دبلوماسية الإمارات الهادئة.. لتخفيف التصعيد
2 months in الإتحاد
ما فتئت دولة الإمارات العربية المتحدة تؤكد التزامها الثابت بالحلول السلمية، وتجنب التصعيد من خلال الحوار والتفاهم. وفي ظل تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بين إسرائيل وإيران، برزت الإمارات لاعباً إقليمياً فاعلاً ينتهج دبلوماسية هادئة ومتزنة، تهدف إلى التهدئة ومنع الانزلاق نحو صراع مفتوح قد يهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها.لقد أدانت دولة الإمارات، وبأشد العبارات، الاستهدافَ العسكري الإسرائيلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، معبّرةً عن قلقها العميق من تداعيات هذا التصعيد على أمن الخليج واستقراره. وأكدت وزارة الخارجية، في بيان رسمي، ضرورةَ التحلي بأقصى درجات ضبط النفس والحكمة لتفادي اتساع رقعة الصراع. وفي إطار هذا النهج، أجرى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، سلسلة من الاتصالات الهاتفية مع عدد من القادة الدوليين، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. وتم خلال هذه الاتصالات التأكيد على ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية، واعتماد الحوار سبيلاً رئيساً لحل الأزمات. كما بحث سموه مع رئيس جمهورية قبرص نيكوس خريستودوليدس، تداعيات العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، حيث شددا معاً على أهمية تهدئة الأوضاع، وتجنب توسيع دائرة الصراع، مع التأكيد على احترام القانون الدولي وسيادة الدول. وفي السياق ذاته، كثّف سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، من اتصالاته مع عدد من وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا، مؤكداً موقفَ الإمارات الداعي إلى وقف التصعيد، وإلى الدفع نحو مفاوضات سياسية تضمن أمن واستقرار المنطقة، وتحمي شعوبَها من المزيد من المعاناة.وفيما أكد معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، خلال مشاركته في مؤتمر في براغ، أن الإمارات ترفض التصعيد، وتتمسك بالحوار والدبلوماسية كأدوات لحل الأزمات، فقد شدد على ضرورة كسر حلقة الحروب والصراعات التي أثقلت كاهل المنطقة. وقد جسدت هذه التحركات نهجاً استراتيجياً إماراتياً يقوم على بناء الجسور لا الجدران، وعلى الانفتاح لا العداء، ما يعكس فهماً عميقاً لحقائق الجغرافيا السياسية، ومصالح الأمن الجماعي في الخليج والشرق الأوسط. وفي هذا الإطار نلاحظ أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي لم تستغل الأزمةَ لفرض مواقف متشددة، بل سعت بصبر ودبلوماسية إلى تهدئة التوترات وفتح قنوات تواصل فاعلة، سواء بشكل معلن أو عبر قنوات غير معلنة.ويعَد هذا النهج ضرورة دبلوماسية إقليمية في ظل تشابك الأزمات وتعاظم التحديات. ومع تصاعد المخاطر، تبقى الدبلوماسية الإماراتية نموذجاً يُحتذى به، في مواجهة الأزمات، وتغليب صوت الحكمة والعقل، بما يضمن الأمن والاستقرار لمصلحة شعوب المنطقة.ومن الواضح أن إيران تدرك صدقَ نوايا دول مجلس التعاون الخليجي التي تبنت موقفاً قوياً في إدانة الاعتداءات الإسرائيلية، رغم الخلافات السابقة بين الطرفين، حيث أعربت دول الخليج بكل وضوح عن رفضها لهذه الهجمات، ما يؤكد التزامَها بمبادئ القانون الدولي واحترام سيادة الدول وتمسكها بسياسة حسن الجوار. وقد كانت هذه الدول تأمل في أن تتجاوب إيران مع هذا التوجه البنّاء، وفي أن تتبنى سياساتٍ تقرّبها من دول الخليج، بما يعزز روحَ الانسجام والتعاون، ويُسهم في خفض التوترات، وهو ما يصب في مصلحة شعوب المنطقة كافة. وأثبتت الأحداث أن هذا المسار هو الطريق الأجدر والأكثر حكمة في زمن تتزايد فيه التحديات الإقليمية والدولية.
*سفير سابق