إصلاح نظام اللجوء.. إصلاح للحدود

٢٦ يوم فى الإتحاد

لا توجد حلول سهلة عندما يتعلق الأمر بالهجرة، لكن الرئيس جو بايدن تأخر كثيراً في الاعتراف بالأزمة على الحدود الجنوبية. والخطوة الأولى للاستجابة للأزمة هي الاعتراف بوجودها. فقد كان الارتفاع في حالات العبور غير القانوني على حدودنا الجنوبية خلال السنوات الثلاث الأولى من رئاسة بايدن أزمة حقيقية. وفشل الإدارة في الاعتراف بهذه الحقيقة واتخاذ إجراءات مناسبة في الوقت المناسب كلّف «الديمقراطيين» ثقةً كبيرة من الناخبين الأميركيين، وساهم في عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. كنتُ شاهداً مباشراً على ذلك من موقعي كمساعد لوزير الأمن الداخلي لشؤون الهجرة والحدود. وتعلمت أن أزمة الحدود هي، إلى حد كبير، أزمة لجوء: فقوانين الهجرة المعطلة لدينا باتت تشجع المهاجرين الاقتصاديين على ادعاء الخوف من الاضطهاد، مع إجراءات إدارية مطولة تسمح لهم بالبقاء والعمل داخل الولايات المتحدة.
غالباً ما يُطلق اليسار السياسي على هؤلاء المهاجرين لقب «طالبي لجوء»، لأن القانون يسمح لهم بتقديم هذه الطلبات. أما اليمين السياسي فيصفهم غالباً بـ«المجرمين»، لأن عبور الحدود من دون وثائق يعد جريمة.والحقيقة أن كلا الرأيين يحملان شيئاً من الصحة، ما يعكس حالة الخلل في قوانين الهجرة. ولا يمكن لأي جهة سوى الكونجرس إصلاح هذه القوانين.
وحتى يتحرك المشرّعون في كلا الحزبين، ستظل التحديات قائمة على حدودنا. بدأت معدلات الدخول غير القانوني على الحدود الجنوبية في الارتفاع في صيف وخريف عام 2020، أي عندما كان ترامب لا يزال في منصبه. وتحولت إلى موجة عارمة في عام 2021، حيث تحول بايدن بشدة نحو اليسار في بداية ولايته، بما في ذلك الإعلان عن وقف معظم عمليات الترحيل لمدة 100 يوم.
ومن العوامل التي ساهمت في هذه الزيادة: التدهور الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة كوفيد-19، وقرارات قضائية سلبية أخرت إنهاء قاعدة صحية تعود لحقبة الجائحة، ونقص الموارد الكافية لتأمين الحدود، وعدم القدرة على ترحيل الأشخاص إلى دول مثل فنزويلا. كما أن التأخير في اتخاذ قرارات سياسية مهمة لم يساعد. لقد دفعتُ بعدة إصلاحات، نُفِّذ بعضها لاحقاً عبر أوامر تنفيذية أو ضمن مشاريع قوانين، لكن لم يكن هناك حلول سهلة.
وبحلول أواخر عام 2023 و2024، عندما بدأ بايدن و«الديمقراطيون» في الكونجرس العمل بجدية مع «الجمهوريين» لإصلاح قوانين الهجرة، كانت السياسة قد أصبحت مرتبطة بشدة بالانتخابات الرئاسية، ولهذا فشل مشروع القانون ثنائي الحزب في نهاية المطاف.وفي يونيو 2024، أصدر بايدن أمراً تنفيذياً يفرض قيوداً منطقية على تقديم طلبات اللجوء عبر الحدود الجنوبية.
وإلى جانب إجراء تنفيذي سابق وسّع بشكل كبير من طرق الهجرة القانونية والآمنة، انخفضت حالات الدخول غير القانوني في صيف ذلك العام إلى أدنى مستوياتها منذ خريف 2020. وقد مكنت هذه الإجراءات وزارة الأمن الداخلي من ترحيل أكثر من 685000 شخص في عام 2024، وهو أعلى رقم منذ عام 2010. بل إن عدد عمليات الاعتراض على الحدود، عندما غادر بايدن منصبه في عام 2025، كان أقل مما كان عليه عندما غادر ترامب في عام 2021.
ومع ذلك، كان الأوان قد فات لتغيير الخطاب السياسي. إن أزمات الحدود الجنوبية ليست حكراً على الديمقراطيين. فقد شهدنا موجات متكررة من الهجرة في عهد رؤساء من كلا الحزبين لعقود. والآن، الحدود هادئة نسبياً، لكننا استبدلنا «أزمة حدود» بأزمة سياسية في الحكم. تشمل هذه الأزمة محاولات إدارة ترامب السابقة استخدام «قانون الأعداء الأجانب» لحرمان المهاجرين من الإجراءات القانونية وإرسال مَن تزعم (دون دليل أحياناً) أنهم أعضاء في عصابات إجرامية إلى سجون أجنبية، واستخدام استثناءات نادرة مخصصة للسياسة الخارجية لإلغاء تأشيرات من ينتقدون الإدارة، ومحاولة إلغاء حق المواطنة المكتسبة بالولادة. كما شملت نشر مشاة البحرية والحرس الوطني للرد على احتجاجات سلمية في لوس أنجلوس دون موافقة حكومات الولايات أو السلطات المحلية.
لقد تحقق الهدوء النسبي على الحدود بثمن باهظ تمثل في تآكل النظام الدستوري الأميركي. والسبب الرئيسي فيما وصلنا إليه هو أن الكونجرس سمح للسياسيين بتحويل ملف الهجرة إلى قضية مسمومة. لم يتم تحديث قوانين الهجرة بشكل كبير منذ عقود، في زمن كانت فيه الغالبية العظمى من المهاجرين عبر الحدود الجنوبية من العمال الموسميين من المكسيك، ولم يكن طلب اللجوء شائعاً. ويبدو أن هذا التوتر بين الحاجة إلى العمالة ورغبة ترامب في تكثيف عمليات الترحيل دفع دائرة الهجرة والجمارك لإصدار توجيهات داخلية تطالب بتجنب استهداف الفنادق والمزارع والمطاعم، ثم تم التراجع عن تلك التوجيهات لاحقاً.
وبسبب قلة عدد تأشيرات العمل، لجأ كثير من المهاجرين الاقتصاديين إلى طلب اللجوء. وغالباً ما تستغرق قضايا اللجوء سنوات، ويحق للمهاجرين العمل بعد ستة أشهر من تقديم طلباتهم. وحتى عندما تُرفض طلباتهم، يصعب ترحيلهم. ويتطلب ذلك إخراجهم من مجتمعاتهم، ما يولّد ردود فعل غاضبة من الجمهور، كما نشهد اليوم في أنحاء البلاد. لذا، تركز جهود الترحيل عادة على المهاجرين غير الموثقين الذين يرتكبون جرائم، لأنه من الأسهل احتجازهم بدلاً من السجن مباشرة، وهو ما تحاول الإدارة الحالية فعله مجدداً وهي تكافح لتلبية حصص الترحيل التعسفية.
لكن الحل الحقيقي لا يكمن في المزيد من الأوامر التنفيذية، بل في أن يؤدي الكونجرس دورَه. كان مشروع القانون الذي قدمه السيناتور الجمهوري «جيمس لانكفورد» والديمقراطي «كريس مورفي» والمستقلة «كيرستن سينيما» خطوة جيدة. كان سيُسرّع إجراءات اللجوء، ويوفر صلاحيات طارئة لإغلاق الحدود عند الضرورة، ويضيف آلاف الموظفين، من بينهم قضاة إداريون، لكن ترامب ضغط على الجمهوريين لإفشاله لأنه كان سيُحسب انتصاراً انتخابياً للديمقراطيين.
ما نواجهه الآن هو أزمة سياسية. بعض المدافعين عن المهاجرين يعتقدون أن على الولايات المتحدة التزاماً غير محدود تجاه الفارين من أوضاع خطيرة، ويرون أن أي إجراء صارم، مثل الترحيل السريع، غير إنساني. في الطرف الآخر، يرى البعض أن المهاجرين يحلون محل الأميركيين، ويدعون إلى اتخاذ إجراءات قاسية لمنع ما يصفونه بـ«الغزو». لا يمكننا حل هذه الأزمة من دون إصلاح ثنائي حزبي. يجب أن يُنشئ الكونجرس نظام هجرة يكون أكثر سخاءً مع مَن ينتظرون ويتبعون المسارات القانونية الموسعة للعمل، وأقل سخاءً مع مَن يعبرون الحدود بطريقة غير قانونية.
 
بلاس نونيز-نيتو*
*مساعد سابق لوزير الأمن الداخلي لشؤون الحدود والهجرة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على