الإمارات.. ودبلوماسية التنمية
حوالي ٣ ساعات فى الإتحاد
من يتابع الزيارات الخارجية التي يقوم بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يمكنه معرفة فلسفة وملامح السياسة الخارجية لدولة الإمارات، التي تستند إلى دبلوماسية التنمية، وترسخ قاعدة صلبة لشراكات تتجاوز حدود الجغرافيا، شعارها مد جسور التعاون في الخير مع الجميع. من هذه الزاوية، يمكن فهم زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى أنغولا.
فالزيارة كشفت بوضوح أن القارة السمراء تحظى بأهمية خاصة في استراتيجية الدولة لبناء علاقات دولية راسخة قائمة على المصالح المشتركة، والمنفعة المتبادلة، والسعي لتحقيق تنمية مستدامة، تعود بالنفع على جميع الأطراف. ويمكن اعتبار الزيارة محطة مهمة في مسار تعزيز العلاقات الإماراتية - الأنغولية في مختلف المجالات والجوانب الحيوية، بما يخدم أولويات التنمية، فعلى مدار عقود، تجاوز حجم استثمارات الإمارات في الدولة الصديقة 6.5 مليار دولار، تركزت في مشاريع الطاقة الشمسية، وبناء الموانئ والسفن لتعزيز التجارة، إضافة إلى إنشاء مناطق اقتصادية، وفرت آلاف فرص العمل أمام الشباب الأنغولي.
ومن خلال الأرقام، يبدو واضحاً أن مؤشر العلاقات الاقتصادية في تصاعد مستمر، فحجم التجارة غير النفطية بلغ 2.2 مليار دولار أميركي في عام 2024 بنمو قدره 36.3% مقارنة بعام 2019، لكن عام 2021 شكل انطلاقة حقيقية في علاقات البلدين بشكل ملحوظ، حينما وقع الطرفان العديد من مذكرات التفاهم، بما يعكس الرغبة المشتركة في تطوير العلاقات، ودفعها نحو آفاق واعدة. ومن الحقائق التي يجب التوقف عندها بتدبر، أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي والثالثة عالمياً بعد الصين وأميركا في الاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا، حيث بلغت الاستثمارات الإماراتية في القارة نحو 60 مليار دولار خلال فترة لا تتجاوز عشر سنوات ما بين عامي 2012 و2022.
فالواقع يؤكد أن القارة السمراء تتمتع بثروات طبيعية هائلة، وهي منجم وكنز حقيقي لفرص الاستثمار والنمو الضخمة، حيث تمتلك القارة ثلثي الأراضي الصالحة للزراعة حول العالم، الأمر الذي يرشحها للقيام بدور جوهري وحاسم في تحقيق الأمن الغذائي العالمي. لكن منهج تدعيم العلاقات مع القارة السمراء يظهر أيضاً من خلال جولة قام بها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، لبحث التعاون مع دول القارة السمراء، شملت أوغندا ومالاوي وكينيا وتنزانيا، حيث تم توقيع اتفاقيات عدة ومذكرات تفاهم تعكس التزام الدولة بدعم الازدهار والاستقرار في أفريقيا. وتستهدف الإمارات من خلال هذه الشراكات إقامة علاقات تعاون متينة، مع التركيز على توسيع شبكة شراكاتها العالمية، وتعزيز مكانتها مركزاً تجارياً عالمياً عبر توطيد العلاقات مع شركاء تجاريين موثوقين حول العالم، دعماً لجهود تحقيق المستهدفات الوطنية لدولة الإمارات المتمثلة في زيادة قيمة التجارة الخارجية غير النفطية إلى 4 تريليونات درهم، وبصادرات سلعية تصل إلى 800 مليار درهم بحلول 2031.
إن دور الإمارات في أفريقيا يمثل نموذجاً رائداً للتعاون التنموي المتكامل في القارة السمراء، بفضل استثماراتها الكبرى في قطاعات استراتيجية كالبنية التحتية والطاقة، إلى جانب دعمها الفعّال لمجالات حيوية كالتعليم والصحة وبناء القدرات وريادة الأعمال، خصوصاً بين الشباب والنساء. واللافت أن الإمارات في تحقيق رؤيتها نحو أفريقيا لا تعتمد على مؤسساتها الرسمية فقط، لكنها فتحت الأبواب على مصرعيها أمام رجال الأعمال المواطنين، فانطلقوا بكل ثقة للاستثمار في القارة السمراء وفق الضوابط والسياسات التي تؤكد التعاون فيما ينفع الناس، ومن ثم ما أن يعلم سكان تلك البلاد أن المستثمر مواطن إماراتي حتى تتهلل أساريرهم يقيناً بأنه عنوان للخير والعطاء.
نحن الآن بصدد نقلة نوعية تشهدها العلاقات الاقتصادية بين الإمارات ودول أفريقيا، وفصل جديد من قصة طويلة تكتبها القيادة الرشيدة مع القارة ترتكز على الإنسانية والحلم والعمل المشترك، في ظل توجه إماراتي نحو دعم الازدهار والاستقرار والتنمية بالقارة السمراء، تلبية لما أكد عليه مراراً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وانسجاماً مع دور الإمارات التنموي، والذي كان دوماً محل إشادة وتقدير دائمين من دول القارة. هذه فلسفة إماراتية حصرية لا مثيل لها، ترسخ لمفاهيم جديدة في العلاقات الدولية، تعزز فرص التعاون بما ينسجم مع الرغبة الصادقة في تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة لكل شركاء الإنسانية.