أساس للنقاش حول السلام

٢١ يوم فى الإتحاد

 وسط التصعيد والتجويع والحديث عن إعادة احتلال غزة، قرأتُ مقالةً للكاتب الإسرائيلي ألون بن مئير، نشره على موقعه بتاريخ 8 أغسطس بعنوان «اغتنام الزخم العالمي لحل الدولتين». بدأ مئير مقالتَه بالإشارة لتصاعد هذا الزخم، والتذكير بأنه رغم صعوبته، فليس له بديل واقعي، وأنه ما لم تغتنم كافة الأطراف هذه الفرصة فإن البديل هو الانزلاق إلى العنف لعقود قادمة. وبناء على هذا وجَّه الكاتب رسائلَه للأطراف جميعها، فطالب «حماس» بالتخلي عن خيار الاستمرار في المقاومة، لأنه يصب في مصلحة نتنياهو، ويحرم الفلسطينيين من تحقيق حلمهم بالعيش في أمن وسلام.
واعتبر أن هذا لن يكون استسلاماً، وإنما سيمثل إنهاءً لمعاناة الفلسطينيين، وعدم ترك تضحياتهم المروعة على مدى 22 شهراً الماضية تذهب سدىً. وطالب السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بإعادة تنظيم نفسها سياسياً، ودعوة جميع الفصائل التي تنبذ العنف للمشاركة في العملية السياسية والتخطيط لانتخابات جديدة، وتشكيل حكومة ائتلافية تمثل الجميع، وتدخل في مفاوضات سلام غير مشروطة مع إسرائيل. وحذّر السلطةَ مِن أن فشلها في إنجاز هذه المهمة سيضفي شرعيةً على الادعاء الإسرائيلي بعدم وجود شريك فلسطيني للتفاوض.
ثم انتقل الكاتب للإسرائيليين، فوجّه لهم رسالةً مفادها أنه إذا كان هجوم 7 أكتوبر والرد الإسرائيلي قد أظهرا شيئاً، فهو أنهم سيبقون دائماً عالقين مع الفلسطينيين، فلا شيء يمكنهم فعله الآن ولا في أي وقت للتخلص من 7 ملايين فلسطيني يعيشون داخل مجتمعهم ويحيطون بهم، وأن قرابة ثمانية عقود من العنف تثبت أن الحل الوحيد هو «حل الدولتين»، فضم الضفة وإعادة استيطان غزة كابوس أمني وكارثة أخلاقية، ومن شأنه أن يحول إسرائيل لدولة منبوذة. كما أن خيار الدولة الواحدة مرفوض إسرائيلياً، وذلك نظراً لما يفضي إليه من احتمال زوال الصفة اليهودية عن إسرائيل.
وفي إطار «حل الدولتين» أكد الكاتب حتميةَ تقديم تنازلات متبادلة حقيقية، موضحاً أن هذه التنازلات ستتضاءل مقارنةً بإراقة الدماء والدمار المستمر الذي سيعاني منه الطرفان لعقود قادمة، ونصح مواطنيه بعدم تصديق مقولة أن الدولة الفلسطينية خطر على إسرائيل، لأن العكس هو الصحيح.
وفي رسالته لترامب، ذكر الكاتبُ أن أمن إسرائيل الذي يبدي اهتمامَه الكبير به يكمن في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وليس في دعم مسعى حكومة نتنياهو إلى إعادة بناء «إسرائيل الكبرى» عبر تهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة، فليست هذه سوى وصفة لاستمرار المعارك الكارثية، ولزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وحرمان إسرائيل من تحقيق السلام مع العديد من الدول العربية، بل وتهديد اتفاقيات السلام الحالية مع 6 دول عربية.
ويرى الكاتب أن ترامب، بشعبيته الاستثنائية في إسرائيل، يعتبر في وضع فريد يمكّنه مِن تحقيق هذا الإنجاز الذي يضمن له الفوزَ بجائزة نوبل للسلام. ويعترف الكاتب في الختام بأن أفكارَه قد تبدو خيالية، لكنه يتساءل عن البديل، والواقع أنه بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه في التفاصيل، فإنه قدم رؤيةً تصلُح أساساً للنقاش حول التوصل لسلام حقيقي. ولا أعرف الوزن النسبي لمَن يتبنون هذه الأفكار في إسرائيل، لكن مجرد طرحها علناً يعني أنها موجودة ولها أنصارُها، وعلينا أن نفكر في الطريقة المثلى للاستفادة من وجود هذا الاتجاه في تعزيز مسعى التوصل لسلام حقيقي.
*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على