أسماء قاعات معرض القاهرة للكتاب أهمية وخطورة أن تكون معارضًا

حوالي ٦ سنوات فى التحرير

كتب- إيهاب محمد
ما الذى يمكن أن تشى به النظرة العابرة إلى اللافتات والعناوين والتواريخ، فقط، فى حدث كبير مثل الدورة الـ49 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب؟

ما الذى يمكن أن تنتجه الإجابات عن أسئلة بسيطة مثل: من، وما الذى يجمع بينهم، وما القاسم المشترك بين الشخصيات التى أختيرت لتطلق أسماءها على القاعات والأجنحة والمخيمات، التى تقام فيها الأنشطة والفاعليات الثقافية والفنية للمعرض؟.. أسئلة أولية بسيطة قد ترد على ذهن أي من رواد المعرض، أو المتابعين فقط لأخباره.

يحمل أحد عشر مخيمًا وقاعة أسماء كتاب وشعراء ومثقفين وفنانين راحلين، فإذا استثنينا منهم المخرج يوسف شاهين والفنانة شادية، فستكون هناك قواسم مشتركة بين الأغلبية منهم، أبرزها: معارضة نظام الحكم، والاعتقال والسجن لمرة واحدة على الأقل، والانحياز للفقراء والمطالبة بالعدالة الاجتماعية، والمطالبة بحرية التنظيم والفكر والإبداع، والانحياز الواضح للقضية الفلسطينية ورفض التطبيع مع إسرائيل، بالطبع لا نقصد أن الباقين لا يشتركون فى بعض تلك القواسم، لكن المقصود أن مسألة الاعتقال والسجن تفصل بينهم، حتى وإن كان لبضعة أشهر، وأخيرًا فإنهم جميعًا بدرجات متفاوتة نالوا تقديرًا من الدولة فى سنوات، وربما أيام حياتهم الأخيرة، وباتوا علامات فى الثقافة المصرية والعربية.

الدكتورة لطيفة الزيات (1923- 1996)، الروائية والناقدة، والأستاذة الجامعية، الحاصلة على دكتوراه في الأدب الإنجليزي من كلية الآداب جامعة القاهرة، حازت على جائزة الدولة التقديرية للأدب قبل أيام من وفاتها، وكانت قد أضحت معروفة على نطاق واسع منذ تحولت روايتها الأشهر "الباب المفتوح" إلى فيلم سينمائى (عام 1963)، من إخراج كمال الشيخ، وبطولة فاتن حمامة، وصالح سليم، ومحمود مرسى، وآخر تجربة اعتقال لها كانت فى سبتمبر عام 1981 ضمن حملة الاعتقالات الواسعة، التى شنها الرئيس أنور السادات على مختلف تيارات المعارضة المصرية؛ والتى أضحت تعرف بـ"خريف الغضب"، وهو التعبير الذى أطلقه محمد حسنين هيكل على تلك الحملة، وكتب عنها كتابا بهذا العنوان ساردا جانبا من تجربة اعتقاله هو نفسه، وللدكتور لطيفة فى تلك الفترة علاقة وثيقة بمعرض القاهرة للكتاب فقد ساهمت، ورأست "لجنة الدفاع عن الثقافة القومية"؛ وهي اللجنة التى كونها عدد من المثقفين المصريين المعارضين لاتفاقية "كامب ديفيد"، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وما ترتب عليها من إقامة سفارة لإسرائيل فى القاهرة، ودعوتها للمشاركة رسميا فى معرض الكتاب يناير عام 1981، ما دعا عدد منهم للتظاهر اعتراضًا على تلك المشاركة، وقد تصدت قوات الأمن للمتظاهرين، وألقت القبض على الكاتبين: صلاح عيسى، وحلمى شعراوى، وقد سجل "عيسى" تفاصيل تلك الأيام فى العديد من مقالاته وكتبه، وكان "عيسى" أيضا ضمن حملة سبتمبر، وفى السجن استكملت الدكتورة لطيفة كتابة جانب من سيرتها الذاتية، وطبعتها بعد خروجها من المعتقل عقب مقتل السادات وتولى حسنى مبارك الرئاسة، وحمل الكتاب عنوان: "حملة تفتيش: أوراق شخصية" (سيرة ذاتية)، وظلت تحاول حتى وفاتها استكمال تلك السيرة الذاتية، التى كانت فى أجزاء كبيرة منها صريحة إلى حد كبير.

الشعراء الأربعة الذين يكملون خماسى المعارضة والاعتقال والسجن ثم التقدير والتكريس فى أيامهم الأخيرة مشهورن ومعرفون بأغانيهم.

أكبرهم سنا، وأطولهم سجنا، وأسبقهم وفاة هو فؤاد حداد (1928 - 1985) صاحب الثقافة الفرنسية الرفيعة، الذى كتب الشعر باللهجة المحكية المصرية، بدأت معاناة الاعتقال معه باكرًا فى عام 1953، ولم ينته منها إلا فى عام 1964، نشر ديوانه الأول "أحرار وراء القضبان" الذي كان اسمه "افرجوا عن المسجونين السياسيين" بعد خروجه من المعتقل عام 1956، واعتقل مرة أخرى عام 1959 لمدة خمس سنوات، عرف على نطاق واسع جدا من خلال الإذاعة؛ حين كتب "المسحراتي" لسيد مكاوي 1964، وأصبحت أغنية "الأرض بتتكلم عربي" علامة فارقة على مركزية القضية الفلسطينية وتحرير الأرض المحتلة فى فكره ووجدانه. 

ظل أحمد فؤاد نجم (1929- 2013) لسنوات ليست قليلة بعيدا عن المتن الرسمى، كان الثنائى «نجم - الشيخ إمام» ينمو فى الهامش، عبر شرائط الكاسيت، وعبر حفظ الأغانى وإعادة ترديدها، سجن عدة مرات، أولها؛ وقد اعترف بذلك مرات، لسبب جنائى، وفى المرات "السياسية" كانت جراءة ألفاظه هى السبب، سماه الناقد الدكتور علي الراعي "الشاعر البندقية" في حين سماه أنور السادات "الشاعر البذيء"، وهناك ثلاث علامات فارقة فى سنوات حياة "الفاجومى"، اللقب الذى كان يتقبله ويفخر به دلالة على الجرأة والاقتحام، الأخيرة؛ ففي عام 2007 اختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأم المتحدة سفيرا للفقراء، وكان آخر نشاط ثقافى شارك فيه قد جرى فى العاصمة الأردنية، عمان، حيث أحيا أمسية شعرية بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتوفى بعدها بأيام، ثم جاءه تكريم الدولة بعد وفاته بمنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

اعتقل عبد الرحمن الأبنودي (1938- 2015) وسيد حجاب (1940- 2017) فى وقت واحد، وأفرج عنهما فى وقت واحد (1966)، كان معهم صلاح عيسى أيضًا، بعد احتجاجات عالمية واسعة وإحراج سارتر لجمال عبد الناصر، حين رفض الذهاب للقائه إلا بعد الإفراج عن المعتقلين السياسيين من المثقفين، بقى الاثنان نحو ستة أشهر فى الاعتقال، وبعد الإفراج عرف الأبنودى الشهرة من أبوابها الواسعة، وإن ظل حتى أيامه الأخيرة صاحب ملمح معارض واضح، لكن ليس إلى حد المجازفة.

شارك الخبر على