السعودية تتحدى «الأوقاف» وتعرض «المحظورات» في معرض الكتاب

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

"لا لكتب مشايخ السلفية" شعار رفعته وزارة الأوقاف خلال الفترة الماضية، فى محاولة منها للحد من انتشار الأفكار المتطرفة خاصة فى المساجد، بعدما شهدت مكتبات المنابر غزوا للكتب السلفية المتشددة التى تحمل فى طياتها العدديد من الأفكار الشاذة، من أمثال كتب ابن عبد الوهاب وابن باز وابن عثيمين.

وفى إطار حرب الوزارة على الكتب المتشددة، قامت مديريات الأوقاف خلال الشهور الماضية فى شتى محافظات الجمهورية بمصادرة كتب الفكر الوهابي، خاصة فى محافظة الإسكندرية والبحيرة والجيزة والقاهرة ومحافظات أخرى تعتنق الفكر الوهابي السلفي.

مفاجاة بمعرض الكتاب

على الرغم من حرص المؤسسات الدينية على مصادرة كتب ابن عبد الوهاب وابن باز وابن عثيمين، وغيرهما من أنصار الفكر الوهابي، متهمين إياهم بأنهم أصحاب الفكر المتشدد والمتطرف، والذى يقف حائلا دون المضى قدما على طريق تجديد الخطاب الدينى، فإن جناح السعودية بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ49، حمل مفاجأة كبرى وتحديا سافرا للأوقاف والأزهر.

رصدت عدسة "التحرير" انتشارا كثيفا لكتب ابن عبد الوهاب وابن عثيمين وابن باز داخل مكتبات كثيرة بجناح المملكة العربية السعودية بمعرض الكتاب، فى تجاهل تام لاعتبار المؤسسات الدينية، وفى مقدمتهم الأوقاف لتلك الكتب بالمحظورة والممنوعة، خوفا على الشباب من اعتناق تلك الأفكار.

السعودية تتحدى "الأوقاف" وتعرض كتب ابن باز وابن عبد الوهاب 

فى داخل دار ابن الجوزى للنشر والتوزيع، والمشاركة فى معرض الكتاب بجناح المملكة، هناك عشرات الكتب لابن باز ومحمد صالح العثيمين، مثل كتاب "الأصول من علم الأصول" بسعر 30 جنيها، وكتاب "الإلمام ببعض آيات الأحكام" لابن عثيمين، بسعر 200 جنيه، وكتاب "تسهيل الفرائض" بـ40 جنيها، وكتاب "التعليق على المنتقى من أخبار المصطفى" خمسة أجزاء

بـ875 جنيها، وكتاب "تعليقات وتنبيهات على العقيدة" لصالح العثيمين، بـ100 جنيه. و"شرح قواعد الأصول ومعاقد الفصول" بسعر 135 جنيها.

وكذلك كتاب "اختبارات الشيخ بن باز الفقهية" ثلاثة مجلدات بسعر 425 جنيها، وفتاوى مقررات علمية صادرة عن مكتبة ابن باز، بـ200 جنيه. 

أما فى دار الصميعي للنشر والتوزيع السعودية، المشاركة فى معرض المملكة بالقاهرة للكتاب فى دورته الـ49، فانتشرت بها كتب ابن باز، مثل كتاب "الشرح الممتاز لابن باز" بسعر 75 جنيها، وكتاب "الإفهام فى شرح عهدة الأحكام"، بسعر 180 جنيها، ومجموعة "فتاوى ابن باز"، وكتاب "الدعوة إلى الله"، و"أخلاق الدعاة"، و"فتاوى مهمة لعموم الأمة".

وفى كل ديار النشر المشاركة بجناح السعودية بمعرض الكتاب، وجد مختلف الكتب لابن عبد الوهاب، مثل كتاب التوحيد، وكذلك الكتب الخاصة بمراجع التوحيد لابن عبد الوهاب، وكتاب رسائل العقيدة لابن عبد الوهاب، وأصول الإيمان، ورسائل فى التوحيد والإيمان، بأسعار تتراوح من 50 إلى 140 جنيها.

إقبال من طلبة الأزهر على الكتب المحظورة

وحققت تلك الكتب مبيعات عالية بين مختلف شباب التيار السلفي المصرى، وكذلك بين طلاب جامعة الأزهر، خاصة الطلاب الوافدين، فقام قطاع عريض من طلاب جامعة الأزهر بشراء كتب التوحيد لابن عبد الوهاب، وأيضا كتب لابن باز.

مواقف متناقضة

وفى نوع من التجاهل المتعمد من وزير الأوقاف للكتب المتشددة  بمعرض السعودية، زار مختار جمعة جناح المملكة العربية السعودية، خلال الأيام الماضية، وأعرب الوزير عن سعادته بزيارة جناح المملكة؛ مؤكدا أنه متميز وجذاب، وأن مصر والمملكة جناحا هذه الأمة التي لا يمكن أن تطير بجناح واحد دون الآخر.

وأوضح وزير الأوقاف خلال جولته بجناح السعودية، أن اللافت للنظر هو المشاركة الواسعة لجناح المملكة في معرض الكتاب الذي يؤكد أهمية الثقافة في بناء الإنسان والتواصل الثقافي بين المجتمعات، وأن معارض الكتاب هي أقوى وسيلة للتواصل الحضاري والإنساني والوقوف على ما أنتجه العقل البشري والإنساني، مشيدا بحجم المشاركة والتنوع الثقافي بجناح المملكة، فى مشهد متناقض وضارب بمصلحة تجديد الخطاب الدينى عرض الحائط، بالسعي خلال الشهور الماضية بمصادرة كتب ابن عبد الوهاب وابن باز وابن عثيمين بالمساجد، واصفا إياه بالمتشددة والمتطرفة، في الوقت الذى حملت فيه جولته كل الإشادة بمعروضات الجناح المملكة.

الأزهر يتجاهل الكتب المتشددة 

لم يكن وزير الأوقاف، مختار جمعة، الشخصية الدينية المسئولة الوحيدة التى زارت جناح السعودية بمعرض الكتاب، وتجاهلت وجود تلك الكتب المتشددة، بل سار على نهجه عدد من علماء الأزهر الشريف، وفى مقدمتهم الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، والدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، ومحمد عبد السلام، المستشار القانونى لشيخ الأزهر، الذين قاموا بزيارة جناح المملكة العربية السعودية بمعرض الكتاب.

وحرصا على مصلحة الأزهر مع المملكة العربية السعودية، قال عباس شومان: أفخر وأسعد بوجودي في جناح المملكة العربية السعودية التي هي قبلة المسلمين فعندما يذكر اسم المملكة تهفو جوارحنا نحو الكعبة المشرفة والمسجد النبوى الشريف، فجهود المملكة العربية السعودية كبيرة في خدمة الإسلام، فجناح المملكة بهذا الحجم في تلك التظاهرة الثقافية بمعرض الكتاب لا شك أنه أمر يسعدنا ونفخر به، فى تجاهل تام لكتب ابن عبد الوهاب، وفتاوى ابن باز المتشددة، والتى تستقطب عقول طلاب جامعة الأزهر وشباب المصريين الذين حرصوا على زيارة المعرض منذ انطلاقه.

وزير الثقافة يشيد بجناح المملكة

واستكمالا لمسلسل غض البصر من المسئولين فى مصر عن كتب ابن عبد الوهاب وغيرها من أنصار الفكر الوهابي المتشدد، أعربت وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، السبت الماضى، خلال زيارتها للجناح السعودي، عن إعجابها بما شاهدته من معروضات تقدم الصورة الحقيقية للحياة الثقافية والعلمية في المملكة العربية السعودية، كما أثنت على الثقافة السعودية وقدرتها الفائقة على المزج المتقن بين الأصالة والمعاصرة، دون أن تنتبه لخطورة المعروضات التى تنتشر فى عدد من دور النشر المشاركة بجناح السعودية.

دور نشر مصرية تعمل على نشر الفكر الوهابي

وقال أحد القيادات السلفية، الذى فضل عدم ذكر اسمه، أن أشهر ديار النشر التابعة للدعوة السلفية وتقوم بطباعة كتب مشايخ الفكر الوهابي ترتكز بالإسكندرية وهى "دار الخلفاء الراشدين، ودار الفتح"، بينما دور النشر للسلفيين بشكل عام أكثر بالقاهرة وعدة محافظات. وأوضح أن أشهر دور النشر للسفليين فى القاهرة ترتكز فى منطقة درب الأتراك خلف الجامع الأزهر، وأبرز أسماء تلك الدور هى "دار الآثار، دار العلوم والحكم، المكتبة الإسلامية، دار بن عباس، دار الإمام أحمد بن حنبل، دار العفانى، دار الحجاز".

وتابع: "إن دور النشر الأكثر شهرة للسلفيين فى محافظة الدقهلية ترتكز فى مدينة المنصورة، ويأتى على رأسها دار بن رجب، ودار المودة، ودار الكيان، بينما هناك دار نشر شهيرة للسلفيين فى طنطا وهى دار الصحابة".

كيف دخلت كتب الفكر الوهابي للمساجد؟

حول كيفية دخول تلك الكتب لمكتبات المساجد بكثافة، قال الشيخ سيد عبود وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد الأسبق: "قبل ثورة 25 يناير تعاملت الأجهزة الأمنية مع المساجد كوسيلة للتقرب من الجماعات والتيارات السلفية فأخذت تترك لهم المنابر يفعلون بها ما يريدون وينشرون الأفكار الشاذة مقابل نقل بعضهم معلومات عن زملائهم، والأمر لم يتغير كثيرًا حتى بعد 25 يناير حيث شهدت تلك الفترة مطالبة الجمعيات السلفية وشيوخ السلفية مثل ياسر برهامي ومحمد حسان وأبو إسحاق الحويني السعودية بضرورة إرسال كتب التيار السلفي بكثافة لمواجهة محاولات المد الشيعي.

وأضاف: "السعودية بدأت بعد ذلك ترسل الكتب ناهيك بتلقي تلك الجمعيات أموالاً باهظة من أجل طباعة ونشر هذه الكتب في المساجد، وبالفعل استطاعت أن تنشر التيارات السلفية كتب ابن عبد الوهاب وابن باز وابن عثيمين بالإضافة إلى كتب خاصة بها ومن مؤلفاتهم وتحتوي على أفكار متشددة، مستغلين غياب الدور الدعوي الحقيقي لوزارة الأوقاف.

وتابع: "يأتي ذلك في ظل ضعف بدل الاطلاع للإمام بمعدل 28 جنيهًا وللمفتش بمعدل 18 جنيهًا شهريًّا وهو البدل الخاص بشراء كتب فقهية، يقتني الأئمة والمفتشون هذه الكتب بالمجان من خلال الجمعيات السلفية بطريقة مباشرة أو عن طريق مكتبات المساجد، وبالتالي استطاعت السلفية غزو تلك الكتب بمكتبات المساجد وبعقول بعض الأئمة والدعاة الذين يسهِّلون عليهم مهمة وضع الكتب بالمساجد، ناهيك بالمساجد التي بحوزة تيارات الإسلام السياسي فهي مرتع خصب لانتشار أفكارهم الخارجة عن تعاليم الإسلام.

 

شارك الخبر على