الاستدامة الثقافية في قصص الأطفال واستلهام الذاكرة
٦ أيام فى الإتحاد
هزاع أبوالريش يستشرف كتاب «استراتيجيات الاستدامة الثقافية في قصص الأطفال.. مداخل تربوية ومقترحات إبداعية»، للمؤلف الدكتور عادل العناز، الصادر عن مؤسسة التفكير فنياً، آفاق الاستدامة الثقافية من منظور تربوي ومعرفي، مستثمراً الإمكانات الخطابية التي تتيحها قصص الأطفال، من حيث كونها مدوّنة لغوية وبصرية، أمست تمثل اليوم دعامةً مركزية قادرة على صياغة استراتيجيات ثقافية تواكب تحديات العصر.
ويقول الدكتور عادل العناز، وهو باحث مغربي في التأويليات والمناهج النقدية المعاصرة، لـ«الاتحاد»: «ينصب الكتاب على معالجة المشكلات التي تثيرها سياقات مجاراة الثقافات المحلية والهُويّات الوطنية العربية للتطوّر والتحديات الكبيرة التي يشهدها العالم في مجالاته الثقافية، والحضارية، والاجتماعية، والتواصلية، إذ يدعو الكتاب مؤلفي إبداعات الطفل إلى مراعاة أسس الاستدامة الثقافية عبر جعل خطوات ربط الماضي بالحاضر منذورةً للتماهي المسؤول مع مختلف الرهانات التي يفرضها واقعنا المعاصر، سواء في ترسيخ القيم الوطنية، أم في إنماء المهارات الحياتية والتواصلية، أم في تنبيل القيم الأخلاقية. وعلى هذا الأساس، وبعد جرد موسع لقصص الأطفال بالعالم العربي، بلور الكتاب عدداً من الاستراتيجيات والمقترحات التي ستمدّ المبدعين والتربويين بالمداخل الأولية التي ستمكنهم من تجويد أشكال استلهام الذاكرة، وفق معايير سردية وتخييلية تراعي مختلف التحديات والرهانات، وذلك من أجل تجويد عملية الإنتاج، وعصرنتها، سواء في الشكل، أم في المحتوى، بأساليب وتقنيات جديدة، تتجنب الاجترار والنمطية، والارتجاع الجاف للذاكرة. إذ لا ينبغي أن يحول أي شيء أمام أهداف تطوير تراثنا العربي العام، ومورثاتنا المحلية الخاصة، عن مجاراة أسئلة الإنسان وتطلعاته المستقبلية».ويتابع العناز: «حتى أوضح أكثر مفهوم «الاستدامة الثقافية» (Cultural Sustainability) الذي مازال حديثاً في تداولنا الثقافي والتربوي، يمكن التوسّل بتجربة الإمارات نفسها، ففيها ما يبرز هذا المفهوم وما يعبّر عنه بوضوح تام، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، إن موروث الباني المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ترك بصمة مؤثرة في فلسفة الإنسانية، وفي قيم التسامح والتعايش، بيد أن استراتيجيات الإمارات في تطوير المورثات لا تكتفي فقط بربط الماضي بالحاضر، وإنما تنخرط بعمق في إحداث تجاوب فعّال بين الموروثات السابقة والتحديات اللاحقة. ويبدو أن ذلك ما جعل الإمارات اليوم لها دوراً بارزاً وحضوراً عالمياً لإنقاذ الإنسانية من ضلال التطرّف والتعصّب، تماشياً مع رؤية الباني المؤسس، «طيّب الله ثراه»، إلى إنزال فكرة التعايش من طابعها المجرّد إلى واقعها المادي الملموس، تجارب رائدة تعبّر عن كيفيات تنزيل فلسفة الاستدامة الثقافية القاضية بأن بقاء وتطوير مختلف روافد التراث العربي لن تتحقق إلا بمدى مسايرتها لتحديات المشترك الإنساني.ويضيف: «الرسالة التي يود أن يوصلها هذا الكتاب، هو التشديد على أهمية الأدوار التي يضطلع بها أدب الطفل في مشاغل المستقبل، انطلاقاً من عدّ قصص الأطفال أداةً تربوية وإبداعية من شأنها أن تستبق –في بعدها الاستراتيجي- إلى التوغل في التحديات التي تواجه البشرية، من قبيل: التنمية المستدامة، والتغيير المناخي، والقضاء على ظواهر التطرّف والتعصّب، لأن أدب الطفل، شعراً كان أم نثراً، هو خطاب جمالي قادر على اسعاد الناشئة من جهة، وتعريفها بكل الظواهر المؤرقة من جهة أخرى».ويختتم العناز قائلاً: «أظن أن هذه الرسالة تحتاج –في أصلها وأفقها- إلى رعاية المؤسسات الثقافية والتربوية من أجل جعل أدب الطفل عامة، وقصص الأطفال خاصة، مجالاً من مجالات خدمة الاستدامة الثقافية التي تسعى إلى تطوير أشكال التعبير عن الموروثات المحلية مع مراعاة التحولات التي تفرضها التحديات التنموية المستقبلية، ذلك أن الاستدامة الثقافية في قصص الأطفال، تنظر إلى الموروثات المحلية بوصفها دافعاً من دوافع تأمين التواصل الثقافي بين الأجيال، والمجتمعات، والحضارات، ضمن استراتيجيات عملية تهدف إلى وصلَ الماضي بالمستقبل، والأصالة بالمعاصرة، والمحلي بالكوني».