الذكاء الاصطناعي ودعم منظومة الإفتاء الشرعي
7 days in الإتحاد
اتسمت مقاربة دولة الإمارات العربية المتحدة لقضية الفتاوى الدينية بالشجاعة والقدرة على طرح الأسئلة الحقيقية التي جرى تجنُّبها طيلة عقود، على الرغم من الأهمية التي تحتلها قضية الفتوى لدى المسلمين في كل أنحاء العالم، وتأثيرها الروحي والوجداني الذي يجعل تجاهل واقعها ومستقبلها مشكلة حقيقية تواجه العالم الإسلامي، وتَحُول في كثير من الأحيان بينه وبين تحقيق طموحات دوله وشعوبه إلى التنمية والتطور.وفي هذا الإطار، تواصل دولة الإمارات توظيف المنجزات التقنية المتسارعة لتكون داعماً للفتاوى، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي الذي يمكن لاستخدامه بشكل رشيد ومدروس أن يقدم نتائج إيجابية يستفيد منها مئات الملايين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وتُقدِّم مشاركة الدولة، ممثلة بمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، في فعاليات مؤتمر «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي» الذي نظمته الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم بالعاصمة المصرية القاهرة، نموذجاً للجهود الجادة من أجل تطوير آليات الإفتاء وتعزيز قدرات المفتين على مواكبة المستجدات التقنية والفكرية المعاصرة.وقد أكد معالي الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، في كلمته خلال المؤتمر، على الأهمية البالغة لتطوير المنظومة الإفتائية، مشدداً على أن المرحلة الراهنة تتطلب تكاتف الجهود العالمية من أجل الوصول إلى اجتهاد مؤسسي حضاري قادر على مواكبة تحديات العصر. كما دعا معاليه إلى ضرورة تقديم الفتوى الشرعية بروح الاعتدال والمرونة، وبما يدعم الاستقرار وقيم المواطنة، ويخدم مسارات التنمية الشاملة في المجتمعات، مؤكداً أن تعزيز الوسطية في الإفتاء يمثل أحد الركائز الأساسية للحفاظ على السلم المجتمعي وترسيخ القيم الإنسانية المشتركة.وليس هناك من شك في أن الإسهام الإماراتي الملموس في مؤتمر «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي»، إنما يُعبِّر عن التقدم الكبير الذي أحرزته الدولة في مجال الخروج بالفتاوى الإسلامية من جمودها الذي استمر طويلاً، وإطلاق طاقات التطوير والابتكار التي عُطلت بسبب الجمود والتشدد. فقد تصدَّرت دولة الإمارات على امتداد سنوات طويلة عمليةً متواصلةً من حشد الجهود في مختلف دول العالم الإسلامي ومؤسساته الدينية من أجل توجيه النقاشات حول الفتوى إلى وجهتها العصرية الصحيحة، وهي الجهود التي تُثمر الآن وعياً عاماً بالقضية، وآفاقاً جديدة لمعالجة مشكلاتها المزمنة، بما يحقق تطلعات الشعوب العربية والإسلامية في عالم سريع التغير.وفي الوقت الذي تحافظ فيه دولة الإمارات على القيم الإسلامية الراسخة، فإنها لا تتردد في الاستفادة من التطورات التقنية والمعرفية لخدمة العمل الشرعي. كما تؤدي دورًا رياديًّا في تدريب وتأهيل المفتين، ليس فقط على المستوى المحلي، بل من خلال برامج تعاون إقليمي ودولي تهدف إلى رفع كفاءة الكوادر الإفتائية في مختلف البلدان. وقد شهدت الدولة في السنوات الأخيرة توجهاً متنامياً نحو الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال الديني، ويتجلى ذلك في بحث الهيئات الدينية الإماراتية فرص توظيف الذكاء الاصطناعي لتقديم خدماتٍ إفتائية متطورة وخدمة المجتمع بأحدث الوسائل، وشمل هذا التوجه استخدام تقنياته في تطوير منصات إلكترونية للتواصل مع الجمهور، وأتمتة الردود على الاستفسارات الشرعية، مما وسّع دائرة الاستفادة وجعل الوصول إلى الفتوى الشرعية الموثوقة أكثر سهولة وفاعلية.إن دولة الإمارات، تؤمن على مستوى الفكر والممارسة معاً، بأن الإفتاء في العصر الحديث لم يعد مجرد نشاط تقليدي، بل عملية متكاملة تستفيد من العلم والمعرفة والتكنولوجيا، مع الالتزام بالوسطية والاعتدال كمنهج راسخ.
وتبقى مشاركتها في المؤتمرات الدولية من هذا النوع انعكاساً لرؤيتها الطموحة في جعل الدين قوة للخير والسلام، في الحاضر والمستقبل. كما تُبرز هذه المشاركة، وغيرها من الجهود في الاتجاه نفسه، نظرة الإمارات المتكاملة نحو الإفتاء، والتي يقترن فيها الفهم الشرعي العميق بمرونة تكنولوجية، وفق معايير أخلاقية تحفظ الثوابت الدينية وتدعم الاستقرار المجتمعي، وتُجسد التزام الدولة برؤيتها الإنسانية والحضارية لخدمة الدين والمجتمع على أسس منضبطة وعصرية.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.