أوروبا ليست أفضل حالاً من أميركا

4 months in الإتحاد

   سواء كان النقاش ناتجاً عن كتاب مثير للجدل أو فيلم مثل فيلم «الحرب الأهلية»، الذي صدر العام الماضي، فإنني دائماً ما أعارض الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة تتجه نحو حرب أهلية حقيقية. في تلك النقاشات، غالباً ما يكون الليبراليون هم من يحذرون من أن الشعبوية أو الترامبية تقود الولايات المتحدة نحو الهاوية.
لكن الوضع يختلف عندما نتحدث عن السياسة الأوروبية: ففي فرنسا وبريطانيا، وبين المراقبين الأميركيين للقارة الأوروبية، يميل الانشغال بـ «الحرب الأهلية» الوشيكة إلى أن يكون أكثر شيوعاً بين «المحافظين». لسنوات، حذّرن شخصيات مرتبطة باليمين الفرنسي والجيش الفرنسي من صراع أهلي وشيك، سببه فشل البلاد في استيعاب المهاجرين من العالم الإسلامي.. ومؤخراً، دار نقاش مشابه في بريطانيا، انطلق من مقال للمؤرخ العسكري «ديفيد بيتز»، الذي جادل بأن بريطانيا متعددة الثقافات مهددة بالانقسام، وتبناه لاحقاً الاستراتيجي السياسي ومهندس حملة بريكست والمستشار السابق لبوريس جونسون «دومينيك كامينجز» في مقال حذر فيه من أن النخبة البريطانية تشعر بشكل متزايد بالخوف من العنف المنظم، سواء من القوميين أو المهاجرين المتطرفين.
عندما كتبت بتشكك عن سيناريوهات ما يوصف مجازاً بـ« حرب أهلية» في الولايات المتحدة، كنت أركز على عدة حقائق: غياب الانقسام الجغرافي الواضح بين الفصائل المتنازعة، وتراجع، لا زيادة، في الاستقطاب العرقي والإثني خلال عهد ترامب، وحقيقة أننا في الولايات المتحدة أغنياء ومسنون ومرتاحون، ولسنا فقراء أو يافعين أو يائسين، مما يمنح حتى الجماعات التي تكره بعضها البعض مصلحة في النظام، ويعطي النخبة أسباباً قوية للحفاظ عليه، وأخيراً، غياب الحماس للعنف الجماعي المنظم مقارنة بالأعمال الفردية. فهل يبدو المشهد الأوروبي مختلفاً؟ ربما في بعض النواحي.
فالتوترات بين السكان الأصليين والوافدين الجدد منتشرة على جانبي الأطلسي، لكن الاختلافات العرقية والدينية ربما تبرز بشكل أكبر في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة: هناك انفصال ثقافي أكثر حدة داخل مجتمعات المهاجرين في ضواحي باريس أو مارسيليا مقارنة بلوس أنجلوس أو شيكاغو، وسخط متزايد يمكن أن يتحول بسهولة إلى أعمال شغب. في الوقت نفسه، نجحت النخب البريطانية والفرنسية أكثر من نظيراتها الأميركية في إبقاء القوى الشعبوية خارج السلطة، لكن أدواتهم - ليست فقط في استبعاد الشعبويين من الحكم، بل أيضاً في القمع المتزايد لحرية التعبير - أضعفت شرعيتهم بشكل ملحوظ لدى المواطنين الساخطين.
وهذا يعني أن المهاجرين غير المندمجين، والبيض من الطبقة العاملة، لا يشعرون بأنهم جزء من النظام، مما يجعل أشكالاً متعددة من العنف السياسي أكثر احتمالاً: سواء تمرد المهاجرين أو السكان الأصليين ضد الحكومة، أو تحريض المهاجرين ضد السكان الأصليين مع محاولة الحكومة قمع الصراع، أو أخيراً، تحريض مجموعات المهاجرين المختلفة ضد بعضها البعض. (شهدت مدن إنجليزية بالفعل موجات عنف بين المسلمين والهندوس). يُضاف إلى ذلك، أن اقتصادات أوروبا الغربية نمت بوتيرة أبطأ من الاقتصاد الأميركي خلال العقد الماضي، مما قلل من مصلحة الناس العاديين في النظام الحالي وشجع على التهميش والمقاومة.
وأخيراً، هناك تركيزات جغرافية واضحة للسخط - في شمال إنجلترا، أو في مدن يهيمن عليها المهاجرون، والتي حذر بيتز من إمكانية أن تصبح غير قابلة للحكم - وهي أمور لا توجد بنفس الطريقة في الولايات المتحدة. كل هذا يشكل، في رأيي، تصحيحاً مفيداً للنزعة التقدمية التي ترى أن أميركا في عهد ترامب تشكل حالة استثنائية، منقسمة ومُهددة بالانهيار، بينما تواصل السياسة الليبرالية في أوروبا طريقها بشكل مستقر ومحترم.
الأمر ليس كذلك: هناك بالتأكيد أوجه يرى فيها المرء أن مشاكل أوروبا وانقساماتها أعمق من مشاكلنا، مع توجهات اقتصادية وديموغرافية تنذر بمستقبل أكثر قتامة، وقد يُذكر لاحقاً أن محاولة النخبة الأوروبية إبقاء القوى الشعبوية بعيدة عن الحكم كانت السبب في تسريع انهيار أوروبا الليبرالية. ومع ذلك، فإن العديد من الأسباب التي تدفعنا للشك في اقتراب الحرب الأهلية في أميركا تنطبق أيضاً على أوروبا الغربية.
فالقارة أكثر ركوداً من الولايات المتحدة، لكنها لا تزال غنية، ومريحة، وهرمة، هناك حماس للشغب، لكن ليس كثيراً للعنف المنظم، ورغم الاستياء الواضح، من الصعب رؤية أي فصيل من النخبة - سواء من اليمين أو اليسار، قومي أو «يساري» - يرى في الثورة العنيفة وسيلة واضحة لتحقيق طموحاته. في الوقت نفسه، هناك ظروف أوروبية خاصة تجعل الحرب الأهلية أقل احتمالاً مما هي عليه في الولايات المتحدة: الدول الأصغر ذات الأنظمة السياسية المركزية تجد عموماً سهولة أكبر في قمع التمرد، ولا يوجد في أوروبا التعديل الثاني للدستور أو ثقافة السلاح على الطريقة الأميركية التي يمكن أن تتحدى احتكار الدولة الأوروبية للقوة.
 
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Mentioned in this news
Share it on