لماذا ابتعدت أمريكا اللاتينية عن الأحزاب اليسارية؟

ما يقرب من ٧ سنوات فى الشبيبة

أندريس فيلاسكوفي انتخابات الشيلي في نوفمبر، كان التصويت المناهض للمؤسسة مهما للغاية. وحاز حزب يساري شعبي جديد، على غرار حزب بوديموس الإسباني، على خُمس الأصوات. وفقدت العديد من الشخصيات المعروفة، بما فيها رئيس مجلس الشيوخ، مقاعدها في الكونغرس. وسارع الخبراء إلى وصف التحول بالتحول الكبير إلى اليسار.بعد الجولة الثانية من الانتخابات التي جرت في 17 ديسمبر، أرسل الشيليون سيباستيان بينيرا، الرئيس الملياردير السابق والطفل المدلل للمؤسسة المحافظة المحلية، إلى لا مونيدا (القصر الرئاسي). كيف تم ذلك؟ وما الذي تكشفه هذه المفارقة عن حالة السياسة في الشيلي والمنطقة؟في كثير من الصحف الدولية، يقول السرد المعياري شيئا من هذا القبيل: لأن أمريكا اللاتينية لديها توزيع الدخل الأكثر تفاوتا في العالم، فإنها تميل إلى انتخاب الإصلاحيين اليساريين. فعندما يوفي المصلحون بوعودهم ويقدمون منافع اجتماعية سخية، يفوزون بحب الناخبين، فيسارع هؤلاء إلى صناديق الاقتراع لإبقاء نفس الشخص أو الحزب في منصبه.لو استطاع العالم تحقيق النجاح بهذه الطريقة البسيطة، لكانت ميشيل باشيليت، رئيسة تشيلي الاشتراكية - التي رفعت الضرائب على الأغنياء وزادت التحويلات إلى الفقراء، وجعلت التعليم الجامعي مجانيا، وأرسلت مشروع قانون إلى الكونغرس، بهدف توفير معاشات تقاعدية أكثر سخاء - قد تمكنت من انتقاء خلفها. لكنها لم تستطع.اليوم، وافق اثنان فقط من كل خمسة شيليين على الطريقة التي نفذت من خلالها تلك الإصلاحات. وقد انقسم ائتلافها اليساري، وفقدت الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية الاجتماعية التقليدية المقاعد في الكونغرس، وتحول أسوأ كابوس في حياتها إلى حقيقة: ومرة أخرى (وقد حدث ذلك بالفعل في العام 2010) سوف تضطر إلى تسليم منصب الرئاسة لعدوها المحافظ، بينيرا. ليس الشيلي حالة فريدة من نوعها في هذا الصدد. فقد فضل الناخبون في الأرجنتين وبيرو مؤخرا رجال الأعمال الناجحين (موريسيو ماكري وبيدرو بابلو كوكزينسكي، على التوالي) عن بدائل الشعبويين، سواء من اليسار أو اليمين. وفي البرازيل، تم عزل ديلما روسيف وإقالتها من منصبها، لم تُهزم في صناديق الاقتراع، ولكن الانهيار الشعبي لحزب العمال (PT) والإدارة الموالية للأعمال التي تلت ذلك تتلاءم بشكل كبير مع الاتجاه الإقليمي.إذا لماذا يبتعد الناخبون بأمريكا اللاتينية عن اليسار الشعبوي أو شبه الشعبوي؟ إن السبب المنطقي ھو الفساد. في الأرجنتين والبرازيل، لا يمكن للمرء فهم التغيرات السياسية الأخيرة دون الإشارة إلى سلوك البيرونيين وأعضاء حزب العمال. إن أفضل هدية حصلت عليها إدارة ماكري على الإطلاق كانت عبارة عن مشهد لوزير بيروني سابق يحاول إخفاء ملايين الدولارات واليورو في دير محلي.لكن هذا التفسير البسيط لا يتناسب مع الشيلي. صحيح، كان ابن باشليت وزوجته متورطان في صفقات عقارية مشبوهة. لكن بينيرا ليس قديسا. ففي العام 2007، على سبيل المثال، فرضت عليه هيئة تنظيم الأوراق المالية في شيلي غرامة بسبب خلافات داخلية. وفي العديد من البلدان، كانت هذه الواقعة لتكون نهاية حياته السياسية - وكانت لديه العديد من الخلافات مع القانون.فلماذا صوت الشيليون لصالحه؟أحد الأسباب هو أن حزب باتشيليت اليساري شخص الشيلي بشكل خاطئ. عندما تظاهر الطلاب في الشارع في العام 2011، وتبعتهم مجموعات أخرى، فسر المثقفون اليساريون هذا على أنه رفض كلي لما يودون أن يطلقوا عليه اٍسم «النموذج»: اقتصاد قائم على السوق مفتوح للعالم، مع دور كبير للقطاع الخاص في توفير الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والمعاشات التقاعدية.وقد عملت إدارة باشيليت على تقليص المدارس الخاصة، ووقف التعليم الربحي، ورفض بناء مستشفيات جديدة عن طريق الشراكات بين القطاعين العام والخاص، كما لم تسمح للشركات الخاصة بإدارة مدخرات التقاعد الإضافية.كانت بعض هذه الأمور متداولة، وقد كان لكثير منها نتائج عكسية. أما الأسر من الطبقة المتوسطة التي تكافح من أجل إرسال أطفالها إلى المدارس الخاصة (حوالي 60٪ من جميع التلاميذ الذين يحضرون هذه المؤسسات) فلم تُرحب بما اعتبرتها تدخلا حكوميا غير مبرر. وقد أعرب المرضى الذين يواجهون قوائم الانتظار الطويلة لتلقي العلاج عن حسرتهم لعدم بناء المستشفيات. ومن المؤكد أن المواطنين يشعرون بالقلق إزاء السلوك التَآمُرِيّ، والتلاعب في الأسعار، والتجاوزات التي ترتكبها الشركات الخاصة. لكنهم قاموا بمظاهرات لإصلاح النظام، وليس لتدميره واستبداله بشيء آخر. لقد أرادوا الإصلاح والتقدم، وليس الثورة.إضافة إلى مشاكل باتشيليت، صار اقتصاد بطيئا للغاية، على الأقل جزئيا بسبب سوء تصميم الضرائب وإصلاحات سوق العمل (لعب انخفاض أسعار السلع الأساسية في الفترة 2014 - 2016 دورا أيضا). وفي أوساط الطبقة المتوسطة في أمريكا اللاتينية، يُعد العمل الجيد بأجور جيدة أمرا مهما. ولا يبدو أن الحزب الیساري في المنطقة، مثل حزب العمل في المملكة المتحدة في الثمانینیات من القرن الماضي، جاهزا لإنتاجا.ركز بينيرا على الوعد بنمو اقتصادي أسرع. وقد تم وقف العديد من الصفقات التجارية حتى الانتخابات، وبالتالي فإن الاستثمار سوف يرتفع في العام 2018. ولكن نمو إنتاجية الشيلي كان بالكاد يُذكر منذ ما يقرب من عقدين، وكذلك تنويع الصادرات. ما خطط بينيرا للقيام به بهذا الشأن ليس واضحا على الإطلاق.وفي بلد أكثر تعليما بكثير مما كان عليه في الجيل السابق، كان الناخبون يتوقعون الحد الأدنى من الكفاءة من قادتهم. بينيرا متحدث متواضع (كان خطاب نصره متناقضا، لدرجة أن زوجته وأطفاله لم يعيروه أي اهتمام)، لكن شهادته في الاقتصاد من جامعة هارفارد تتجلى في ضبطه للحقائق والأرقام. وعلى النقيض من ذلك، أظهر أليخاندرو غيلييه، منافسه في الجولة الثانية، خبرة ضئيلة في أهم قضايا السياسة الأساسية.كان بينيرا اختيار 36٪ فقط من الناخبين في الجولة الأولى. لكن في الجولة الثانية، اعتبره أغلب الناخبون أهون الشرين لتمكينه من الفوز بفارق تسع نقاط فقط. لن يكون له أغلبية في الكونغرس، ومن المرجح أن يعود الطلاب والنقابات إلى التظاهر في الشوارع بعد فترة وجيزة من تسلمه مهامه في مارس. يأمل بينيرا أن يكون مثل ماكري، الذي حافظ على شعبيته. وقد يشبه ميشال تيمر، الذي حل محل روسيف وكوزينسكي، وكلاهما فقدا كل الدعم الشعبي الذي حصلا عليه بعد بضعة أشهر فقط من توليهما مناصبهما.وسوف نعرف قريبا أي واحد من الاثنين سيكون.وزير المالية ومرشح سابق للرئاسة في شيلي، وأستاذ الممارسة المهنية في مجال التنمية الدولية في جامعة كولومبيا وقام بالتدريس في جامعة هارفارد وجامعة نيويورك.

شارك الخبر على