التيار الوطنيّ الحر وحزب الله ضنينان بعدم تحويل الخلاف بين الرئيسين إلى خلاف طائفيّ

أكثر من ٦ سنوات فى تيار

بقلم جورج عبيد
 
يحاول بعضهم تصوير الأزمة بين الرئاستين الأولى والثانيّة، أزمة بين المسيحيين والشيعة، وينحو بعض الناس على مواقع التواصل الاجتماعيّ، إلى تأجيج هذا العنوان الفاقع، محملين حزب الله مسؤوليّة عدم الدخول في حسم الخيارات لمصلحة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الحليف الاستراتيجيّ للحزب. لا بدّ من التوقّف عند هذه النقطة الخطيرة سواء ظهرت عند بعضهم عن طريق الإيحاء أو بالكلام الفج والمباشر.
جوابًا على هذه النقطة، تشير مصادر من الطرفين بأن لا مصلحة لأحد إدخال الخلاف الجذريّ بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس نحو المنصات الطائفيّة، وتجمع مصادر الطرفين، بأنّ الهياج الطائفيّ ليس صادرًا عن جهة واحدة، فالجميع مشتركون في إذكاء هذا التصوير عمدًا بهدف ضرب التيار الوطنيّ الحرّ بحزب الله، فينفرط العقد بينهما ويتمزّق العهد عندهما، فيسهل حينئذ إضعاف فريقين تماسكا تماسكًا جذريًّا في كثير من المواقف الجوهريّة والأحداث المصيريّة والوجوديّة، وظهرا معًا في المواجهات والمقاربات، جسدًا واحدًا نابضًا وساطعًا ومتحرّكًا، منذ الحرب الإسرائيليّة على لبنان في تموز سنة 2006 وصولاً إلى معركة رئاسة الجمهورية بدعم الحزب للعماد ميشال عون نحو الرئاسة، من دون النسيان بأنّ العماد عون دعم بكبر وقناعة راسخة وإيمان ثابت قتال الحزب للقوى التكفيريّة في سوريا، قبل الرئاسة وبعدها وقد واصفًا إياه في خطاب العهد بالقتال الاستباقيّ. وتعتبر المصادر من الطرفين بأنّ التيار والحزب لكونهما يمثلاّن الوجدانين المسيحيّ والشيعيّ بأكثريته الساحقة، وهما متضامنان بالعمق الاستراتيجيّ وبالمفهوم القيميّ، غير موافقين على إكساء الخلاف بين الرئيس عون والرئيس برّي، ومهما بلغ حجمه، سربالاً طائفيًّا، وأخذ الساحة نحو افتعال ضجيج شيعيّ-مسيحيّ. فرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يأبيان ذلك ويمجانه ويرفضانه بالكلية، فبمجرّد إكساء الخلاف هذا السربال فهذا إمعان بإضعاف الحزب والتيار، وثمّة من يشاء جذب الخلاف نحو هذا الإطار في لحظة تتبدّل فيها قواعد اللعبة من القدس إلى عفرين، وتختلط الأوراق كلها في المثلّث السوريّ-العراقيّ-اللبنانيّ، متلازمة مع الحدث-الزلزال الأميركيّ بعنوانه الخطير وهو نقل السفارة الأميركيّة من تل أبيب إلى القدس.
تظهر المصادر المعنيّة حرصها على عمق العلاقة العضويّة بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله، وبين الرئيس والسيد، والحرص مضمّخ بعبير الوفاء المتبادل وأريج المحبّة الجامعة وهما أساس الحلف الثابت بينهما. فالعلاقة من هذه الزاوية أقوى وأمتن من محاولات بعضهم تمزيقها زعمًا بأن حزب الله سيدعم الرئيس برّي بوجه الرئيس عون أو العكس. ذلك أن علاقة الحزب بالرئيس برّي واقعيّة وطيبة وهو حليف كبير ضمن الدائرة الشيعيّة. وعلى الرغم من متانة الحلف ضمن المدى الشيعيّ فإنّ حزب الله والرئيس برّي افترقا وتباعدا كثيرًا خلال معركة الرئاسة حين دعم الرئيس برّي إلى جانب النائب وليد جنبلاط والرئيس فؤاد السنيورة والرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجيّة للرئاسة، في حين دعم حزب الله بقوّة هائلة وإيمان صلب ووفاء مطلق العماد عون للرئاسة. وعلى الرغم من خلاف الحزب والحركة حول الرئاسة ظلّت الطائفة الشيعيّة متماسكة، ولم يفسد دعم الحزب للعماد عون في الودّ قضية بين الثنائيّ الشيعيّ. والخلاف بين الرئيس عون والرئيس برّي لم يستدخل في جوف العلاقة بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله ولم يهدّد ترابطهما الاستراتيجيّ وتلاحمهما العضويّ، فالحزب حليف قويّ للرئيس عون وحليف قويّ في الوقت عينه للرئيس بريّ. ولم يظهر في أدبيات الحزب الراهنة وفي خطاب السيد الأخير ما يجافي رسوخ التحالف سواء مع الرئيس عون أو الرئيس برّي. وتشير مصادر من الحزب بأنّ التحالفات المرتبطة بالانتخابات النيابيّة موضوع نقاش دائر بين الحزب والتيار كما بين الحزب والحركة. وتعتبر تلك المصادر بأنّ الحزب متجه بصورة عامّة لنسج تحالف متين بينه وبين حركة أمل كما هو متجه لنسج تحالفات أخرى مع التيار الوطنيّ الحر حيث يمكن التحالف.
على هذا، ليس محمودًا وليس سليمًا تحوير الخلاف وتأويله من الأطر السياسيّة والدستوريّ إلى السياقات الطائفيّة الكريهة والبغيضة. لا ينفي التوقّ المبدئيّ عند الأطراف المعنية بالخلاف، طرح السؤال التالي، لماذا افتعال تلك الأزمة في لحظتين واحدة انتخابية داخليّة وأخرى عربية-إقليميّة سيتحدّد فيها مصير المثلّث السوريّ-العراقيّ-اللبنانيّ، وعلى وجه التحديد مصير العراق ولبنان بانتخابات منتظرة فيهما؟ لماذا حشر الخلاف بالمضامين الطائفيّة الفاقعة؟ وبالتالي، أليس وجود رئيس كالعماد ميشال عون على رأس الجمهورية ضمانة حيّة للإستقرار مع حكومة تم إنقاذها أخرًا بفضله وبفضل توحده مع الرئيس برّي والسيد نصرالله؟ لقد رأى حزب الله، في هذه المسألة بالذات بأنّ ثمّة خطأ استراتيجيًّا متعمّدًا بشدّ العصب الطائفيّ أو المذهبيّ مع تحويل مسألة عدم توقيع وزير المال إلى غضب شيعيّ. وفي مقابل ذلك فإنّ التيار الوطنيّ الحرّ بدوره يرفض تحويل الخلاف مع الرئيس برّي إلى حملة مسيحيّة غاضبة، والاندراج ضمن مفهوم بدأ الترويج له بأنّ ثمّة ثنائيّة مسيحيّة-سنيّة تحاول الانقضاض على الدور الشيعيّ، عند التيار الوطنيّ الحرّ هذا الترويج مرفوض جملة وتفصيلاً. هذه مسألة محصور بالسياقات والمالفات التقنيّة والسياسيّة والدستوريّة، ويجب وضعها ضمن حجمها الطبيعيّ. وتؤكّد مصادر التيار الوطنيّ الحرّ بأن لا أحد يطرح تعديل اتفاق الطائف أو تبديله تجاريه في ذلك مصادر حزب الله.هذا الموضوع غير وارد في الظرف الحاليّ،  كما أن المسّ بالدستور غير وارد عند الرئيس عون، وقد أفصح عن ذلك غير مرّة، وليس واردًا عند الرئيس برّي، كما هو غير وارد عند الرئيس الحريري. هناك إجماع على التقيّد بوثيقة الطائف.
وفي السياق عينه، أكّد السيد نصرالله خلال خطابه الأخير على مسلّمة ميثاقيّة وجوهريّة تعتبر خاصيّة لبنانيّة، رفض فيها عزل الأفرقاء السياسيين لبعضهم البعض، ومنهم الخصوم. لبنان محكوم بالتوافق وهو السمة الأساسيّة لحلّ الخلافات والانطلاق نحو انتخابات بريئة من العيب. السيد بهذا المعنى دعا الجميع إلى الحوار ونبذ كل احتقان فئويّ أو جهويّ أو طائفيّ، وأكّد بدعوته على ضرورة المحافظة على الاستقرار والانطلاق منه وكما قال جبران باسيل وزير الخارجية ورئيس التيار الوطنيّ الحرّ إلى الازدهار، والمناخ التهدويّ هو الوعاء للبلوغ نحو الازدهار عبر التحوّل الجذريّ من الاقتصاد الريعيّ إلى الاقتصاد المنتج، ومن الاضطراب إلى الهدوء.
في هذه الحمأة وفي هذه المساحة الصاخبة، ثمّة سؤال يطرح: هل من الممكن أن يتأمن حوار بين الرئيس عون والرئيس برّي؟ مصدر سياسيّ محايد يرى أنّه واجب على العقلاء وبعيدًا عن الضجيج، العمل على تجسير العلاقة من جديد، والتحفيز على إنضاجها من مبدأ دستوري قائم على الفصل بين السلطات أي عدم المزج الملتبس بينها، والتعاون بينها ضمن المفاهيم الدستورية المعتادة السائدة. ويرى المصدر المحايد، بأنّ المواد الدستوريّة إذا حصرنا الخلاف ضمنها غير قابلة للاجتهاد والتأويل، وإذا ساغ التفسير فهو ينطلق من معينها ويعبّر عنها كما هي أو كما شاءها المشترع أن تكون فالمادتان 54 و55 واضحة من حيث التسليم بمن يوقّع مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. فقد أشارت المادة 54 على وجه التحديد إلى توقيع الوزراء المختصين. وعلى هذا الأساس فالمرسوم الذي قام رئيس الجمهورية بتوقيعه يعالج مسألة الأقدمية والأحقيّة لضباط دورة 1994 دستوريّ وقانونيّ ولا يفرض أعباء مالية لكي يعترض وزير المال وخلفه رئيس المجلس النيابيّ، ورئيس المجلس من حيث الدستور غير معنيّ بهذا النقاش إذا رام الجميع  التأكيد على مبدأ دستوريّ ثابت ومقدّس وهو فصل السلطات وتعاونها في آن من دون احتلاط أو تشوّش في الصلاحيات بين هذه السلطة أو تلك.
إنّ الدويّ الطائفيّ مفتعل تحت ستار هضم حقوق الطائفة الشيعيّة، أو تحت ستار آخر يحاول بعضهم تمريره، وهو جعل توقيع وزير المال ثابت وراسخ بهالته الطائفيّة وفوق تواقيع سائر الوزراء حيث لا تمرّ الأمور إلاّ بموافقته. ويؤكّد المصدر السياسيّ المحايد، بأن دور الطائفة الشيعيّة الكريمة ثابت وراسخ وأقوى من كل التواقيع نظرًا للبطولات والانتصارات التي حققها حزب الله ولم يجيرها للطائفة التي يجيء منها بقدر ما جيّرها لجميع اللبنانيين. وبسبب ذلك أصبح الحزب لبنانيًّا وعربيًّا وإقليميًّا رقمًا صعبًا، ولا تمرّ تسوية هنا وثمّة من دون موافقته.
وفي النهاية إنّ هذا الدويّ يضعف السلطة التشريعيّة والتمثيليّة، ويمزّق الدستور والطائف. وقد رأى بعضهم بأنّ قول الرئيس نبيه برّي بأننا أصبحنا في زمن اللاطائف واللادستور، غير دقيق، وبلطف فائق لا بدّ من لفت نظر دولته بأن تثبيت توقيع وزير المال بهالته الطائفيّة يقود إلى خرق المادتين 24 و95 من الدستور المؤكدّتين على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، عندئذ قد تتحوّل المناصفة إلى مثالثة ومرابعة بحال اعترض الدروز على عدم وجود توقيعهم في يوم من الأيام.
لا يعني هذا الكلام لفظ توقيع المال خارجًا، فتوقيعه أساسيّ لتسيير مالية الوزراء والدولة. الخطورة تكمن في أن يكون التوقيع لصيقًا أو معبّرًا عن حالة طائفيّة سلطوية. عندئذ يصبح الكلام في تعديل اتفاق الطائف، وهيكلية النظام السياسيّ، أو الاتجاه نحو مؤتمر تأسيسيّ فصيحًا ومتوقّعًا من الجميع، في لحظة صعبة تعيشها المنطقة من جديد.

شارك الخبر على