شيخوخة المؤسسات

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

نشاهد جميعًا حالة من الترهل فى أداء الدولة المصرية مصحوبا بحالة من التخبط والعشوائية فى كل المجالات، هذا الأداء ينفى أكذوبة مصطلح "الدولة العميقة"، هذه الأكذوبة التى تتداول كثيرا فى أحاديث العامة وكتابات وتحليلات النخبة، نعم مصر لديها "شبه دولة" مليئة بالفساد والضعف العام فى الأداء، نعم مصر دولة مرسومة على الخريطة الجغرافية، لكن ليست دولة لا بالمفهوم القديم ولا المفهوم الحديث. فمصر الدولة من حيث الشكل لديها أرض مليون كيلو متر غير مستغلة بل يمكن خصم عدد كيلومترات من المساحة بعد اتفاق تعيين الحدود الذى بموجبه تمت سيطرة المملكة العربية السعودية على الجزيرتين المصريتين (تيران وصنافير)، مصر الدولة من حيث الشكل لديها شعب البعض منه كل طموحه الهجرة حتى ولو على حساب حياته.

مصر الدولة من حيث الشكل لديها تاريخ وثقافة كبيرة، لكن الواقع يعلن سيطرة الفكر الوهابى من جانب على نمط تفكير الأغلبية، وثقافة الترامادول من جانب آخر. مصر الدولة من حيث الشكل لديها رجال أعمال أبعد ما يكونون عن مفهوم الليبرالية، مؤمنين بثقافة المكسب السريع، منطلقين من مبدأ الاحتكار والتلاعب بالأسعار، وأغلبهم لا يعلمون من هو آدم سميث ولا ريكاردو. مصر الدولة من حيث الشكل تمتلك شكلا اقتصاديا فى أغلبه قائم على اقتصاد الريع وليس اقتصاد التنمية. 

مصر الدولة من حيث الشكل يمكن أن تقول الكثير...، ولكن كانت المفاجأة الكبرى أن الكاتب صالح مرسى أشهر مؤلف للعديد من المسلسلات (مغامرات أجهزة المخابرات)، مؤلف مسلسل رأفت الهجان، لو كان موجودا الآن لمات بالسكتة القلبية بعد تعدد التسريبات (غير المؤكدة) لبعض المسؤولين بالدولة المصرية إن ثبت صحة تلك التسريبات، فأزمة تلك التسريبات مزدوجة أزمة كيف يتم التسجيل والتسريب لبعض المسؤولين؟ وأزمة مضمون التسريب والأداء السياسى؟ فالأخيرة أخطر من القدرة على الاختراق، لأن المحتوى هو تعبير عن نمط التفكير فى حل المشكلات والأزمات، وهو يدل على نمط تفكير لا يصلح لأداء مؤسسات كبرى للدولة، ففكرة التسريب فى ذاتها أزمة، لكن شئ طبيعى وليس جديدا فى العالم الذى يشهد تسريبات لوثائق دول وحوارات بين مسؤولين وقيادات دول مختلفة واختراق لمعلومات أجهزة مخابرات كبرى، فالتطور التكنولوجى فى العالم سمح بحدوث هذا الأمر، وهو ما جعل من الدول العمل على حماية مؤسساتها المختلفة بجانب التدريب المستمر لفرق ومسؤولى الأمن والقيادات بدولهم، لكن فى مصر ما زال العديد من المسؤولين والقيادات فى كل المجالات علاقتهم مع أجهزة الكمبيوتر كعلاقة أغلب المصريين باللغة الصينية ونحن هنا نتحدث عن التعامل مع جهاز كمبيوتر وليس مع الأدوات التكنولوجية المختلفة، ويمكن تجاوز هذه الإشكالية ولكن الأمر الذى لا يمكن تجاوزه هو ضعف الأداء فى التخصص، مع تنامى شعور المسؤولين بتعاظم ذاتهم، دعونا نضرب مثالا بسيطا نشاهده جميعا كل يوم.

كل يوم بعد الساعة 12 صباحا تتمركز بعض قوات الأمن (أكمنة ثابتة) فإذا أخذنا مثالا خط سيره محدد يمكن تحديد مكان (الكمين) كل يوم مع مشهد متكرر ضابط مباحث صغير فى العمر لا بد أن يكون مدخنا يضع التليفون أغلب الوقت يتحدث مع أحد الأشخاص وينظر إلى السيارات بعين واحدة، يستمر هذا الأمر حتى الساعة 1:30 صباحا مع زحمة شديدة فى السير، وبعد الساعة 2 صباحا يتم توسيع مساحة السير للسيارات، فيقل الزحام وبعد الساعة 3:30 وحتى الساعة 5 صباحا الضابط المسئول غير موجود، فهناك أمر من الاثنين يكون قد غادر الكمين أو نائما فى سيارته الشخصية، ويتم ترك عسكرى وأمين شرطة على الكمين، أو ترك الحواجز الحديدية ويدخل أفراد الكمين فى عربيات الشرطة للنوم حتى ينتهى موعد الكمين فى الأغلب، ينتهى الكمين قبل الموعد، دعونا نقف أمام هذا الأمر فى بلد يضربها الإرهاب واحتمالية استهداف قوات الأمن مرتفعة، حيث يتم طرح العديد من التساؤلات، هل ضابط الشرطة يرتدى سترة الوقاية من الرصاص؟ طبعا لا.. هل هناك حالة استعداد لأى طوارئ؟ هل هناك انشغال أو اهتمام بالمهمة المنوط العمل بها؟ العديد من الأسئلة التى يمكن أن تطرح فى هذا الأمر ولكن دائما تكون الإجابة بالسلب والنتائج دائما مخيفة وبعد حدوث الكارثة نقول إن السبب هو الإرهاب نعم هو الإرهاب ولكن السبب الحقيقى هو ضعف الأداء والترهل.

نعم مصر دولة قوية ذات حضارة وثقافة وتاريخ (صفحة 22 من كتاب التاريخ للصف الأول الثانوى).
هل هناك حل؟ نعم هناك حلول كثيرة يمكن أن تحقق لمصر القوة والحضارة والثقافة وتصنع التاريخ ليس فى كتاب التاريخ، بل فى عام 2020. إذا تم القضاء على شيخوخة المؤسسات ليس بالمعنى العمرى لأن الشيخوخة الحقيقية هى شيخوخة الفكر وليس شيخوخة العمر.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على