مجرّد وهم. وقد طرحت مصادر مسيحيّة قريبة من التيار الوطنيّ الحرّ، لماذا لم يخش التيار الوطنيّ الحر من الحوار بين تيتر المسقبل وحزب الله برعاية الرئيس نبيه برّي؟ بل على العكس لقد وجد التيار الوطنيّ الحرّ بأنّ هذا الحوار عينًا مساحة جديّة لتقليم أظافر الفتنة المذهبيّة في لبنان ومنع حصولها وأعلن غير مرّة بأنّه مع تعميم الحوار بين الجميع لتخفيف كلّ احتقان من شأنه إذا راتفع منسوبه فوق الطبيعة أن يقود إلى انفجار... وفي هذا الأمر كانت لسماحة الأمين العام السيد نصرالله مواقف مؤكّدة على تلك الرؤية. لا يعني هذا بأنّ التيار والحزب لم يتمايزا في مواقف خاصة بكلّ واحد منهما. فالعلاقة ليست بين صوت وصدى، ثمّة خصوصية يتمايز بها الواحد عن الآخر.وعلى هذا حاول كثيرون الضغط للفصل بين الحزب والتيار ولم يتمكنوا. دخلت على خطّ العلاقة قضايا عديدة كالتجديد والتمديد والمياومين، وظلّت العلاقة على صلابتها ومتانتها. في أزمة استدعاء الحريري إلى السعودية وإرغامه على تقديم استقالته في الرياض ومنها، تلاحم اللبنانيون مع بعضهم وبرزا التيار الوطنيّ الحر وحزب الله على موقف واحد صلب ومتين، وهذا عينًا منع البلاد من أن تبتلعها الفتنة. جاءت قضيّة نقل السفارة الأميركيّة من تل أبيب إلى القدس، فكان موقف وزير الخارجية ورئيس التيار جبران باسيل ممثّلاً لموقف المقاومة وأشاد به أمين عام حزب الله نفسه، ومن ثم موقف رئيس الجمهورية العماد عون في القمة الإسلامية ليحوز على إجماع وطنيّ كبير... إلى أن انفجرت مواقف ساهمت بشيء من الالتباس بالنسبة إلى حديث جبران باسيل إلى الميادين، ليتمّ فيما بعد التمييز بين ما هو سياسيّ وعقيديّ، ويتمّ التبيان فيما بعد بأن كلامه مرتكز على مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال قمة بيروت سنة 2002. ثم كان الجدل حول فيلم خلق إرباكًا، وكان لا بد من التوضيح بأنّ هذه المسألة لا تعني أن لبنان مؤمن بأي تطبيع ثقافيّ وفكريّ مع إسرائيل، ولكنّ الفيلم مكشوف ليس عبر صالات السينما بل عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ واليوتيوب، فأين الضرر إذا ما شاهده اللبنانيون وقاموا بفهم النبض العدائيّ؟ وتم تجاوز النقاش حول هذه المسألة حتى انفجرت بين الوزير باسيل والرئيس نبيه برّي على خلفية مؤتمر المغتربين وخلفية المرسوم الذي هو جوهر الأزمة. كاد البلد أن يغرق في فتنة أعدّ لها بعناية بين المسيحيين والشيعة كحالة رديفة عن الفتنة المذهبيّة، فهم حزب الله خطورة الموقف لا سيما من بعد تدحرج الوضع من الاحتقان النفسي إلى الانفجار الكلاميّ والميدانيّ، وذاق رئيس الجمهورية مرارة الخطورة سيما من بعد التطورات في الحدث وسن الفيل، إلتقى الموقفان على رأب الصدع ومنع الفتنة، واتفق الرؤساء على اللقاء في بعبدا والآمال معقودة على ما يمكن صدوره من رؤى إيجابية تنقذ لبنان. الفضل في طمر الفتنة لحركة فخامة الرئيس ولتدخل السيد حسن نصرالله، من دون التنكر لدور الرئيس سعد الحريري واللواء عباس إبراهيم. وبقيت ورقة التفاهم وعاءً صلبًا حاميًا للبنان من الفتن.لقد أثبت التفاهم بين التيار الوطنيّ الحر وحزب الله أنّه أصلب من الفتن وأعتى من المحن، ويملك ضاقة كبيرة على حبك شبكة أمان لكلّ اللبنانيين. فلا حزب الله سيتخلّى عنها ولا التيار الوطنيّ الحر أيضًا سيتخلّى عنها، حزب الله يشعر بالقوّة من خلال دعم التيار الوطنيّ الحرّ له، وبخاصة دعم رئيس الجمهورية، والتيار بورقة التفاهم يشعر بالقدرة على الخروج من مرحلة حاول كثيرون استهلاك المسيحيين في مصالحهم ليكتشف بأنّ الحزب كان من المؤسسين للشراكة الفعلية القائمة على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. في الذكرى الثانية عشرة لتفاهم مار ميخائيل، تظلّ ورقة التفاهم حجر زاوية لخلاص لبنان والمشرق معًا.