«مصريون أيضا»

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

"والعدالة البطيئة نوع من الظلم إن لم تكن أقسى صوره" هكذا بدأ مقال نُشر الأربعاء في "الأهرام". تجري على السطور لتكتشف ما المقصود، وهل تنبه كاتبه القانوني شوقي السيد إلى حالات الآلاف من المحبوسين احتياطيا دون حسم مصيرهم، أو الاهتمام لحالتهم الصحية داخل السجون؟ فتكتشف أن الرجل لم يكن يقصد سوى إبراهيم نافع وإسماعيل سراج الدين!

تظهر عبارة "يناير2011" مرتين فيما تبقى من المقال، كما ظهرت بكثافة شديدة خلال الأسابيع الماضية، يحملها الرجل كغيره مسئولية الفوضى العارمة، والبلاغات الانتقامية، والتشفي والشماتة، بل يبدي اندهاشه لعدم الاستماع إلى الأصوات المطالبة بمعاملة إنسانية للصحفي الراحل إبراهيم نافع وكثيرين غيره. ويدعونا إلى تصور حالهم وتأكيد حسن استقبالهم قبل فوات الأوان.

رحم الله إبراهيم نافع.

 أمر كريه ومؤسف أن يدفعك ما يجري إلى عقد هذه المقارنات، والتي بمرور الوقت تتحول إلى افتراض أن المساواة في الظلم وسوء المعاملة هما العدل، لكن ما يجري منذ تدهورت الحالة الصحية للصحفي الراحل مثير للدهشة، فاللوم موجه لثورة يناير ومن قاموا بها، كأنهم من دفعوا الرجل للهروب والإقامة خارج مصر، ومنعوه من دخولها بعد ذلك، وبرغم تجاوز الكثيرين للأمر وقيام النقابة بدورها في التواصل مع عائلته ومحاولة إعادته إلى مصر فإن المقالات الإنسانية والحملة التي كان هدفها أن يقضي الرجل آخر أيامه في وطنه وبين محبيه تحولت إلى هجمة مستمرة تحاول استغلال حالته لحسم ملفات آخرين متهمين في قضايا أخرى. وهو ما يدفع الجانب الآخر بالتبعية إلى استدعاء ملفات فساد ومناقشة أشياء لا يحبذ التعرض لها بعد أن رحل الرجل عن عالمنا تاركا ما فعله من جيد وسيئ.

في السجون وليس خارج الأراضي المصرية الآلاف ممن لم تحسم المحاكم مصيرهم ومستقبل حياتهم، حالتهم الصحية متدهورة، وآمالهم الكبرى تختصر في بعض الأحيان لتصل إلى الانتقال لتلقي العلاج في مستشفى خارج أسوار السجن. فالأخيرة حالها ليست كما ترى وتريد أن تصدق من الجولات الكوميدية الرسمية داخل السجون والتي تداهمنا صورها من آن لآخر.

خلال السنوات الأربع الماضية أتيحت لي فرصة حضور عدد من المحاكمات التي تجرى في قاعات معهد أمناء الشرطة بطرة، ورأيت قليلا مما يجري للمحبوسين حين تتاح لهم فرصة الحديث إلى القضاة، كما سمعت وقرأت الأكثر مما ينشره الأهالي والمحامون والحقوقيون من شهادات على ما يجري لذويهم من تأخر في إدخال الأدوية أو النقل إلى المستشفيات أو عن حال هذه المستشفيات وما تقدمه، وكذلك عن المسموح به من أطعمة، والبرد الذي يعانيه هؤلاء في عنابر طرة وغيره من السجون.

رأيت دومة في جلسات محاكمة تلت إضرابه الطويل عن الطعام، وحينها كان القاضي ناجي شحاتة قد أمر بألا يتحرك من السجن إلى المستشفى إلا بإذن منه شخصيا، نادى دومة ليسمعه القاضي ولنسمع كذلك، فقال إنه ينزف بشكل مميت، ولكن شيئا لم يتغير، وشاهدت بعدها المستشار محمود الخضيري والقاضي يتأثر لحاله ويأمر بإخراجه من القفص الزجاجي داخل قاعة معهد أمناء الشرطة بطرة، ويدعه يجلس في الخارج على كرسي إلى جوار القفص. بعد أن بدت حالته الصحية متدهورة.

تخيلت فزع عائلة صحفي الجزيرة محمود حسين وهي تنشر صور ساعده المكسور، مطالبين بنقله لتلقي العلاج، ومن آن لآخر تكتب عائلة محمود أبو زيد عبد الشكور "شوكان" عن انتظارهم بأمل جديد سماع رد مختلف على طلب عفو صحي آخر بعد أن تكرر الرفض، رغم إثبات معاناته من فيروس سي الذي يحتاج لعلاج وطعام خاص لا يمكن للسجون أن توفره، وباتت بيانات الدكتورة منار طنطاوي عن زوجها هشام جعفر وحالته الصحية أمرا روتينيا يظهر على صفحات "فيسبوك" فلا يحرك أي شيء سوى المزيد من الإحساس بالعجز والاعتياد على الظلم والأسى.

أتيح لسراج الدين -عافاه الله من المرض- ولنافع -رحمه الله وصبر أهله وأصدقاءه على فراقه- رغم أن أيا منهما لم يبت ليلة في قسم أو سجن، مساحة من المناشدات التي نتمنى الاستماع إليها كذلك ممن يقف أهلهم على أبواب السجون في انتظار زيارات عنوانها الأمل في ملاقاة وجوه أحبائهم وهي تطمئنهم بتحسن في الصحة، ومعاندة لما يجري من ظلم.

يرى السيد أن الحالات التي يدافع عنها ظروفها قاسية واستمرت لسنوات وسنوات، ولم يضطر الرجل إلى وضع مبررات تشير إلى أنه لا يدافع عن الفساد كما لا يفترض أن نفعل ونحن نتحدث عن مواطنين لم يحسم القضاء الاتهامات بحقهم، بل إن عائلاتهم هي التي تطالب بفعل ذلك، رغم الخوف من المصير.

ولذا نضم صوتنا إلى صوت الفقيه الدستوري، رغم أن مظلة مناشدته هذه لا تشمل الجميع:

"علينا أيها السادة أن نتصور حالهم بعد طول الزمن، وهي رسالة موجهة إلى من يهمه الأمر لتحقيق الاستقرار والأمن والعدل في البلاد، لأنهم وقبل كل شيء.. مصريون".

شارك الخبر على