أم كلثوم.. «الست سومة» التي وحدت القُطرين
over 7 years in التحرير
«عظمة على عظمة يا ست».. ليس هناك أبلغ من تلك العبارة التي صُنعت من أجلها ليُشير إلى مدى الولّه الذي أصاب جميع معاصريها تجاهها، تلك الكلمات التي مازال يرددها الملايين من عشاقها في شتى بقاع الوطن العربي عند سماع إحدى روائعها، ولما لا وهي «سومة» صاحبة العصمة وقيثارة الشرق وشمس الأصيل وسيدة الغناء العربي وزمنه الجميل وكوكبه الذي ملأ آذان المحبين بصوته، وأعينهم بنوره، وقلوبهم بكلماته، وكيانهم بصوته الرنان الجهور الناعم المتناقض، ولما لا وهي «فاطمة بنت الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي» نبع الغناء النبيل في الكيان العربي، ولما لا وهي «أم كلثوم».
«وفي الساعة العاشرة من ليلة خميس أول كل شهر، يهدأ ضجيج شوارع القاهرة المعتاد، وكذلك في الدار البيضاء أقصى الغرب منها، وفي أقصى الشرق هناك في بغداد، وما بين هذين الحدين الجغرافيين من بلاد عربية، يحدث الشيء ذاته، إذ يأوي الناس إلى بيوتهم في انتظار برنامج خاص يذيعه راديو القاهرة، ونجمته مغنية يُلقبونها بالست، ويصفونها بالعظيمة».. بهذه الكلمات وصفت مجلة «لايف» الأميركية، العام 1962، حالة العشق بين أم كلثوم وجماهيرها العريضة.
ولدت «أم كلثوم» في 31 ديسمبر 1898، بمركز السنبلاوين التابع لمحافظة الدقهلية، وبدأت الغناء وهي طفلة صغيرة مع والدها في الموالد والأفراح كمؤدية للإنشاد الديني، وفي عام 1922، انتقلت من الريف إلى القاهرة، وبدأت تمارس أربع سنوات من التدريب على يدي الشيخ أبو العلا محمد، الذي نقلها إلى الغناء الدنيوي، ولكن من خلال غناء القصائد فقط مثل «أراك عصي الدمع»، ولكنه سرعان ما رحل في العام 1927.
كان نجم «أم كلثوم» بدأ في الصعود كصوت جديد، لكنها كانت بانتظار من يتولى أمرها وقيادة فرقتها الموسيقية التي كونتها في تلك الفترة، حتى التقت بالمُعلم والمُجدد الموسيقار محمد القصبجي، والذي رسمت ألحانه الملامح الرئيسة في شخصية صوت «سومة»، وفي عام 1928، طرحت مونولوج «إن كنت أسامح وأنسى الآسية» والذي حقق لها شهرة كبيرة، كما شاركت بصوتها في فيلم «أولاد الذوات»، ليوسف وهبي وأمينة رزق عام 1932، ثم التحقت بالإذاعة المصرية عند إنشائها عام 1934، فكانت أول فنانة تدخل الإذاعة.
شاركت في 7 أفلام في الثلاثينيات والأربعينات منها «منيت شبابي، دنانير، سلامة»، وكان آخرها «فاطمة» عام 1947، و«عايدة» والذي كان بدايةً لإقصاء مطور صوتها «القصبجي»، حيث حملته مسئولية فشل الفيلم، وأقنعته أن ألحانه لم تعد كالسابق، لينتهى به الحال خلف «الست» يعزف على عوده ألحان غيره، وفي حوار نادر له لمجلة «الشبكة» اللبنانية، قال: «أنا هويت وانتھیت يا أستاذ، خلاص، لم يبق مني إلا أنامل جرداء، قل عني إني بقايا ملحن، بل بقايا شخص، أنا عملت ما بوسعي وخرجت بأم كلثوم في أكثر من عشرة ألحان قدّمتھا لھا، ولكنها أھانتني، وعندما تُھینني فھذا يعني أحد أمرين، إما أني فاشل، وھذا رأيھا، أو أنھا رجعیة، وھذا رأيي»، وتفرغت بعدها للغناء فقط.
بعد ثورة يوليو عام 1952، تم تكوين اللجنة الموسيقية العليا والتي كانت هي من أعضائها بجانب رياض السنباطي والموسيقار محمد عبد الوهاب، كما أن علاقة وطيدة ربطت بينها والرئيس جمال عبد الناصر، وتعتبر الستينيات من أبرز الفترات الفنية لأم كلثوم حيث أصدرت العديد من الأغنيات الناجحة منها «أنت عمري، الأطلال»، وقامت بغناء العديد من الأغنيات الوطنية بعد نكسة 1967 منها «أصبح عندي الآن بندقية».
«الست» كانت تقدم حفلاتها على مسرحي «قصر النيل، ريفولي»، وهُددت حفلاتها الشهرية بالإلغاء ذات مرة بسبب وجود إصلاحات في المسرحين، حتى اقترح أحد المقربين منها حلًا مؤقتًا لإنقاذ الموقف، وهو «مسرح الأزبكية» الذي يقدم عليه «شكوكو» حفلاته، خاصةً أن الأخير كان معروف عنه حبه لـ«أم كلثوم»، وكان يصر دائمًا على تقليد أغانيها، وبالفعل لجأت «أم كلثوم» لـ«شكوكو» لاستئجار مسرحه، وردّ عليها المونولوجيست الراحل: «مش عيب ده المسرح والعمال والفراشين وبتوع البوفيه كلهم تحت أمرك، وما عليك يا ست الكل إلا التوجه مع فرقتك يوم الخميس لتجدي كل حاجة على سنجة عشرة»، ولم يحصل الفنان على أي أجر من كوكب الشرق معتبرًا الأمر هدية منه لها، حسبما ورد في كتاب «سيرة الحبايب: 55 شخصية من قلب مصر».
شائعات عديدة أحاطت بـ«سومة» طيلة حياتها وبعد وفاتها أيضًا، ومن المعروف عنها أنها لم تتزوج سوى الدكتور حسن الحفناوي، الذي التقته بعيادته كمريضة للعلاج من الغدة، ثم تطورت العلاقة بينهما ليطلب الزواج منها وتوافق، ثم يعيشان معًا حتى رحيلها، لكن الغريب أن يتردد اسم العازف محمود الشريف، ويتم تعريفه كـ«زوج أول» لكوكب الشرق من قِبل البعض، على رأسهم المخرج الكبير محمد فاضل، وقال في برنامج «بالعربي et» على قناة «mbc»، في سبتمبر 2017، إنها تزوجت سرًا من «الشريف» عام 1946، إلا أن الكاتب مصطفى أمين، مستشارها الإعلامي، كان له يد في انفصالهما بهدوء ودون شوشرة، مضيفًا: «مصطفى قال لي إنها كانت في مشكلة خاصة ونفسية، وتقابلت مع الشريف بالنقاب، وهو لسه مكانش ملحن معروف، فقالت له تعالى نتجوز، ونزل مانشيت في أخبار اليوم: زواج أم كلثوم من موسيقي مبتدئ، وبعد أسبوعين، نزل مانشيت بأنها فسخت عقد زواجها»، وبالعودة إلى الخبر في ذلك العام، فإن «أم كلثوم» أكدت خبر طلاقها، قائلةً: «نعم الخبر صحيح».
وعقب وفاة الكاتب والروائي محفوظ عبد الرحمن، أغسطس 2017، نُشر له تسجيلًا صوتيًا يؤكد فيه أن «أم كلثوم» تزوجت من أحد القضاة سرًا ويُدعى «وجدان»، وأنجبت منه 3 أبناء، بينهم ابنة تُدعى «سعدية» مصابة بمرض عقلي، فيما نفت السيدة بثينة السيد، حفيدة كوكب الشرق، الخبر، خلال البرنامج السابق، وكذلك الفنانة سميرة عبد العزيز، زوجة الكاتب الراحل، وشدّدت على أنها ستُقاضي الصحفي الذي نشر التسجيل.
«أم كلثوم» لعبت دورًا بارزًا بطريقة غير مباشرة في تسمية نادي الوداد البيضاوي المغربي، فعندما قرروا مؤسسو النادي إنشائه كأول ناد مغربي إبان الاحتلال الفرنسي للبلاد، وقعوا في حيرة من أجل اختيار اسم يناسبه ولا يعترض عليه الفرنسيون، وفي إحدى الاجتماعات جاء أحد أعضاء الفريق ويدعى، الحاج عبد اللطيف بنجلون التويمي، متأخرًا، وعلل سبب تأخره بأنه كان يشاهد فيلم «الوداد» لأم كلثوم عام 1963، وعندما ذُكر اسم الفيلم، علت رغرودة من إحدى القاطنات في البيوت المجاورة لمقر الاجتماع، مصادفة، ليتفاءل الحاضرون باسم «الوداد»، ويتم إطلاقه على النادي المغربي العريق وإضافة كلمة «البيضاوي» نسبة للدار البيضاء، وبدأ إنتاجها الفني في التناقص في فترة السبعينيات بسبب معاناتها من التهاب الكلى، حيث سافرت إلى لندن للعلاج، حتى وافتها المنية يوم 3 فبراير عام 1975.