ترامب وأولويات الأمن القومي الأمريكي

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

أصدر البيت الأبيض رؤية الأمن القومي الأمريكي الخاصة بالإدارة الجمهورية برئاسة دونالد ترامب. فريق خبراء الأمن القومي الذين أنتجوا الوثيقة هما مستشار ترامب للأمن القومي الجنرال هيربرت ماكماستر ونائبته دينا باول، المصرية الأمريكية المستقيلة من إدارة ترامب مؤخرًا.

العديد من الصحف الأمريكية تناولت كيفية صعوبة صياغة أجندة ترامب للأمن القومي، لانعدام رؤيته وعدم إنتاج حملته الانتخابية أي وثائق خاصة برؤية ترامب للسياسة الخارجية الأمريكية بعيدا عن الخطب الرنانة المرتبطة بالدولة الإسلامية والصين. أيضا، فريق ترامب تعرض للعديد من التغيرات بخروج ودخول العديد من الأسماء المختلفة أيديولوجيا، أهمها رحيل ستيف بانون، كبير مستشاري ترامب للشؤون الاستراتيجية وأحد أهم الأصوات الانعزالية وممثل واضح لتيار اليمين القومي المتطرف (الت رايت)، مما أدى لتراجع ترامب عن العديد من الآراء "المارقة" في السياسة الخارجية والتزامه بالخط التقليدي للإدارات الأمريكية السابقة.

أولويات ترامب وهو مرشح للانتخابات الرئاسية كانت متمحورة حول عبارة "أمريكا أولا"، وهي رؤية الانعزاليين الأمريكيين في ثلاثينيات القرن العشرين، وتتمثل في ابتعاد الولايات المتحدة عن الصراع الدائر في أوروبا وآسيا، وأن تنجو بنفسها حتى انتهاء الصراع. رؤية ترامب الانتخابية في ٢٠١٦ مثلت أيضا لقطاع متصاعد من اليمين القومي الأمريكي الذي يرغب في رؤية أمريكا منعزلة عن العالم وتلعب دورا أقل في إدارة الشأن الدولي، على عكس باقي الإدارات الأمريكية -الديمقراطية أو الجمهورية- السابقة.

قراءة مباشرة لاستراتيجية ترامب المواجهة للصين، تمثل امتدادا واضحا لرؤية أوباما في ٢٠١٢ بتحويل اهتمام أمريكا الاستراتيجي من الشرق الأوسط إلى آسيا، وتحديدا منطقة جنوب شرق آسيا، حيث التخوف الأمريكي من الصين باعتبارها خطرا استراتيجيا يستوجب التعامل المباشر معها بشكل عسكري واقتصادي. الجانب الأهم من خطوات ترامب في آسيا هو أمنى وعسكري واقتصادي مع الهند وأستراليا، لمواجهة الخطر الصيني وتحديدا مشروع طريق الحرير، الذي يعتبر أداة سيطرة صينية على القارة الآسيوية. التحالف الأمريكي مع القوى الثلاثة، قد يتسع لانضمام بريطانيا وفرنسا -طبقا لتصريحات يابانية- ويمتد لوجود عسكري مباشر في بحر الصين الجنوبي. 

إدارة ترامب قامت بالفعل بزيادة عدد القوات الأمريكية العاملة في أفغانستان في سبتمبر ٢٠١٧ للتعامل العسكري مع طالبان، والاعتماد على أفغانستان كمركز نفوذ أمريكي في آسيا الوسطى على مقربة من الخطر النووي الإيراني.

ترامب أيضا يعتبر روسيا خطرًا على النفوذ الأمريكي، لكن روسيا ليست مساوية للخطر الصيني. علاقة ترامب بروسيا علاقة معقدة، ترامب متقارب مع رؤية روسيا في سوريا المتمحورة حول محاربة داعش والجماعات الإسلامية المسلحة، دون الاكتراث برحيل بشار الأسد عن مقعد الرئاسة، وبالفعل قد صرح وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون بأن بقاء الأسد رئيسا لسوريا أصبح "واقعا سياسيا"، وهو ما يتناقض مع رؤية أوباما المطالبة برحيل الأسد.

ترامب يرى في روسيا حليفا دوليا في محاربة الإرهاب، وقد قامت وكالة الاستخبارات الأمريكية بتزويد روسيا بمعلومات حول خلايا إسلامية في مدينة سان بطرسبرج، وأعقب ذلك حدوث اتصال من بوتين لترامب، ليشكر الولايات المتحدة على مساعدتها.

تقارب ترامب مع روسيا في ملف مكافحة الإرهاب لم يكن شفيعًا لروسيا باعتبارها خطرًا على الأمن القومي الأمريكي، وضغط الكونجرس والرأي العام الأمريكي للرد على التدخل الروسي في السياسة الداخلية، من خلال البروباجندا واختراقها لحسابات الحزب الديمقراطي، وتدخلها -المثبت- في مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح ترامب ضد كلينتون.

اهتمام أمريكا المتزايد بآسيا، يأتي مع استمرار انسحابها التدريجي من الشرق الأوسط. أمريكا تنقل مهامها الأمنية لتحالفات سنية معتدلة تمثلها مصر والمملكة السعودية -بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان- للتعامل مع ملفات مكافحة الإرهاب، وهذا ما أفصحت عنه زيارة ترامب للرياض ولقائه زعماء الدول الإسلامية في القمة الأمريكية الإسلامية، والتقاطه الصورة الأهم مع سلمان والسيسي في افتتاح مركز "اعتدال" السعودي لمكافحة التطرف.

أحد أهم الملفات المنوط بها التحالف الأمريكي مع الدول السنية الكبرى، هو إيجاد حل للقضية الفلسطينية "صفقة القرن"، يتيح الفرصة أمام اصطفاف سني-إسرائيلي لمواجهة الخطر الإيراني المتزايد في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

تعثر صفقة القرن بسبب الإعلان الأمريكي المتسرع بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، بدون قبول السلطة الفلسطينية للتسوية، ورفض الأردن القرار وانتقاصه من سيادته على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية، وتوجه عبد الله الثاني ملك الأردن إلى إسطنبول لحضور القمة الإسلامية الطارئة إلى جانب الرئيس التركي رجب أردوغان -على عكس الهوى السعودي- لإدانة القرار الأمريكي. تصدع البيت السني بسبب القرار الأمريكي بنقل السفارة للقدس، يعني تعثر ترتيبات أمريكا للعالم السني لمواجهة إيران.

أمريكا حددت وجهتها القادمة، وهي مجابهة عسكرية واقتصادية مباشرة للصين في آسيا، وعلاقة رمادية مع روسيا بين التعاون المشترك في ملف الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط، ورغبة أمريكية لمعاقبة روسيا على تدخلاتها في الانتخابات الرئاسية. أمريكا -ما زالت- تصر على رغبتها في الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، وإعادة ترتيب العالم السني لمواجهة الخطر الإيراني المتزايد.

شارك الخبر على