ترامب والعام الجديد

أكثر من ٦ سنوات فى الشبيبة

إليزابيث دروعندما شد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرحال فجأة إلى قصره وناديه الخاص في بالم بيتش بولاية فلوريدا، لقضاء عطلة الأعياد، تَرَك واشنطن العاصمة على الحافة. ومن الواضح أن ترامب وحلفاءه الأقوياء في الكونجرس ــ لديه أكثر من حليف على ما أعتقد ــ عازمون على نسف ما يفترض أنه تحقيق قانوني مستقل حول ما إذا كان ترامب وأعضاء حملته الانتخابية تواطأوا مع روسيا في جهودها الرامية إلى هزيمة هيلاري كلينتون في العام 2016.الواقع أن سلوك معسكر ترامب في التعامل مع المستشار الخاص روبرت ميولر ومكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يساعد ميولر في إدارة التحقيق، يجعل سلوك ريتشارد نيكسون ومعاونيه في التعامل مع المحققين في قضية ووترجيت يبدو مروضا ومحترما بالمقارنة. ورغم أن نيكسون أقال أول مدع عام مستقل، أرشيبالد كوكس، في «مذبحة ليلة السبت» الشائنة، فقد جرى تنصيب مدع عام آخر وفي نهاية المطاف استقال نيكسون خوفا من مواجهة الاتهام أمام مجلس النواب والإدانة أمام مجلس الشيوخ. (في تلك الحالة، اضطر نيكسون إلى ترك المنصب دون المعاش التقاعدي السخي).ومن العجيب أن ترامب ومستشاريه لم يتعلموا من تاريخ أقرب إلى الزمن الحاضر أيضا. ففي إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، عَرَّض ترامب نفسه لتعيين نائب عام خاص. ولا أحد يستطيع أن يجزم الآن ما إذا كان الأمر قد ينتهي إلى محاولة توجيه الاتهام لترامب. لكن أغلب المراقبين يعتقدون أن عددا من كبار الجمهوريين في مجلس النواب، حيث قد تبدأ عملية توجيه الاتهام والعزل، يتعاطفون مع ترامب، وهو ما يرجع في الأساس إلى خوفهم من القاعدة الانتخابية الموالية له (التي تشمل نحو ثلث البلاد، وتتجمع في العديد من دوائر الكونجرس).وقد يتغير هذا إذا استولى الديمقراطيون على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر. ولكن حتى إذا فاز الديمقراطيون بمجلسي الكونجرس، فلن يتمكنوا في الأرجح من حشد أغلبية الثلثين اللازمة لإدانة ترامب في مجلس الشيوخ.من الواضح أن ترامب يخشى أن يجد ميولر الأساس لتوجيه الاتهام إليه رسميا. ويتلخص احتمال قوي في توجيه الاتهام للرئيس بعرقلة العدالة ــ وهي إساءة تستوجب العزل وجريمة. ويتطلب الاتهام الجنائي بعرقلة العدالة إثبات النية للإدانة، ولكن الجهود المتوالية التي يبذلها ترامب للتأثير على التحقيق أو وقفه تشير إلى أنه يخشى أن يكون عُرضة للخطر. والواقع أن مجرد التساؤل حول إمكانية توجيه الاتهام إلى رئيس أمر مزعج في حد ذاته؛ ولكن إذا رأي ميولر أن الرئيس لا ينبغي توجيه الاتهام له، فإنه قد يسلم اتهاماته إلى مجلس النواب، الذي يقرر آنئذ ما إذا كان عليه أن يمضي قدما في عملية توجيه الاتهام والعزل.ويبدو أن ترامب عازم على تفادي كل من النتيجتين، فمن الواضح أنه يخشى الفشل. ولكن ليس الأمر أن ترامب قد يكون في ورطة قانونية فحسب، فقد أدار ميولر تحقيقا منضبطا ومحكما، بلا تسريبات؛ ولكن من المتوقع على نطاق واسع أن يتم توجيه الاتهام إلى زوج ابنة ترامب، جاريد كوشنر.وربما يفسر هذا لماذا يذهب ترامب إلى ما لم يجرؤ نيكسون على الذهاب إليه قَط، من خلال محاولة تشويه سمعة ميولر ومكتب التحقيقات الفيدرالي. وحتى الآن، كان كل منهما يتمتع باحترام الحزبين. ولكن ترمب شعر بالإحباط إزاء التحذيرات التي تلقاها من أن إقالة ميولر من شأنها أن تطلق العنان لعاصفة سياسية. (لأن نائب المدعي العام رود روزنشتاين لابد أن يتخذ القرار بشأن إقالة ميولر، ولأنه قال إنه لا يرى سببا للقيام بذلك، فسوف يكون لزاما على ترامب أن يقيل روزنشتاين أولاً، وهو ما قد يبدو شبيها إلى حد كبير بمذبحة ليلة السبت، التي كانت بمثابة نقطة التحول في رئاسة نيكسون). وعلى هذا، فمن خلال إثارة التساؤلات حول نزاهة ميولر ومكتب التحقيقات الفيدرالي، يحاول ترمب وحلفاؤه تمهيد الساحة لرفض جماهيري واسع النطاق لتقرير ميولر أياً كانت نتائجه.كان المشهد مفزعا. فقد أدان ترامب مكتب التحقيقات الفيدرالي في مشاركاته على موقع تويتر وفي تصريحات أخرى. وأخضع حلفاؤه من جناح اليمين في مجلس النواب (الأكثر تحزباً حتى من مجلس الشيوخ) مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الجديد كريستوفر راي لاستجواب عدائي في جلسات استماع متعددة. كما استجوبوا بكل عنف نائب المدير أندرو مكابي ــ الذي كان قريبا من كومي ويمكنه تأكيد مزاعمه بشأن محاولة ترامب إقناعه بالإبقاء على التحقيق محدودا وعدم توسيع نطاقه ــ لمدة ثماني وتسع ساعات في كل مرة.كان إرهاب كبار المسؤولين في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي من قِبَل لجان مجلس النواب غير مسبوق منذ حملات مطاردة وقمع المعارضين المناهضة للشيوعية في خمسينيات القرن العشرين. وتسعى هذه الاستراتيجية إلى إقالة المسؤولين المزعجين في مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل أو إرغامهم على الاستقالة. ومن المؤسف أنها صادفت بعض النجاح. فمن المقرر أن يتقاعد مكابي في العام 2018، وقد أظهر استطلاع حديث للرأي انخفاضاً كبيراً في مستوى الدعم الشعبي لتحقيق ميولر على مدار الأشهر الستة المنصرمة.هذا هو ما جعل العاصمة على الحافة. فلا أحد يستطيع أن يجزم بأن ترامب لن يتخذ بعض الإجراءات الدرامية ــ سواء في ما يتصل بالشؤون الدولية أو التحقيق في مسألة روسيا ــ خلال إقامته في بالم بيتش. وفي حين يواصل ترامب الخضوع لكلمات الإطراء من قِبَل فلاديمير بوتن (صَرَّح مسؤول الاستخبارات الأميركية المتقاعد جيمس كلابر مؤخرا بأن عميل الاستخبارات السوفييتية السابق بوتن شديد البراعة في التعامل مع ترامب)، تتدهور العلاقات الأمريكية مع روسيا.ويتخذ كل من الجانبين خطوات تُفضي إلى تعميق التوترات الثنائية. فكانت الغواصات الروسية تتهادى بالقرب من كابلات الاتصالات الغربية الحيوية عند قاع المحيط الأطلسي، الأمر الذي ينطوي ضمناً على خطر إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الأميركي والأوروبي وأسلوب الحياة في الغرب. وفي الرد على ذلك، تخطط منظمة حلف شمال الأطلسي لإنشاء مركز قيادة جديد لمراقبة مثل هذه الأنشطة. كما كانت الطائرات العسكرية الروسية تحلق قريبا من طائرات حلف شمال الأطلسي.علاوة على ذلك، أعلنت إدارة ترامب مؤخرا أنها ستسمح ببيع أسلحة دفاعية فتاكة لأوكرانيا، للتصدي للعدوان الروسي هناك ــ وهو التحرك الذي تزعم روسيا أنه لن يجلب إلا المزيد من العنف. ثم هناك كوريا الشمالية، التي بات من المحتمل للغاية الدخول في حرب معها، وفقا لبعض المسؤولين العسكريين المتقاعدين.من المعروف عن ترامب تقلبه واندفاعه، ولكن حتى الآن نجح كبار مستشاريه في تقييده. وهم يسعون جاهدين إلى تجنب اتخاذ إجراءات أو إبلاغه بأمور ربما تزعجه. ومؤخرا كشفت صحيفة واشنطن بوست أن المسؤولين عن إبلاغه بالمعلومات الاستخباراتية يتجنبون الحديث عن روسيا.ولكن من المفهوم أن تكون الكوكبة المحيطة بالرئيس ترامب من مسؤولي الســياسة الخارجية والاستخبارات على وشك أن تتغير. فمن المتوقع على نطاق واســـع أن يحل محل وزير الخارجية ريكس تيلرســون شخـص أكثر تشـــددا في أوائل العام 2018. وقد بدأ الخروج الجماعي لموظفي البيت الأبيض بسبب عدم رضا من جانبهم أو استياء من جانب ترامب. وحتى إذا مرت عطلة الأعياد في سلام نسبي، فمن الواضح أن العام 2018 سيكون عاما صاخبا عاصفا.إليزابيث درو تكتب بشكل منتظم لصالح مجلة مراجعة الكتب النقدية «نيويورك بريفيو أوف بوكس»، وهي مؤلفة كتاب «يوميات واشنطن: تقرير واترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون».

شارك الخبر على