القول الكثير والفعل القليل

أكثر من ٦ سنوات فى الشبيبة

محمود بن سعيد العوفي

alaufi-992@hotmail.com
ثمة غالبية من الأشخاص تجدهم يتحدثون عن أنفسهم، من خلال إبراز أفعالهم، وأقوالهم، وما يفعلونه وما سيفعلونه، وما هو قيد التفكير والتخطيط من أحلامهم وطموحاتهم وما إلى ذلك من أحاديث التبجيل الذاتية، ولا يتركون أفعالهم وأعمالهم تتحدث عنهم، بل هم من يقومون بذلك، وكأن الدنيا كلها متوقفة على ما سنقوله عن أنفسنا، مع أنها قد تتوقف فعلياً على ما نفعله وما سنفعله.في الحقيقة أن الإنسان هو ما يفعله لا ما يقوله، ودائماً الكلام يذهب مع الريح عادة، أما الأفعال فتبقى إلى آخر رمق في هذا الزمان، ولو تأملنا قليلاً في صيرورة هذه الحياة، سنجد أن الإنسان يخلد بأعماله وليس بأقواله.ويتعمد بعض الناس الذين يعظمون ما يفعلونه، اختيار مفردات معينة ذات واقع رنان ويكثر استعمالها في حديثه وهو يتكلم عن عمله بحيث يظهر للسامع أنه أمر كبير، وهذا مجرد شكل من أشكال الحيلة الصوتية والتي تؤثر على من تغرهم الكلمات الرنانة والعبارات المنمقة، أما الذين لا يسهل انخداعهم بهذه الطريقة فيغوصون في باطن الكلام نفسه، ويقفون على مضمونه ليعلموا عم يتحدثون، وإلى أي حد يتطابق مع الواقع الفعلي؟فالإنسان ذو إنجازات لا تذكر، بحيث إنها لا تستحق أن يقال عنها إنها إنجازات أساساً، أن يقوم بسرد أعماله على نحو يعطيها أكبر من حجمها كثيراً، لكن الكلام لا يكفي، بقدر أن يرى ذلك العمل كما تم وصفه.وبلا شك هناك البعض الآخر من الناس يقومون بالعكس تماماً، يقللون من الكلام على ما يقدمونه من أعمال، يمكن أن توصف بأنها كبيرة بكل المقاييس، لكنها في نظرهم لا تبدو كذلك، لأنهم يطمحون دائماً للأفضل، وينتظرون من أنفسهم ما هو أكثر حجماً مما أنجزوه بالفعل.وهؤلاء لا يتحدثون عن أنفسهم أو عن أعمالهم، وإن فعلوا لا يكون حديثهم إلا سريعاً وعاماً، ودون تفاصيل كثيرة قد يحتاجها وصف العمل الذي قدموه، لكنهم عادة يرون هذه التفاصيل الصغيرة غير ضرورية، ويمكن أن يستغنى عنها، والمهم عندهم هو العمل نفسه، أو ما يمكن أن يطور إليه.ولو بحثنا في أغوار هؤلاء الذين يتكلمون عن أنفسهم سنجدهم متمسكين بكلمة واحدة وهي «أنا»، وكأن بقية الكلمات سقطت من معجمهم، فلا يدركون أي شيء آخر في الكون إلا من خلال أنفسهم، بل يرون فضلاً لهم على كل ما حولهم، فهم سبب في حدوث ما يحدث إن كان خيراً، أو في منع حدوث ما لم يحدث إن كان شراً، وهم أصحاب فضل على من حولهم قبل أنفسهم، بغض النظر عن حجم المحيطين بهم، المهم أنهم هم المتفضلون عليهم وليس العكس.وهذه الشخصية التي تكثر التحدث بخطاب «الأنا» هي غالباً شخصية منفرة، لأنها تجعل من نفسها محور كل حديث ولقاء وتجمع، وكأن الناس لا يجتمعون إلا ليسمعوا منها، وبالتالي قد يفرّ آخرون من المجالس إذا تواجدوا فيها، ولا يبقى إلا الذين منحهم الله طاقة أكبر لاحتمال كلام يخرج من أشخاص لا يعرفون في هذه الدنيا إلا أنفسهم.لكن في المقابل، يوجد أشخاص تكاد تسقط من قواميسهم هذه المفردة، وكأنهم نسوا أنفسهم في خضم هذه الحياة، أو أنهم لا يستطيعون أن يحسنوا تقييم أنفسهم فيعطونها دائماً أقل مما تستحق.وأخيـــراً، يجـــب أن لا ننســـاق إلى موجـــة القول الكثير والفعل القليل، وأن نتكلم أقل مما نفعل، وأن نترك أعمالنا تتحدث عنا، فهي خير من يقدمنا للآخرين بصدق ودقة.

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على