محمد شرف الدين يكتب المناخ «تفاؤلي» ممطر شتاءً

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

لا شيء يدعو للتشاؤم على الإطلاق، فالمناخ في مصر حار جاف صيفًا، دافىء تفاؤلي ممطر شتاءً، دعك ممن يتحدثون عن مخاطر القمح المصاب بفطر الإرجوت القاتل، وأمراض القلب والكلى والكبد ومخاطر الإجهاض التي قد يسببها بفضل قيمته الغذائية العالية.

لا تلق بالًا للنائحين على عشرات الغرقى الذين أعادهم حظهم العاثر إلى بطن الأرض التي فروا من ظهرها.

لا تعر انتباهًا للتزايد المطرد في قائمة الدول التي قررت أخيرًا إنقاذ بشرها - وحيواناتها - من الفوائد الجمة لفواكه مصر وخضرواتها، التي ترعرعت ثمارها وامتلأت أغصانها الوارفة بما لذ وطاب من مخلفات الصرف الصحي والكيميائي والبيولوجي، أتحداك أن تحصل على مثل هذا "الكوكتيل" من مستنقعات الأمازون حتى.

لا تجعل صرخات الأمهات الباحثات عن ألبان الأطفال المدعمة كصائدي الكنوز في الأساطير تزعج ضميرك النائم، فإن هن إلا دسيسات تحركهن قوى الشر للعبث ببالك الرائق.

الأجواء تفاؤلية ومبهجة بامتياز لكنك تعاني فيما يبدو من تقلص عضلات الفم، لا تبتئس فربما توفر لك الدولة علاجًا على نفقتها، أو تبتعث لك من يدغدغك أسفل إبطيك حتى تستلقي ضاحكًا على قفاك، فجميع المسؤولين هنا ساهرون على حماية "مزاجك" من حروب الجيل الرابع التي تستهدف تعكيره، لذا من الأجدر بك أن تنسى كل شيء و"تشد اللحاف".

ازدهرت مهنة "المونولوجيست" في مصر منذ القدم لإضحاك الناس، لكن ربما لم يدر أبدًا بخلد أحد ممتهنيها يومًا أن يجبر هؤلاء الناس على الضحك والقهقهة إزاء نكتة سخيفة، فضلًا عن أن تكون مأساوية.

إنها على ما يبدو إستراتيجية جديدة لمواجهة حروب الجيل الرابع تحت شعار "هتضحك يعني هتضحك"، ستضحك أو تصبح خائنًا مهرطقًا موصومًا بعار التشاؤم، تعمل على إسقاط الوطن بطاقتك السلبية الخطيرة التي أثبتت أحدث النظريات السلطوية أنها قد ترفع سعر الدولار، وتقلص إيرادات القناة، وتدمر السياحة، وتدفع الفقراء المعدومين للفرار من هذه الجنة الموعودة على طريقة "البحر من أمامكم ومصر من خلفكم.. فأين المفر؟".

"يقولون لي اضحك.. حسنًا ها أنا أضحك من شر البلية".. أحمد مطر

في رائعة الأديب الإسباني "ميجيل دي سيرفانتس"، كان البطل "دون كيخوته" يركب ظهر حصانه الهزيل المُعدم "روسينانتي"، ليقاتل طواحين الهواء التي كان يتوهم أنها شياطين ذات أذرع عظيمة، وقطعان الأغنام التي يتخيلها جيوشًا جرارة.

ربما لم يدر بخلد "سيرفانتس" حينما كان يخط روايته الخالدة أن دولًا بأكملها قد تتقمص شخصية بطله بعد 4 قرون على رحيله، لكن الفارق الجوهري هو أن جنون "دون كيخوته" لم يلحق الأضرار سوى بصاحبه، وربما بتابعه الوفي "سانشو بانثا" الذي عينه الفارس المغوار حاكمًا على جزيرة وهمية، فيما يصر البعض هنا على اصطحاب شعب بأكمله في معركة ضد طواحين الهواء، شعب يقوم بدور الحصان البائس "روسينانتي".

الشائعات لا تقتل، ربما فطر الإرجوت يفعل ذلك، ربما الفقر والعوز والقهر وقلة الحيلة، وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي - مهما بلغت قوتها وتأثيرها - لا تملك أبدًا إقناع الناس بأن ثلاجاتهم خاوية على عروشها بينما هي عامرةً بالخيرات.

إليك أسهل وأنجع طريقة للتغلب على الشائعات، عندما يسمع أحدهم شائعة مغرضة ما تستهدف تشويه "الاقتصاد القومي"، وتحثه على رفض "إجراءات الإصلاح"، سيتحسس جيبه، فإن وجده بخير ثق أنه لن يلتفت أبدًا إلى ما يسمعه حتى إن كان وحيًا من السماء.

مازالت تيارات ما يسمى بـ"الإسلام السياسي" تحلم بثأر يشفي غليلها من وسائل الإعلام، تعتبرها أبواق الشيطان التي أسقطت نفخاتها الجهنمية مشروع الخلافة الوليد، فهؤلاء الشياطين الصغار "سحرة فرعون" - على حد قولهم - قد أقنعوا الناس كذبًا بأن "السلطة الإسلامية" قد فشلت سوى في تحقيق الفشل، بينما كان نجاحها يعانق السماء ويطفىء حرائق النجوم، وسوسوا في صدورهم بهتانًا وزورًا أن الرئيس التقي الورع وجماعته المباركة يقودان البلاد إلى الهاوية، بينما كان المصريون يتزاحمون على أبواب الفردوس الأعلى.

رحل "مبعوثو السماء" حالمين بثأرهم، فيما عاد إلينا "مبعوثو الوطن" مُشبعين بذات الخيالات والأوهام، وما بين سندان هذا ومطرقة ذاك تذكر أن "المناخ تفاؤلي" لأنها معادلة لا يمكن أن تستمر للأبد.

شارك الخبر على