خطابنا الإماراتي.. مداه السياسي ومعناه الإنساني

5 days in الإتحاد

 د. نزار قبيلات *«خطابنا الإماراتي مداه السياسي ومعناه الإنساني - دراسة في ضوء نظرية المقولات الحجاجية»، يصدر هذا الكتاب عن دار نشر «بيت الحكمة» في مصر، وهو في الأصل أطروحة جامعية للدكتور حمد الكعبي، الرئيس التنفيذي لمركز الاتحاد للأخبار، كان قد أعدّها في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية مطلع هذا العام، والكتاب في تناوله يحاول الكشف عن مستويات الإقناع والتّحاور في الخطاب السياسي الذي قدمته بعثة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة خلال المدة التي شَغلتها، فقد بلغت الخطابات قرابة العشرة خطابات موجّهةً صوب حالات وشؤون دولية ناقشها المجلس حينذاك، وفي المنهجية والنهج قام الباحث، بعد أن رصد تلك الخطابات، بإعمال فرضيات المنهج التفكيكي، كاشفاً عن بنيات كل خطاب وتقاناته، وذلك وفق فرضيات سياق كل خطاب، معتمداً في ذلك على البنيات الآتية: الدعوى والمقدمة والتبريرات والمؤشرات، ثم التحفظات والآراء التي تأتي بمثابة قفلة لكل خطاب، لكن الباحثَ وكما يقال يفهم ويتجاوز، وبخبرته واطّلاعه على مقتضيات الدرس اللغوي الفلسفي الحديث، جعل الكعبي الفصل الثالث من الدراسة للبرهنة على نجاعة الخطاب السياسي الإماراتي، من خلال قياس مدى حجّيته وقدرتِه على النّفاذ والإقناع، فقد كانت تلك الخطابات تخوض في شؤون دولية إنسانية أبرزت موقف دولة الإمارات ودورها الإنساني السامي في خفض التوترات، وفي طرح الحلول السلمية ومواجهة التطرف والعنف في العالم.

كل ذلك تم باللّغة وليس سواها، فهي تلك القوّة الناعمة التي فرضها الخطاب السياسي الإماراتي، واختارها نهجاً إنسانياً بديلاً عن القوة الخشنة، فقد راح الباحث، عبر رحلة بحثية مدروسة، يتتبّع جذور هذا الخطاب القيمي تاريخياً، منطلقاً من حقبة الآباء المؤسسين، ووصولاً إلى تداعيات هذا الخطاب وراهنيّته، فقد أحاط، وبروّية وتمحيص، بشروط السياق وبأنواع متلقيه وبمواقفهم، وكذا بأنواع الحجج، منطلقاً من أصغر بنية صوتية، وصولاً إلى المنطق الفلسفي بوصفه الحجة العقلية الأسمى، وقد عاين الباحث رجاحة الخطاب الإماراتي من خلال تماسكه النصي واتساقه وفي فاعلية هذا الخطاب وقدرته على التأثير في قرارات المجلس وتغيير مواقف بعض الدول وكسب تأييدها، فمعايير النجاح تقاس بالفعل في مدى استمالة المتلقي وتغير موقفه، فالخطاب السياسي، وكما أبان الباحث بُني بدلالات ساقها معدو الخطاب المدركون لفنون الفعل الكلامي ولطاقته الإقناعية، وبالاستجابة لقضايا وشواغل إنسانية مقلقة.وكشفت الدراسة في خاتميّتها عن استراتيجية التّضامن والتسامح التي ترفض التّعنت والإقصاء والعنف، مشيرةً إلى تمسك الخطاب السياسي في الإمارات بإرثه الإنساني الذي استلهم من خطابات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي برهن على أهلية هذا النهج في التواصل السياسي، وذلك بتحقيق الاتحاد الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة، فكان هذا الاتحاد حجة قارة تدلّل على صدق الانتماء والولاء لهذا البلد المعطاء، وعلى إصرار أبنائه على التمسك بذلك الإرث وبقيمه الإنسانية التي ستضمن سلامة البشرية وكينونتها وكرامتها، كل ذلك تم بيقين مفاده أن احترام الآخر وحفظ حقوقه سيكون له القول الفصل في درء كل أشكال البغض والعنف والإكراه في العالم.هذه الدراسة هي لبنة أساسية وضعها الكعبي لتكون منطلقاً لأعمال ودراسات أخرى سيكون لها شأن في تعزيز حضور الخطاب الإماراتي في كل المحافل الدولية.*أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

Share it on