«حرب على الإرهاب»..أم هجوم على الجامعات؟

٣ أشهر فى الإتحاد

 في يوم الذكرى الذي يحلّ كل عام في 26 مايو، يكرّم الأميركيون الجنود الذين فقدوا حياتهم دفاعاً عن هذا البلد وقيمه. ويشمل ذلك أكثر من 5000 جندي من الجيش والبحرية والقوات الجوية والمارينز الذين قُتلوا في أفغانستان والعراق خلال ما سمّاه الرئيس جورج دبليو بوش بـ«الحرب العالمية على الإرهاب».
كانت مهمتهم القضاء على التهديد الذي يمثله الإرهابيون ضد الولايات المتحدة، من خلال قتال «طالبان» (وبدرجة أقل تبريراً) نظام صدام حسين، في محاولة لمنع وقوع هجمات مشابهة لهجمات 11 سبتمبر 2001. قد يفاجأ أولئك الجنود الراحلون عندما يعلمون أن التهديد الإرهابي الجديد للوطن: هو جامعة هارفارد. ففي الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الأمن الداخلي عن إنهاء اعتماد الذي يسمح لجامعة هارفارد بقبول وتسجيل الطلاب الأجانب. وسرعان ما أصدر قاضٍ فيدرالي أمراً مؤقتاً بوقف القرار، لكن من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب لن تنجح في مسعاها في نهاية المطاف. وبالتأكيد، لا يفترض طلاب الجامعة أن الأمر سينتهي لصالحهم.
ما يلفت النظر في هذا الإجراء هو المبرر الذي قدمته الوزارة. فقد جاء في بيان للوزارة: «لقد خلقت قيادة هارفارد بيئة جامعية غير آمنة، من خلال السماح لمُحرّضين معادين لأميركا ومؤيدين للإرهاب بمضايقة الأفراد والاعتداء عليهم جسدياً، بمن فيهم العديد من الطلاب اليهود، وعرقلة بيئة التعلم التي كانت عريقة في الماضي». وتزعم وزارة الأمن الداخلي أن هارفارد تُحاسب على «تأجيج العنف ومعاداة السامية والسلوك المؤيد للإرهاب».
لا يمكن إنكار وجود مشاعر معادية لليهود في الولايات المتحدة، وهي مشاعر أدت إلى زيادة ملحوظة في جرائم الكراهية التي استهدفتهم بين عامي 2023 و2024. ولا يمكننا إنكار، خصوصاً بعد مقتل زوجين يهوديين في العاصمة الأسبوع الماضي، أن العداء لنهج إسرائيل في غزة يُستخدم كمبرر للعنف. لكن ما تفعله الإدارة هو استغلال الخوف من معاداة السامية والإرهاب القادم من اليسار لتنفيذ أجندتها.
مزاعم الوزارة حول الأخطار المنتشرة تفتقر بشكل واضح إلى الأدلة. فادعاء تعرض طلاب يهود لـ«اعتداء جسدي»، يبدو أنه يدور حول ما وصفته التقارير الإخبارية حينها بأنه «اشتباك بسيط» بين متظاهرين معارضين لسياسات إسرائيل في غزة، حاولوا منع طالب يهودي من تصوير احتجاج. (وقد حُكم على طالبين دراسات عليا متورطين في هذه الحادثة عام 2023 بأداء 80 ساعة من الخدمة المجتمعية هذا العام). أين دعم الإرهاب في هذه الحالة؟
أين كان عندما ألقت السلطات الفيدرالية القبض على طالب جامعة كولومبيا محمود خليل في نيويورك: في مزيج من المعارضة لإسرائيل ودعم فلسطينيي غزة، وبعض التصريحات المعزولة الداعمة لـ«حماس» (في حالة خليل، صادرة عن أشخاص آخرين تماماً). على حد علمي، لم تظهر أي أدلة على أن أي طالب جامعي -سواء من مواليد أميركا أو من المهاجرين- قدم دعماً مادياً لـ«حماس». وبدلاً من ذلك، وُصفت أنشطة خليل بأنها متوافقة مع «حماس»، وهي منظمة إرهابية مصنفة».
إرهاب بالوكالة، كما في حالة هارفارد. يبدو كل هذا، بمعزل عن غيره، مثيراً للريبة، لكن لا يجب علينا التعامل معه بمعزل عن غيره، والتعامل مع الاتهامات على أنها صادرة بحسن نية. فهي جزء من نمط أوسع لإدارة ترامب في إطلاق مزاعم مبالغ فيها ضد من يستهدفهم.
تستخدم الإدارة كلمات مثل «الإرهاب»، «معاداة السامية»، «غزو» و«خيانة» لتضخيم الادعاءات بأن معارضيها - سواء كانوا حقيقيين أو أيديولوجيين - يشكلون خطراً على الأمة وليس فقط على أجندة الرئيس. أحياناً يكون لهذه اللغة أهداف قانونية، كما في إصرار الإدارة على وجود «غزو» للمهاجرين يمنح الحكومة الفيدرالية صلاحيات كانت مخصّصة للحروب. عادةً ما يكون هذا مجرد كلام.
فعلى سبيل المثال، وصفت الإدارة خليل بأنه «معادٍ للسامية» رغم ظهوره على شبكة «سي إن إن»، أثناء احتجاجات كولومبيا وتصريحه: «إخواننا وأخواتنا اليهود جزء لا يتجزأ من هذه الحركة». وقابل البيت الأبيض اعتقال خليل بالتهكم، في الوقت نفسه الذي رحّب فيه بلاجئ مزعوم من جنوب أفريقيا كتب على وسائل التواصل الاجتماعي أن «اليهود غير جديرين بالثقة وهم مجموعة خطيرة»، و«ليسوا شعب الله المختار».
وقد صرحت وزارة الأمن الداخلي بأنها تراجع حسابات المهاجرين على وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن معاداة السامية، لكن يبدو أنها تقوم بذلك بشكل انتقائي. ولم يكن مرسوم وزارة الأمن الداخلي أول إجراء عقابي ضد جامعة هارفارد. ففي وقت سابق من هذا الشهر، وجهت وزيرة التعليم، ليندا ماكماهون انتقاداً شديداً لهارفارد بسبب «فشلها في الالتزام بالتزاماتها القانونية، وواجباتها الأخلاقية والائتمانية، ومتطلبات الشفافية، وأي مظهر من مظاهر الصرامة الأكاديمية».
وأخبرت الوزارة الجامعة بأنها لن تكون مؤهلة بعد الآن للحصول على المنح الفيدرالية. ومع ذلك، لم تتهمها حينها بأنها تعزز «بيئة مؤيدة للإرهاب». الأسباب التي تقدمها الإدارة متفرقة، لأن - كما هو الحال غالباً مع هذا الرئيس - النتيجة المرجوة تأتي قبل توفر الأدلة. لطالما كان اليمين معادياً للجامعات الأميركية، معتبراً إياها (دون دليل) كمحركات للفكر الليبرالي. في مقابلة معها بشأن سياسة وزارتها مع جامعة هارفارد، قالت وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نويم: «يجب أن يكون هذا تحذيراً لكل جامعة أخرى لتصحيح أوضاعها».
وأضافت: «لن نتسامح مع معاداة السامية، وأي مشاركة مع دولة أو كيان أو جماعة إرهابية تكره أميركا وتنشر هذا النوع من العنف»
*كاتب أميركي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيت»

شارك الخبر على