«يقظة العرب ٣».. تفاصيل الصراع بين الخلافة العثمانية وبريطانيا العظمى

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

يرصد أنطونيوس تكون بعض الجمعيات السرية العربية فى بيروت - الشام عموما، وربما العراق فى فترة لاحقة- التى دعت فى منشوراتها وكراساتها، التى وزعت سرا، إلى تحرير سوريا من" الاحتلال العثمانى"، وكان مجرد استخدام كلمة "احتلال" لوصف الوجود العثمانى الإسلامى، الذى كان يحمل لقبا طاغى الجاذبية: "الخلافة الإسلامية، أمير المؤمنين" يمثل ما يشبه "الفتنة" و"العصيان" و"الردة".

فى الفصول الستة الأولى من كتاب "يقظة العرب"، التى تمثل تقريبا ثلث عدد صفحات الكتاب المكون من ستة عشر فصلا،  فى 653 صفحة، يستغرق، جورج أنطونيوس، فى عرض مقدمات "الحدث الكبير" المتمثل فى مراسلات حسين - مكماهون، و"الثورة العربية الكبرى"، فيتعقب البذور الأولى لحركة النهضة العربية، فيما سماه "البداية الجنينية" فى عهد محمد على، وسنوات إبراهيم باشا، فى بلاد الشام، وأواخر ثلاثينيات القرن التاسع عشر؛ والتى لم تفض إلا لتراجع أحلام الباشا وأولاده إلى حدود مصر الطبيعية، لكن الفكرة ظلت تحوم فى مخيلة حكام مصر لسنوات؛ وأثمرت فى مطلع عشرينيات القرن العشرين حركات دينية وسياسية لعبت أدوارا بالغة الأهمية طوال قرن، حتى وصلت إلى ما نراه حاليا فى "الفضاء المشرقى"، وهو ما يبدو للبعض وكأنه النفس الأخير لتلك الفكرة.

ويعزو الكاتب أسباب فشل حملة محمد على إلى تآمر الغرب وعدم تشرب المجتمع العربي بثقافة القومية العربية آنذاك، وإلى غياب "ثورة ثقافية" تسبق "الثورة" السياسية والعسكرية وتمهد لها الطريق إلى العقول والقلوب.

وطبقًا لأنطونيوس، فإن تأثير تلك "البداية الجنينية" كان عظيما فى الشام، وأنه لذلك ليس بمستغرب: "إن عددا كبيرا من المثقفين القوميين المسيحيين العرب هاجروا إلى مصر، وأسسوا دورا صحفية ودور نشر عديدة، ومنها المقطم التى أنشأها فارس نمر باشا، الذى صاهره جورج أنطونيوس نفسه".

ويرصد أنطونيوس تكون بعض الجمعيات السرية العربية فى بيروت - الشام عموما، وربما العراق فى فترة لاحقة- التى دعت فى منشوراتها وكراساتها، التى وزعت سرا، إلى تحرير سورية من "الاحتلال العثمانى"، وكان مجرد استخدام كلمة "احتلال" لوصف الوجود العثمانى الإسلامى، الذى كان يحمل لقبا طاغى الجاذبية "الخلافة الإسلامية، أمير المؤمنين" يمثل ما يشبه "الفتنة" و"العصيان" و"الردة".

ويقدم  لنا تفاصيل المؤتمر العربي الأول في باريس سنة 1913، الذي حضره عدد من المندوبين عن الأقاليم العربية في المشرق العربي، لكنه لا يتطرق لسبب ومدلول اختيار العاصمة الفرنسية، ولا عن دور الغرب في كتابة بيان المؤتمر الختامي الداعي إلى إصلاحات سياسية داخل الدولة العثمانية وإلى ضرورة فرض المساواة بين العرب والأتراك. 
ويؤكد أنه: "مع نهاية العقد الأول للقرن العشرين أصبح المسرح ممهدا، تماما، للخروج بالقومية العربية من الدهاليز الفكرية، والمخابئ السرية، إلى حركة شعبية علنية، هى تلك التى قادها الشريف حسين، أمير مكة، فى ثورة عربية كبرى (1916- 1920).

أنطونيوس، إذا، هو أول من أرخ بالوثائق، للقارئ الأوروبى - بالأساس- كيف تمت "الخديعة الكبرى للعرب" أثناء الحرب العالمية الأولى، على يد الغرب، وكتابه قفزة نوعية كبرى فى محاولة تأصيل وعرض فكرة القومية العربية والدفاع عنها، وعن حق الأمة العربية فى الاستقلال والوحدة والحرية، وقد نسج كل من كتبوا بعده فى الأربعينيات على المنوال نفسه.
تبلورت "نظرية القومية العربية"، على يد الجيل الثانى من "مفكرى" القومية العربية، وقد كتب بعضهم بالفرنسية أو الإنجليزية - كما أنطونيوس، وإن لم يحوزوا شهرته، ربما لأنه كان قريبا جدا من المصادر الأولية للحدث- ثم ترجمت كتاباتهم إلى العربية، مثلما فعل نجيب عازورى، فى أوائل القرن، محاولين إثبات مشروعية القومية العربية للرأى العام الأوروبى، وللحكومات الأوروبية، التى كانت تشك فى وجود "أمة عربية"؛ وكما فعل إدموند رباط، فى كتابه المنشور فى باريس 1937، بعنوان" الوحدة السورية والمستقبل العربى"، والذى يتمحور حول مقولة رئيسية، فحواها أن العرب لهم لغة وتاريخ مشترك، انتجا ثقافة واحدة، كونت "أمة واحدة".

مع الفصل السابع ندخل فى خضم الحدث: الحرب والجهاد (1914)، وتبدأ التفاصيل بالكشف تدريجيا عن تلك الحالة الخاصة التى كانت أشبه بمصهر هائل يفور ليصهر مكونات متنافرة ويشكل منها خليطا تتنازعه مطرقتان، هما: الدولة العثمانية وبريطانيا العظمى، كلتاهما أمام لحظة مصيرية، تتجرعان من كأس الحرب المدمرة، التى ستفضى بأولهما للنهاية المحتومة، فى حين ستكسب الأخرى نصف قرن إضافى قبل أن تغرب الشمس عن رايتها الإمبراطورية، وكلتاهما تتنازعان صفة "الدولة الإسلامية" الأكبر فى العالم، أولهما بجدارة تاريخ أربعة قرون ماضية، وإقرار من المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، والثانية لأن رعايها المسلمين فى العالم هم النسبة الأكبر من بين الحجيج فى عام 1332هجريا.

يقظة العرب تاريخ حركة العرب القومية، الكاتب: جورج أنطونيوس، قدم له الدكتور نبيه أمين فارس، ترجمة: الدكتور ناصر الدين الأسد، الدكتور إحسان عباس، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة الثامنة 1987.

شارك الخبر على