قانون إعفاء المانحين الأمريكي ٢٠١٧

حوالي ٦ سنوات فى الشبيبة

جوزيف ستيجليتزلم يحدث من قَبل قَط أن استُقبِل تشريع مصنف على أنه خفض ضريبي وإصلاح ضريبي معا بمثل هذا القدر الهائل من الرفض والسخرية الذي استُقبِل به مشروع القانون الذي أقره الكونجرس الأمريكي ووقع الرئيس دونالد ترامب على تحويله إلى قانون قبل الكريسماس (عيد الميلاد) مباشرة. يزعم الجمهوريون الذين صوتوا لصالح مشروع القانون (لم يصوت أي ديمقراطي لصالحه) أن هديتهم سوف تلقى ما تســـــــتحق من تقدير في وقت لاحق، عندما يرى الأمريكيون أجورهم الصافية ترتفع. ولكن يكاد يكون من المؤكد أنهم مخطئون. إذ أن هذا القانون يضم في حزمة واحدة كل ما يعيب الحزب الجمهوري، وإلى حد ما، الحالة المخزية التي أصبحت عليها الديمقراطية الأمريكية.الواقع أن هذا التشريع ليس «إصلاحا ضريبيا» ولو حتى بموجب أكثر القراءات مرونة. ذلك أن الإصلاح ينطوي على إغلاق الثغرات التشويهية وزيادة عدالة قانون الضرائب. وأهم مظاهر العدالة هنا هو القدرة على السداد. ولكن هذا التشريع الضريبي يخفض الضرائب المفروضة على أولئك الأكثر قدرة على الدفع (الخُمس الأعلى دخلا) بما يعادل عشرات الآلاف من الدولارات في المتوسط.وعندما يُنَفَّذ بشكل كامل (في العام 2027)، فسيزيد الضرائب المفروضة على غالبية الأمريكيين في الوسط (الأخماس الثاني والثالث والرابع). كان قانون الضرائب الأمريكي تناقصيا بالفعل منذ فترة طويلة قبل رئاسة ترمب. حتى أن المستثمر الملياردير وارين بافيت، وهو واحد من أغنى الرجال في العالَم، اشتكى قائلا إنه من الخطأ أن يدفع معدل ضرائب أقل من ذلك الذي يدفعه سكرتيره. ويجعل التشريع الجديد النظام الضريبي الأمريكي أكثر تناقصية (أي أن المعدل يتناقص مع زيادة المبلغ الخاضع للضريبة).من المعترف به عموما أن فجوة التفاوت المتزايدة الاتساع تُعَد مشكلة اقتصادية في الولايات المتحدة، مع استيلاء أولئك عند القمة على كل مكاسب الناتج المحلي الإجمالي تقريبا على مدار ربع القرن الفائتة. ويضيف التشريع الجديد إلى المشكلة: فبدلا من التعويض عن هذا الاتجاه المزعج، يعطي «الإصلاح» الجمهوري المزيد إلى المنتمين إلى قمة توزيع الدخل.لا شك أن الاقتصاد الأكثر تشوها ليس اقتصادا صحيا. وقد أَكَّد صندوق النقد الدولي أن المجتمع الأكثر تفاوتا يؤدي إلى تفاقم سوء الأداء الاقتصادي وسوف يؤدي التشريع الضريبي الجديد حتما إلى مجتمع أكثر تفاوتا.ينشأ قدر كبير من التعقيد والتشوه في قانون الضرائب الأمريكي من فرض معدلات ضريبية مختلفة على أنماط مختلفة من الدخل. ولا تؤدي مثل هذه المعاملة التفاوتية إلى تصور مفاده أن القانون الضريبي ظالم فحسب (وهو تصور صحيح)، بل إنها تُفضي أيضا إلى أوجه قصور عديدة: حيث تتحرك الموارد نحو قطاعات مفضلة، وتُهدَر مع محاولة الشركات تحويل دخولها وأنشطتها إلى الأشكال الأكثر تفضيلا وفوزا بالرعاية. كما أن الفقرات الأشد سوءا في القانون الضريبي القديم مثل ثغرة الفائدة المحمولة، والتي تسمح لشركات الأسهم الخاصة المدمرة للوظائف بدفع الضرائب بمعدات منخفضة ظلت قائمة، هذا فضلا عن خلق فئات جديدة من الدخل المفضل (والتي تكتسب بواسطة ما يسمى الكيانات العابرة).ومن غير المرجح أن يتحقق الحفز المأمول، لأسباب عديدة. فأولا، وصل الاقتصاد بالفعل إلى حالة التشغيل الكامل للعمالة أو اقترب منها. وإذا أدرك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن هذه هي الحال حقا، فسيرفع أسعار الفائدة عند أول إشارة إلى زيادة كبيرة في الطلب الكلي. وأسعار الفائدة الأعلى تعني أن الاستثمار، وبالتالي النمو، سيتباطأ، حتى إذا تزايد استهلاك فاحشي الثراء.من الواضح فضلا عن ذلك أن فرض الضغوط على الولايات الزرقاء (الديمقراطية)، بما في ذلك كاليفورنيا ونيويورك، من خلال إدراج فقرات في مشروع القانون الضريبي تستهدف هذه الولايات تحديدا، ليس من شأنه أن يؤدي إلى زيادة حِدّة الانقسام السياسي في أميركا فحسب، بل إنه يعبر أيضا عن فِكر اقتصادي رديء. فلن تُقدِم أي حكومة تتمتع بكامل قواها العقلية على تقويض الأجزاء الأكثر ديناميكية في اقتصادها، ومع ذلك، هذا هو ما تفعله إدارة ترمب. فربما تساعد الإعفاءات الضريبية الخاصة للقطاع العقاري ترامب وزوج ابنته جاريد كوشنر، ولكنها لن تجعل أميركا عظيمة أو قادرة على المنافسة. ويكاد يكون من المؤكد أن الحد من الاستقطاع من ضريبة الدخل والضريبة على الأملاك سيعمل على تقليص الاستثمار في التعليم والبنية الأساسية ومرة أخرى، هذه ليست استراتيجية سليمة لزيادة القدرة التنافسية الأمريكية. وسوف تتسبب فقرات أخرى أيضا في إلحاق الضرر بالاقتصاد الأمريكي.ولأن العجز المالي سوف يزداد السؤال الوحيد هو بأي قدر، ورهاني هو أنه سيكون أكبر كثيرا من التقديرات الحالية التي تشير إلى تريليون دولار إلى تريليون ونصف فمن المحتم أن يزيد العجز التجاري أيضا، بصرف النظر عن سعى ترامب إلى تنفيذ سياسات أكثر كراهية للمهاجرين وأميل إلى فرض تدابير الحماية. ومن شأن انخفاض الصادرات وارتفاع الواردات أن يزيد من تقويض قطاع التصنيع الأمريكي. ومرة أخرى يخون ترامب أنصاره الرئيسيين (كما فعل مع الرعاية الصحية والتخفيضات الضريبية). لكن الحزب الجمهوري يستهزئ بكل شيء. إذ يغترف قادته من الخيرات كان ترمب، وكوشنر، وغيرهما الكثير في إدارته، بين أكبر الفائزين وهم يتصورون أن هذه ربما تكون فرصتهم الأخيرة في هذه الوليمة. ولن تجد أي جمهوري أشد من ترامب اعتقادا بأن الحزب قادر على الإفلات بكل هذه الأفعال.ولهذا السبب، جرى تصميم التشريع بحيث يعطي الأفراد تخفيضات ضريبية مؤقتة، مع حصول الشركات على تخفيض دائم لمعدل الضريبة. ويبدو أن الجمهوريين على يقين من أن الناخبين لا يرون ما هو أبعد من راتبهم المقبل. ولكن الناخبين لا يمكن التلاعب بهم بهذه السهولة: فقد أدركوا الخدعة، وهم مقتنعون بحق بالدراسات العديدة، من مصادر داخل وخارج الحكومة، التي تُظهِر أن نصيب الأسد في خفض الضرائب يذهب إلى الشركات وفاحشي الثراء. كما يشهد تشريع ترامب الضريبي على اعتقاد عدد كبير من الجمهوريين بأن الدولارات أكثر أهمية من الناخبين. فكل ما يهم هو إرضاء الشركات الراعية، التي ستكافئ الحزب بالمساهمات التي ستستخدم لشراء الأصوات، وبالتالي ضمان استمرار الأجندة السياسية التي تفرضها الشركات. لنأمل أن يكون الأمريكيون حقا أكثر ذكاءً مما يتصور رؤساء الشركات التنفيذيين الجشعين وخدمهم الجمهوريين المستهزئين. ومع قدوم انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، فستتاح لهم الفرصة بوفرة لإثبات ذلك.حائز على جائزة نوبل التذكارية في علوم الاقتصاد للعام 2001. وأحدث مؤلفاته كتاب «عودة إلى العولمة ومنغصاتها: معاداة العولمة في عصر ترامب».

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على