عز فى «المصرى اليوم» المستفز

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

أسوأ ما فى المقال الذى فاجأتنا "المصرى اليوم" بنشره لأحمد عز يوم 28 سبتمبر تحت عنوان "دعوة للتفاؤل" هو المقدمة التى تفضل السيد "رئيس التحرير" بكتابتها لتبرير نشره، زاعما أن السبب هو "الانحياز لكل الأفكار البناءة بعيدا عن أى تصنيف سياسى أو حزبى لصاحبها.. ولإيماننا الأساسى بحق القارئ فى المعرفة".
لم يشمل "الحق فى المعرفة" من رئيس التحرير تقديم التوصيف الملائم لكاتب المقال، والاكتفاء بالقول إنه "رئيس لجنة الخطة والموازنة الأسبق فى مجلس الشعب الأسبق" وذلك على اعتبار أن القراء من جواتيمالا أو غينيا الاستوائية، ولا يعرفون من هو أحمد عز: أمين التنظيم السابق للحزب الوطنى المنحل وعضو لجنة السياسات فى الحزب، أو لجنة توريث الحكم لجمال مبارك، والذى ثار الشعب المصرى ضده فى 25 يناير 2011، وكان إحراق مقراته فى مدن مصرية عدة تعبيرًا عن إدراك المواطنين لحقيقة دوره، وأنه مجرد كيان يمتلكه النظام ويديره ويضم أصحاب المصالح المرتبطين به، أو الراغبين على الحصول على منافع خاصة، فى غياب أى فكر أو برنامج لذلك الحزب سوى دعم الرئيس والاستفادة من شبكة الفساد التى أدارها الرئيس المخلوع ونجلاه ومن حوله.
أليس من "حق القارئ فى المعرفة" أيضا الإشارة إلى حجم قضايا الفساد التى تورط فيها عز ونال عن بعضها أحكاما وتصالح فى أخرى، أم أن "المصرى اليوم" قررت أن كل هذه القضايا كانت مجرد أوهام، وقررت أن تقدم لنا (عز) كخبير اقتصادى فقط لديه أفكار "متفائلة"؟
كان فى مصر تعددية سياسية من الناحية الرسمية منذ العام 1977، ولكن نظام الحزب الواحد، والكيان السياسى الواحد التابع للرئيس وتوجيهاته بقى هو السمة المهيمنة منذ حل الأحزاب فى 1954، وتم اعتماد التزوير سياسة رسمية تمارسها الأجهزة الأمنية بحيث تكون النتيجة دائما الغالبية الساحقة للرئيس وللحزب الحاكم بداية بنسبة 99.9 المضحكة أو 90 فى المئة لو تواضع كمبيوتر الداخلية وأصابه بعض الخلل. 
ولكن رئيس التحرير لم يشأ فى مقدمته أن يشير إلى أن أحمد عز ورفاقه أشرفوا على أكثر الانتخابات بجاحة فى التزوير منذ إقرار النظام التعددية فى العام 2010، والتى اتفق الكثير من المحللين أنها كانت أحد الأسباب المهمة التى أسهمت فى الإسراع بإسقاط نظام المخلوع بعد شهرين فقط من إجرائها.
بسبب أحمد عز، تحول الحزب الوطنى المنحل إلى شركة قابضة تتلقى الأموال من المتطلعين للترشح والطامعين فى دخول جنة مجلس الشعب الذى سيتولى مهمة تنصيب نجل الرئيس رئيسا. وبكل صلف وبجاحة ظهرت نتيجة انتخابات 2010 بفوز كاسح وكامل للحزب الوطنى المنحل، دون أن تتمكن أحزاب المعارضة من الفوز ولو بمقعد واحد، بعد أن كان لها أكثر من مئة مقعد فى برلمان 2005، معظمهم لجماعة الإخوان المسلمين فى إطار الصفقة والتفاهم اللذين كانا قائمين بين الجماعة وجهاز أمن الدولة.
أشار الزميل رئيس تحرير "المصرى اليوم" إلى أنه قرأ المقال "بكل تركيز" ولمس فيه "أفكارا ورؤى متكاملة حول الأزمة الاقتصادية الحالية" متناسيًا أنه بعد أن زوّر عز الانتخابات ومعه أعضاء لجنة السياسات الذين جمعهم حوله للتمهيد لتولى جمال مبارك منصب الرئاسة، قام هو شخصيا بنشر ثلاث مقالات مطولة فى جريدة "الأهرام" لكى يبرز حجم ما تحقق من "إنجازات" كمبرر للفوز الكاسح الذى حققه (الوطنى المنحل) مستخدما تقريبا نفس المنطق الفاسد المخادع الذى كتب به مقاله "دعوة للتفاؤل". http://www.ahram.org.eg/archive/Al-Ahram-Files/News/54598.aspx
فى ذلك الوقت، وتحديدا فى 23 ديسمبر 2010، أبرز عز معدلات النمو التى تحققت على الورق وفى الوثائق التى يتم تقديمها لصندوق النقد الدولي، وزيادة حجم الاستثمارات ومعدلات التصدير ونمو السياحة، وكذلك ارتفاع عدد المصريين ممن يمتلكون سيارات وأجهزة تكييف وسلعا معمرة وهواتف موبايل، واعتبار كل هذه مؤشرات على حجم الإنجاز الذى تحقق، وبغض النظر عن تزوير الانتخابات. ولكن كل المؤشرات انهارت كقصر من الرمال بعد نشر هذه المقالات الشهيرة بأسابيع قليلة، وذلك لأن الغالبية العظمى من الشعب المصرى لم تكن تشعر ولو بالنذر اليسير من الرخاء المزعوم الذى كان "أحمد عز" يسهب فى وصفه.
دعوات التفاؤل التى أطلقها عز عبر الأرقام الرسمية هى غالبا نذير شؤم، وليست خدمة تقدمها أول صحيفة خاصة فى مصر للرئيس السيسي، خاصة إذا كنا جربنا هذا المسار من قبل وانتهى الأمر بكل هذا الحجم من الغضب الذى عبر عنه المصريون فى ثورة يناير. ويزيد الطين بلة أن مقال كبير مزوِّرى الانتخابات السابق لم نقرأ فيه دعوة واحدة لزيادة الإنتاج المحلى أو دعم الصناعة والزراعة وخلق فرص العمل من أجل حل مشكلة البطالة، بل يتضمن دعوة للاستمرار فى سيناريو المزيد والمزيد من الاقتراض، بزعم أن مستوى الدين الحالى لمصر ما زال منخفضا مقارنة بدول أخرى استفادت من الديون لكى تعيد بناء اقتصادها، إلى جانب التقليل من شأن تخفيض العملة المحلية، بزعم أن ذلك سيساعد على زيادة الصادرات.
لم ينتبه بائع الأوهام إلى أننا نسير على طريق الديون والمزيد من الديون منذ أن تولى الرئيس السيسى المسئولية، وأن هذه الديون تذهب لسداد احتياجاتنا شهرا بشهر وسد النقص الناجم عن الإفراط فى تمويل مشروعات قومية عنجهية لا تدر عائدا فوريا ولا تسهم فى تحسين مستوى معيشة المواطنين وتلبية احتياجاتهم العاجلة فى الصحة والتعليم وخلق الوظائف.
نشر مقال عز المستفز ليس مصادفة، ولا بد من قراءته فى إطار الصراع المتواصل بين رموز نظام المخلوع والنظام الحالي. ولكننا كنا نتوقع من رئيس التحرير على الأقل أن يحترم عقولنا، ولا يزعم أن الرجل الذى أسهم فى دفعنا نحو الهاوية يمكن أن يكون لديه "أفكار ورؤى متكاملة". 
عندما نقرأ مقالا لأحمد عز، يجب على الجميع التشاؤم، لا التفاؤل.    

 

شارك الخبر على