الهروب ولحظات التحول.. مشاهد من جمعة الغضب

أكثر من ٦ سنوات فى الموجز

 
بقلم: بشير حسن
لم يكن هذا اليوم عاديًا فى أحداث يناير، ففيه هربت قيادات جماعة الإخوان من السجون بعد اقتحامها لتتصدر المشهد، وفيه انسحبت عناصر الشرطة من الأقسام بعد حرقها، وفيه هرب بعض الإعلاميين من برامجهم انتظارًا لما تسفر عنه الأحداث، وفيه سقط الضحايا بالعشرات، وأشعلت النيران فى مقار الحزب الوطنى بالقاهرة والمحافظات، وفيه انتهكت الحدود وعمت الفوضى بإشارات من هواتف الثريا وشفرات من قناة «الجزيرة»، وفيه قفز بعض رجال مبارك من المركب واختفى آخرون، وفيه انتشرت القوات المسلحة فى الشوارع والميادين لتحمى المتظاهرين من فخاخ المتربصين وتعيد الانضباط بعد أن توارى دور الشرطة.
سبع سنوات مضت على ذلك اليوم (جمعة الغضب) ولا تزال مشاهده السريعة الساخنة تقفز إلى الذاكرة كلما حلت ذكراه، ولعل المشهد الأبرز..هو هذه الجموع من المصريين التى خرجت إلى الشوارع والميادين استجابة لدعوة أطلقها بعض الشباب كان شعارها (عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية) كانت الدعوة مشروعة وعادلة، لكن من أطلقوها لم يكونوا حسنى النية، حيث كانت الخطة التى تدربوا عليها فى صربيا وأمريكا لإسقاط الدولة وتحقيق رغبة أمريكا فى فوضى خلاقة تعيد من خلالها رسم خريطة للمنطقة.كنا هناك.. فى ستديو ٦٠٣ بمدينة الإنتاج الإعلامى، لننقل المشهد على الهواء مباشرة، ضبابية المشهد انعكست على حركة العمل داخل المدينة لتخلق مشهدًا آخر سيظل خالدًا فى الذاكرة؛ حيث انسحب بعض الإعلاميين فى ذلك اليوم وتوقفت برامجهم، هؤلاء كانوا الأقرب لنظام مبارك، ساندوه وإستفادوا منه وكانوا يفاخرون بذلك، بل إنهم كانوا يتسابقون على الاقتراب من دوائر صناعة القرار، بعضهم اختفى تمامًا، حتى إذا استقرت الأمور عاد، وإذا سقط النظام يكون قد نأى بنفسه عن تهمة الدفاع عنه، أحدهم اتصل بأمين عام الحزب الوطنى صفوت الشريف، وطالبه باستخدام القوة مع المتظاهرين، وعندما شعر أن النظام يتهاوى.. سافر إلى (الجونة) ولم يعد إلا بعد خطاب التنحى فى ١١ فبراير، وفى ميدان التحرير حمله معدو برامجه ليهتف ضد مبارك ونظامه، ثم سعى لاستقطاب أبرز عناصر الإخوان و٦ إبريل فكانوا ضيوفًا دائمين فى برنامجه الذى عاد لتقديمه مرتديًا ثوب الثوار.إعلامى آخر، أوقف برنامجه فى نفس اليوم (جمعة الغضب)، ولم يخجل من المجاهرة بأنه سوف يبتعد لحين معرفته اتجاه البوصلة، ثم عاد إلى الشاشة بعد تنحى مبارك ليكون المرشد وجماعته الأقرب إلى قلبه وعقله، وأعضاء ٦ إبريل أصدقاءه، ولأنه اعتاد السهر فى الأماكن الراقية.. اضطر للسهر فى منطقة (وسط البلد) مع الاشتراكيين الثوريين ونجوم ميدان التحرير.أما استديوهات القنوات الدينية التى تبث من مدينة الإنتاج الإعلامي..فكانت الأكثر حيوية، حيث تحولت يوم جمعة الغضب إلى خلية نحل، تبث طوال اليوم، تنقل من ميدان التحرير تارة وتضم إرسالها إلى قناة «الجزيرة» تارة أخرى، وإليها تحول ضيوف القنوات الأخرى الذين طالما هاجموها وطالبوا بإغلاقها.فى ذلك اليوم (جمعة الغضب) كان مشهد جماعة الإخوان مختلفًا؛ حيث قررت الانضمام إلى صفوف المتظاهرين فى ميدان التحرير لتتصدر المشهد بعد رفض له استمر ثلاثة أيام، أحكمت قبضتها على ميدان التحرير ونشرت شبابها فى جنباته، وزاد نفوذها بعد اقتحام السجون وهروب محمد مرسى ومعه بعض قيادات الجماعة، واتصاله بقناة «الجزيرة» مستخدمًا هاتف الثريا، وفى هذا اليوم زاد طموح الجماعة ليس فى المشاركة السياسية..ولكن فى الإنفراد بالحكم.المشاهد فى ذلك اليوم كانت سريعة، بعضها.. كشفت الأيام النقاب عنه، والبعض الآخر ما زال بحاجة إلى تفسير، فما كان يدور فى قصر الرئاسة لم نعرفه بعد، فقد التزم مبارك ومن كانوا حوله الصمت حتى الآن، اللهم معلومات شحيحة تناقلها قلة غير موثوق بها، وما كان يحدث من انتهاك للحدود.. يجب ألا يترك للاجتهاد، وما كان يدور فى الكواليس الخاصة ببعض الإعلاميين والشخصيات العامة يحتاج إلى مصارحة بعد أن فقد الجميع الأمل فيما يعرف بالقضية ٢٥٠ رغم كثرة الحديث عنها.سوف يتوقف التاريخ طويلًا أمام مشاهد جمعة الغضب؛ لأنها كانت بداية لفوضى أوشكت على سقوط الدولة لولا تدخل الجيش الذى حمى المتظاهرين، ورصد تحركات دعاة الخراب والمتاجرين بالأوطان.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على