المئة يوم الأولى من رئاسة ترامب

٤ أشهر فى الإتحاد

بدأت رئاسة فرانكلين دي روزفلت في الرابع من مارس عام 1933. وكانت أول مئة يوم من رئاسته متميزة بإجراءاته الجريئة لمواجهة الكساد الكبير الذي بدأ عام 1929. فقد أقر 15 قانوناً رئيسياً جديداً لتعزيز الاستقرار المالي، وبث الثقة في بلد محطم. ومنذ ذلك الوقت، أصبح من المسلم به أن يُحكم على كل رئيس جديد بناءً على أدائه في أول مئة يوم من ولايته.
وقد كان سِجلُّ الرئيس ترامب في الفترة من 20 يناير إلى 29 أبريل ملحوظاً هو كذلك بسبب وتيرة النشاط المحمومة. فقد وقَّع عدداً قياسياً من الأوامر التنفيذية بلغ 141 أمراً، لا تحتاج إلى موافقة الكونجرس. وكانت النتيجة تراجعاً في نسبة التأييد لتصل إلى أدنى مستوياتها مقارنةً بأي رئيس في هذه المرحلة من ولايته. ورث ترامب اقتصاداً وصفته مجلة «الإيكونوميست» المرموقة بأنه «محط غيرة العالم»، لما يتمتع به من انخفاض في معدلات البطالة، وتراجع في مستويات التضخم، ونمو مطرد.
لكن الأداء الاقتصادي الضعيف حالياً يُعزى إلى قرارات ترامب بفرض تعريفات جمركية على الأصدقاء والمنافسين، وحملته الانتقامية ضد خصومه المحليين، بمن فيهم الرئيس بايدن وبعض «الجمهوريين» الذين عارضوه، وبعض ممارسات إيلون ماسك الساعية لتقليص حجم الحكومة الفيدرالية بلا رحمة، والتطبيق الصارم لقوانين الهجرة، الذي أدى إلى ترحيل المشتبه بهم دون مراعاة حقوقهم المكفولة بموجب الدستور الأميركي نفسه.
وشنَّ ترامب حملة ضد مؤسسات النخبة، بما في ذلك الجامعات، ومكاتب المحاماة، ومعاهد الأبحاث، والصحافة التقليدية، والمدارس العامة، والرموز الثقافية بما في ذلك مركز كينيدي للفنون الاستعراضية. وأصدر تعليمات بإنهاء برامج التنوع في جميع الوكالات الفيدرالية، وإلغاء أو التقليل من الإشارات غير المرغوب فيها إلى الأحداث المأساوية في تاريخ أميركا.
لكن الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو الأضرار التي تسبب بها العديد من القرارات لعدد كبير من الناس في وقت قصير جداً. فقد أدت عمليات الفصل التعسفي لموظفين فيدراليين دون سبب، والإنهاء المفاجئ لعشرات المشاريع الطبية الحيوية في الحكومة، بما في ذلك أعمال المعهد الوطني للصحة (أكبر وأهم مؤسسة طبية في العالم، ومقره في بيثيسدا، ماريلاند) إلى أضرار لا تُحصى. أما في الخارج، فقد أدى إنهاء المساعدات الصحية التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) للمرضى في أفريقيا ومناطق أخرى إلى وفيات كان يمكن تجنبها. وعلى صعيد السياسة الخارجية الأوسع، يمكن لترامب أن يشير إلى بعض النجاحات، وخاصة في الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة.
كما يُحسب له محاولته إنهاء حربَي أوكرانيا وغزة. لكن بدلاً من العمل مع الحلفاء، تجاهلهم ترامب في كثير من الأحيان بل وأهان بعضهم. وكان قراره بفرض رسوم جمركية مرتفعة على المكسيك وكندا وأوروبا واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، من أكثر القرارات فداحة، إذ أدى إلى فوضى في الأسواق المالية الدولية، وتسبب في ارتفاع الأسعار للمستهلكين والشركات الأميركية. لقد فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 145% على الصين، مما كان له آثار قاسية على البلدين معاً.
وقد افترض ترامب أن الصين، التي تصدِّر بضائعَ أكثر بكثير إلى الولايات المتحدة مما تستورده منها، ستتراجع وتطلب التفاوض، لكن الصين لم تتراجع وتبدو مستعدةً لتحمّل خسائر اقتصادية بدلاً من الرضوخ لتهديدات ترامب. عندما أُعيد انتخاب ترامب في نوفمبر 2024، كانت شعبية الحزب الليبرالي في كندا في الحضيض، وكان من المتوقع أن يخسر الانتخابات العامة بفارق كبير أمام منافسه الحزب المحافظ.
لكن التعريفات الجمركية وتهديدات ترامب بجعل كندا الولاية الحادية والخمسين، كل ذلك أغضب الكنديين، مما أدى، في 28 أبريل المنصرم، إلى إعادة انتخاب «الليبراليين» بقيادة المصرفي الصارم مارك كارني، الذي ركّز حملتَه على موضوع التعريفات الجمركية وضرورة التصدي لتهديدات ترامب حيال كندا.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال إنترست» - واشنطن

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على