«الخيون».. تجربة بحثٍ جادة
3 months in الإتحاد
درَج الباحث الدكتور رشيد الخيون مع جيلٍ عاصر ظروفاً فكريّة متصارعة. تصدّعت السبل، واختار المفكّر العراقي الجاد رشيد الخيون درب البحث. أثمر هذا عن سيل من الكتب والأبحاث والتحقيقات الحيويّة، وآخرها حين فاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب لعام 2025 في فرع تحقيق المخطوطات عن تحقيقه لكتاب «أخبار النساء». ولاننسى فوزه أيضاً بجائزة الملك عبد العزيز للكتاب في دورتها الثالثة عن كتابه «أثر السود في الحضارة الإسلامية»عام 2017.
والحق أن التفوّق في مشروع رشيد الخيون مرده إلى ميزتين؛ الأولى: تنوّع المجالات التي طرقها في كتبه، في البداية كان الاهتمام الفلسفي بحكم تخصصه الأكاديمي، ولكنه لاحقاً اتجه نحو الطرح النقدي لمجالاتٍ إنسانية، ويتّجه دائماً نحو التراث عموماً، وينطلق من التاريخ خصوصاً مع الأخذ بالاعتبار المجال الفلسفي، وبخاصةٍ في دراساته حول الأديان والمذاهب الإسلامية، الأمر الذي جعل مشروعه يتخذ طابعه الخاص. الثاني: الأسلوب العلمي المتاح، فهو لايتقعّر كثيراً في العبارة، ولا يطيل كثيراً في المفهوم، وهذا مردّه إلى تأثّره بالجاحظ بكتبه التي تشبه الحديقة إذ ينقلك من فنٍ إلى آخر، وبطريقةٍ لم يسبقه إليها أحد.
أما عن علاقته بالفلسفة، فيقول الخيون:«كان تخصصي الفلسفة الإسلامية، والدقيق منه المعتزلة كفرقة كلامية فتحت الطريق إلى فلسفة إسلامية، ولا يمكن دراسة الفلسفة الإسلامية، والبحث فيها من دون دراسة التاريخ، فقبل الشروع في دراسة تاريخ الفلسفة، لا بد من الشروع في قراءة التاريخ العام، ومن هذه القراءة تعلقتُ مهتماً في التاريخ السياسي والاجتماعي الإسلامي القديم والوسيط، أما في تاريخ الفكر فعلم الكلام والفلسفة يشكل التاريخ الفكري تماما». عدا عن مجال البحث في العلوم الإنسانية عند الخيون، فهو ناقد قديم وصارم لجماعات العنف والإسلام السياسي كله، وقد عملنا معاً في هذا المجال طوال عشرين سنةٍ في مركز المسبار للدراسات والبحوث، ووجدتُ فيه الدقّة والصرامة، وضرب الحجج المطروحة من قبل المتطرفين بنقودٍ تنسفها، وهذا الهم يؤرّقه بحكم تجربة بلده العراق مع الأصوليين طوال عقود.
يقول الخيّون:«ما أكدته التجارب، في إيران والسودان والعراق واليمن، وتاريخ الإخوان المسلمين نفسه خصوصاً، والإسلام السياسي عموماً، يوضح أن هذه الجماعات لا تريد دولة وطنية، بل تعتبرها دولة مارقة على الخلافة ودعوتها هدم الدولة الوطنية، لأن الحدود عندهم دينية ومذهبية، لا حدود جغرافية، إنما جغرافية الدين والمذهب، عابرة للأوطان، من هذا المنطلق لا يمكن الإسلام السياسي أن يبني دولة وطنية، والتجارب كثيرة».
الخلاصة؛ إن تجربة الخيّون تعبّر عن أجيالٍ عانت وصارعت وخُدِعت، لذلك لم يتّجه نحو الأيديولوجيا والشعارات على غرار بعض المثقّفين، بل اختار الورقة والقلم والكتاب لمواجهة طوفان الجهل والعنف ومحاولة اختطاف المجتمعات، لذلك فإن مشروعه قريبٌ من الناس، لأن الناس ملّت من الطائفية والتناحر والكراهية، كما كرهت جموع الأصوليين ومشاريعهم التدميرية، ومن المبهج أن يقبل الجيل الشاب على كتبٍ علميّة جادة مثل كتب الدكتور رشيد. *كاتب سعودي