الأعداد والجنسية والأمر الواقع (النائب د.فريد الخازن)

أكثر من ٦ سنوات فى تيار

عادت مسألة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الى الأضواء مع صدور التقرير حول أعداد اللاجئين وأوضاعهم في المخيمات وخارجها واعطائه طابعاً رسمياً. وسرعان ما برزت التساؤلات عن مضمونه وتوقيت صدوره. الموضوع من المسائل البالغة الحساسية في لبنان، وان لم يعد خلافياً بعدما أصبح الموقف الرسمي من رفض التوطين في مقدمة الدستور. للتوطين شقان: الاقامة والجنسية، والأعداد مرتبطة بالاثنين معاً. لن يتم التوطين بقرار من جهة معينة بل بحكم الامر الواقع عندما يستحيل ايجاد الحل للقضية الفلسطينية ولو بالحد الادنى، أي حل الدولتين. والنموذج الاكثر دلالة في ما يخص الامر الواقع تمثل أخيراً بقرار الرئيس الاميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل باسم الواقع والوقائع التي أوجدتها اسرائيل نفسها، تهويداً واحتلالاً. 
 
عندما نشأت الحركة الصهونية في تسعينات القرن التاسع عشر، وضعت أمامها خطة عمل استناداً الى رؤية مؤسسها ثيودور هرتزل في كتابه الشهير، "دولة اليهود". وعد بلفور في 1917 كان الاختراق الفعلي الاول، إلّا ان الدولة نشأت في 1948 بعد تحولات كبرى في المنطقة والعالم.
 
مشروع تقسيم فلسطين في 1947 أيدّه الجناح البراغماتي في الحركة الصهيونية بقيادة بن غوريون وعارضه المتشددون بقيادة جابوتنسكي. تم اعلان الدولة بدعم دولي، ولم تنل اسرائيل ما تسعى اليه فعلاً إلّا بعد حرب 1967، عندما احتلت القدس الشرقية وسيناء والجولان. وجاء اعلان مشروع آلون (Allon Plan) في تموز 1967 بهدف "خلق الوقائع" في القدس والضفة وغزة، فيستحيل عندها اعادة عقربي الساعة الى الوراء.
 
انسحبت اسرائيل من سيناء بعد اتفاق كمب ديفيد وتمسكت بالاراضي المحتلة في 1967. وبعد اتفاق أوسلو في 1993 بدّلت اسرائيل مرتكزات التسوية. فمن مقولة الارض مقابل السلام المستندة الى قرار مجلس الامن 242 الى مقولة أطلقها رئيس وزراء اسرائيل في 1996 بنيامين نتنياهو: السلام مقابل الامن. اتفاق أوسلو أطلق مساراً جديداً مع قيام السلطة الوطنية وعودة القيادات الفلسطينية، وفي مقدمهم ياسر عرفات. إلّا ان اسرائيل استمرت في "خلق الوقائع" بالاستيطان المتواصل، وفي السنوات الاخيرة بنت الجدار الفاصل واستولت على مزيد من الارض وشردت أهلها. سقط أوسلو في نهاية المطاف ولم يسقط المشروع الاسرائيلي لنسف أسس حل الدولتين، خصوصاً انه نال توافقاً دولياً، الى ان جاءت الفرصة وبالضربة القاضية مع قرار ترامب. 
 
المقصود بهذا الكلام ان اسرائيل تراهن على الوقت وعلى الظرف الملائم فيصبح المستحيل متاحاً. هكذا يصبح التوطين أمراً واقعاً مع استحالة حل الدولتين. فمع القضاء على حق العودة، يأتي التوطين بحكم الامر الواقع. الهدف الاستراتيجي الاهم بالنسبة الى اسرائيل هو انهاء حق العودة، وهذا التوجه يلقى دعما (أو تفهماً) دولياً غير معلن، خلافاً للمسائل الأخرى كالقدس والحدود والمستوطنات ومسائل أمنية واقتصادية. ولا بد من الاشارة الى تراجع الدعم الدولي لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين وتشغيلهم (UNRWA) منذ اتفاق أوسلو على فرضية ان النزاع العربي - الاسرائيلي بات على طريق الحل. 
 
وهذا يعني ان أعداد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان ليس بالامر الفاصل لان المسألة الاساس ترتبط بمنح اللاجئين الجنسية سواء عادوا الى فلسطين أو ظلوا حيث هم. في التسعينات وضعت اسرائيل نظرياً شروطاً تعجيزية لعودة عدد محدود من اللاجئين الى فلسطين 1948 لا يتجاوز 100 ألف من اصل نحو خمسة ملايين مسجلين في الأونروا. كما أن أي حل لمسألة اللاجئين يتضمن تعويضات لغير العائدين وللدول المضيفة، بموجب القرار الاممي 194، وهي تقدّر بمليارات الدولارات.
 
المسألة اذاً تتجاوز أعداد اللاجئين المقيمين في لبنان لتصل الى عدد المسجلين في وزارة الداخلية او في الاونروا، وعددهم يقارب 500 الف، أي اللاجئين الذي يجب ان يحصلوا على الجنسية اذا لم يعودوا الى فلسطين. فبمعزل عن الأعداد الواردة في التقرير الاخير ومدى دقتها، فان توظيفه في المواقف السياسية والاستنتاجات الجازمة ليس في محله. وتجدر الاشارة الى التضارب في أعداد اللاجئين التي أوردها التقرير والأعداد التي أعلنت عنها الجهات الرسمية اللبنانية والأونروا، وأيضاً مع أرقام أوردتها منظمة FAFO النروجية منذ بضعة أعوام. كما ان ملف اللاجئين يخص دولا عديدة، أي المجتمع الدولي برمته، ولبنان معني مباشرة بالحل أو باستحالته. وبما ان قرار ترامب أعطى الأمر الواقع حداً فاصلاً، فإن الامر الواقع في ما يخص التوطين جائز وممكن، ويتجاوز بتداعياته أعداد اللاجئين وأماكن اقامتهم. 
 
 

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على