تهويد القدس خطر على المسيحية والإسلام في المشرق.

أكثر من ٦ سنوات فى تيار

تهويد القدس خطر على المسيحية-والإسلام في المشرق.بقلم جورج عبيد
لم تستفزّ مسيحيي المشرق قضيّة كبرى، كما استفزّتهم قضيّة نقل السفارة الأميركيّة من تل أبيب إلى القدس، وما تلاها من تداعيات خطيرة بدأت تظهر وتلقي بثقلها على ثلاث مسائل دقيقة للغاية وهي:1-مسألة الصراع العربيّ-الإسرائيليّ، وقد تحوّل بسعي إسرائيليّ وأميركيّ وخليجيّ إلى صراع مذهبيّ بين السنة والشيعة، وبين عرب الخليج وإيران، وبين المسيحيين والمسلمين المندرجين في القوى الأصولية والتكفيريّة، كما قال وزير الخارجية جبران باسيل في كلمته خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة.2-مسألة التسوية السياسيّة في سوريا المفترض أن تنطلق من اكتمال الحسم الميدانيّ على عشرين بالمئة من الأراضي التي لا تزال تحت سيطرة القوى التكفيرية المسلحة. فالتسوية في سوريا لها وظائف استراتيجية عديدة على مستوى الداخل السوري، ولكن في الوقت عينه لها وظيفة تمت بصلة إلى الصراع العربيّ-الإسرائيليّ لا سيّما على جبهة الجولان القنيطرة، وقد حذّر أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في حدبثه إلى الزميل والصديق سامي كليب في برنانمجه لعبة الأمم على تلفزيون الميادين، من إمكانية حرب إسرائيليّة على تلك الجبهة.3-مستقبل الأردن بهيكليته الحالية، وقد لاحظ المراقبون رفضًا جوهريًّا من قبل الملك الأردني عبدالله بن الحسين للقرار الأميركيّ والدور السعوديّ المعلن والمصري الخفيّ، بسبب إحساسه وامتلاكه معلومات دقيقة بتحويل الأردن إلى بلد بديل للفلسطينيين، مما يجعل العلاقة متوترة بين الأردن والسعوديين قد تبلغ حدّ الاشتباك الكبير.ما علاقة مسيحيي المشرق ولبنان من ضمنه بهذه التأثيرات وتلك المعطيات، ولماذا، تاليًا، يستفزّهم قرار أميركيّ كهذا؟بطريرك أنطاكية المثلّث الرحمات إغناطيوس الرابع هزيم وسلفه قبله الياس الرابع، كانا أوّل من أظهرا ما تشكّله قضية فلسطين من خطورة هائلة على مستوى الوجود المسيحيّ في المشرق، فالقدس قدسهم، قدس الصليب والقيامة، وبيت لحم مدينة التجسد الإلهيّ. وأي تهويد للقدس ليس إبطالاً سياسيًّا للتسوية العربيّة-الإسرائيليّة التي انطلقت من واشنطن، بل إقصاء وإلغاء وجوديّ للمسيحيين أو لما تبقى منهم في فلسطين المحتلة، وإنهاء فعليّ للإسلام القرآنيّ (والتسمية للرئيس سليم الحص أطال الله بعمره)، من خلال صفقة القرن مع من أتاحوا لقوى تكفيرية تنتمي إلى الفكر الوهابيّ أن تبدو الناطقة باسم الإسلام وتشيطنته بحروفيتها وتكفيرها لكلّ آخر.تهويد القدس بجوهره ومعانيه غير محصور كحركة اعتباطية قسريّة بناحية واحدة، بل يقود حتمًا وحصرًا إلى التشجيع على إيناع أصوليات جديدة ضمن تلك البيئات المحيطة بفلسطين، تتحرّك بقوّة هذا الفعل الخطير الذي يقود المنطقة بأسرها إلى التلاشي العبثيّ المطلق. لقد بات لزامًا أن يفهم كثيرون معنى الفوضى الخلاّقة وهدفها وواضعها هو يهودي-إنكليزيّ مقيم في الولايات الأميركية المتحدة وهو برنارد لويس، وقد تجلّت قمتها في الحرب على سوريا والعراق معًا من محور مؤسس للتطبيع مع إسرائيل قاده بندر بن سلطان واستكمل مع تركي بن عبد العزيز وهو مفتوح بوساعة مع وليّ العهد السعوديّ محمد بن سلمان. من أجل ذلك، كان التوق مشدودًا في حقيقته إلى سقوط سوريا والعراق ولبنان، وجذب هذا المثلّث الحيويّ المترابط الأجزاء نحو التقسيم، وهذا عينًا ما رآه البطريرك الراحل إغناطيوس الرايع قبل وفاته بأسبوعين حين قال لكاتب هذه السطور، وقد أوردنا القول في هذا الموقع، بأنّ الحرب في سوريا لا تهدف إلى إسقاط النظام في سوريا بل إلى إسقاط سوريا والعراق ولبنان بتمزيق هذه الدول عبر مشاريع تقسيميّة، ومتى تمّ كل ذلك ينسى الناس قضيّة فلسطين ويسهل على الأميركيين والإسرائيليين تهويد القدس ويصبح العرش الهاشميّ والأردن معه في خطر وجوديّ. لقد شخّص المسيحيون المشارقة باستشراف واقعيّ هذه الخطورة الظاهرة من قلب الركام السوريّ-العراقيّ، واستندوا بالتشخيص إلى معاني الفوضى الخلاّقة التي شيء لها التمدّد منذ سنة 2003 إلى الآن من العراق إلى لبنان فسوريا والعراق، والتي من أهدافها الخلاّقة طمر القضيّة الفلسطينيّة وأخذ القدس إلى خارج موقغها الصحيح.موقع القدس بالنسبة إلى المسيحيين المشارقة أن تكون للأديان التوحيدية الثلاث ضمن رعاية دولية. فمتى هوّدت بالكامل وأمست عاصمة إسرائيل الأبديّة، بطل الحضور المسيحيّ فيها، والبطريرك ثيوفيلوس اليونانيّ الأصول والجذور، ينهي الوجود المسيحيّ العربيّ والمشرقيّ فيها بواسطة بيع العقارات والأوقاف لبناء مستوطنات إسرائيليّة، وقد عدّ ذلك المقدّمة الواقعيّة والفعليّة لتهويد المدينة بل سعي نحو التهويد، وحجة دامغة من قبل بطريرك مسيحيّ خائن وعميل، للقرار الذي أخذه الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس بالتعاون والتعاضد مع ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان ورئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو وجاريد كوشنير، وموافقة مصريّة ضمنيّة كما كشفت بعض الأوساط.إلى هذا يتطلّع المسيحيون المشارقة إلى كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القمّة الإسلاميّة الأخيرة في اسطنبول، وإلى كلمة وزير الخارجية جبران باسيل في اجتماع وزراء الخارجية العرب، كوثيقتين يمكن الانطلاق منهما لحركة جديدة لا تنحصر بالاستنكار وإعلان التعاضد مع القدس، بل تتفاعل مع الرؤى بإسهاب كبير. فالكلمتان بحدّ ذاتهما استمداد للرؤية المسيحيّة المشرقية في مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم وقد انبلجت أدبيات بآفاق عقيدية رافضة التسليم بدولة إسرائيل وبالفكر الصهيونيّ وقوام هذا الفكر المطران جورج خضر الأبوان ميشال حايك ويواكيم مبارك، لقد قال المطران جورج بأن إسرائيل حبل بها بالإثم وولدت بالخطيئة، والأب ميشال حايك رأى فلسطين مصلوبة مع مشهد الشاعر كمال ناصر رحمه الله مقتولا على الأرض سنة 1973 على صورة الناصريّ المصلوب، والأب يواكيم كشف أن إسرائيل خطيئة وجودية. وقبلهم كان لميشال شيحا دور في التحذير من زرع إسرائيل في المحيط العربيّ وعلى جنوب لبنان، من دون أن ننسى المفكّر أسعد داغر وهو أحد واضعي ميثاق الجامعة لعربيّة إلى جانب الرئيس رياض الصلح، رؤى الوزير السابق ميشال إدّة ومن تلك الرؤى تخوّفه من تهويد القدس. ليست مسألة تهويد القدس ونقل السفارة الأميركية إليها سياسيّة بل وجوديّة. وهي تمثّل استفزازًا واضحًا للمسيحيين بشكل مباشر. كلّ الفعل الخلاصيّ تمّ في فلسطين وجنوب لبنان ومصر، الميلاد في بيت لحم والصلب والقيامة في القدس. كيف نترك القدس تنسلخ من الحقيقة المسيحية لتصير عاصمة اليهود وعاصمة إسرائيل؟ لقد أبلى البطريرك المارونيّ بشارة الراعي بلاءً حسنًا حين دعا إلى قمّة مسيحيّة-إسلاميّة من اجل القدس، وكشفت تلك المبادرة أنّ المسيحيين معنيون بالعمق بمدينة الله المقدّسة. لكن يفترض بالقيادات المسيحيّة الروحيّة والسياسيّة أن لا تتوقّف عند هذا الحدّ بخطاب إنشائي يتمّ طويه بعد فترة قصيرة من الزمن. بل يفترض بأن ينتقل البطاركة المسيحيون من القول إلى الفعل. وللأمانة حين خطف مطرانا حلب بولس يازجي ويوحنّا إبراهيم، اعتبرنا بأنّ خطفهما خطف للمسيحيّة المشرقية، ودعونا كما دعا آخرون إلى حراك كبير على كلّ المستويات يتولاّه بطاركة الشرق ضمن خطة منهجية استراتيجيّة نحو العالم كلّه لشرح خطورة الخطف ومعناه في ظلّ حرب هدفت إلى إسقاط سوريا وليس إلى إسقاط النظام، وظلّت الدعوة حبرًا على ورق. واليوم ومع تهويد القدس يدرك المسيحيون بأنّ معاني التهويد أخطر بكثير مما يتصوره عقل، فهي تقضي على المسيحيين المشارقة بفعل تبدّل قواعد اللعبة في المنطقة وقد حذّر أمين عام حزب الله من ذلك. على هذا يفترض على القادة الروحيين مسيحيين ومسلمين، أن ينطلقوا من فحوى خطاب البطريرك المارونيّ في افتتاح القمة ومن كلمتيّ رئيس الجمهورية ووزير الخارجية في اسطنبول والقاهرة، ويتجهوا بوفد موحّد إلى عواصم القرار وبالتحديد إلى موسكو وباريس ولندن وبرلين وصولاً إلى واشنطن للضغط باتجاه منع تهويد هذه المدينة وإبطال قرار الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بنقل السفارة إليها ورفض ممارسات البطريرك اليونانيّ الخائن ثيوفيلوس ودعم المسيحيين المقدسيين لانتخاب بطريرك عربيّ على كنيستهم. هذه المسألة تستفزّ المسيحيين بالدرجة الأولى، فإذا لم يسعوا إلى تلك المواجهة وحثّ العالم على رفض القرار الأميركيّ يكون المسيحيون قد دخلوا مرحلة النهاية. وعلى الرغم من ذلك فإنّ من ينظر إلى وجه المطران عطالله حنّا المشرق كالشمس، ومن ينظر إلى الأرشمندريت ملاتيوس بصل الراجي يدرك معنى الحراك المسيحيّ بالخصوصيّة المسيحيّة من أجل القدس، فمن هالك انطلق المسيحيون الأول واتجهوا إلى دمشق وإنطاكية، وفي أنطاكية دعي المسيحيون أوّلاً. ومن ينظر إلى إبنة السبعة عشر ربيعًا الفتاة الشقراء عهد التميمي في نضالها وهي لا تزال برعمًا يلتقط أضواء الفجر يدرك بأن فلسطين تستعاد بوحدة المسيحيين والمسلمين معًا. هذه لحظة تاريخيّة لنهضة مسيحيّة-إسلامية تشعل الأرض بالحق، حق فلسطين بالوجود وحقّنا بالحج إلى مدينة السلام مدينة الله ومدينة الإنسانية بأسرها.

شارك الخبر على