الإعلام الحكومي وتعزيز الهوية الوطنية
٤ أشهر فى الإتحاد
تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الإعلام بوصفه ركيزة أساسية في مسيرة التنمية الشاملة، وعنصراً فاعلاً ضمن أدوات قوتها الناعمة التي تعزز مكانتها إقليمياً ودولياً. وقد تطورت مكانة الإعلام في الأجندة الوطنية بشكل واكب على نحو دقيق مسيرةَ التنمية التي تشهدها الدولة منذ تأسيس الاتحاد عام 1971. ولدينا الآن مشروع إعلامي يحمل طابعاً وطنياً واضحاً، يرتكز على ترسيخ التراث التاريخي والموروث الثقافي. ومع اتساع آفاق الانفتاح والتطور، لم يغب عن الدولة أن الحفاظ على الهوية الوطنية ليس خياراً، بل ضرورة أساسية في وجه تحديات العولمة وتعدد المرجعيات الثقافية. من هنا، برزت الحاجة الملحّة إلى توظيف وسائل الإعلام المختلفة لتعميق الانتماء لدى الأجيال الناشئة.ولعل المُتابع للأولويات الوطنية، يلحظ الأهمية الخاصة التي تحظى بها الهوية الوطنية لدى القيادة الرشيدة ممثلةً في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والدور المهم للإعلام في هذا السياق، وقد أشار سُموّه في أكثر من مناسبة، إلى أن «الدولة تنظر إلى الإعلام بمختلف أنواعه باعتباره شريكاً أساسياً في منظومة التنمية الوطنية الشاملة وتُقدم له الدعم الكامل للقيام بدوره في المجتمع، وإن العمل الإعلامي رسالة قبل أن يكون مهنة أو وظيفة لأنه يتعامل مع عقول الناس وأفكارهم وتوجهاتهم».وفي ظل الاهتمام المتواصل بالدور الحيوي لقطاع الإعلام وتعزيز دوره في حماية الهوية الوطنية، نظّمت الأمانة العامة للمجلس الوطني الاتحادي، وبمشاركة أعضاء المجلس، المُلتقى التمهيدي لمناقشة موضوع سياسة الحكومة في تعزيز دور الإعلام الحكومي وترسيخ الهوية الوطنية، الذي أسفر عن عددٍ من التوصيات التي شدّدت على أهمية التكيّف مع التحولات السريعة التي يشهدها المشهد الإعلامي العالمي. وقد أكّدت هذه التوصيات على عدد من القضايا الجوهرية، ومنها أهمية توطين الوظائف القيادية والإشرافية وإعداد قيادات الصفَيْن الثاني والثالث في جميع المؤسسات الإعلامية في القطاعَيْن العام والخاص، والاستفادة من خبرات جيل الكفاءات الإعلامية الوطنية المهنية والتراكمية كمستشارين ومدربين في الجهات الإعلامية الحكومية، وإشراكهم في الحلقات النقاشية والورش والمنتديات الإعلامية المنعقدة داخل الدولة وخارجها، وعقد شراكات مع المؤسسات التعليمية والإعلامية والاستعانة بالكفاءات الإعلامية الوطنية لتدريب وتأهيل الطلبة من ذوي القدرات والمهارات على أفضل الممارسات المهنية في مجال الإعلام الحديث، ومواءمة البرامج الأكاديمية والتطبيقية مع المتطلبات المهنية لقطاع الإعلام لتلبية احتياجات سوق العمل.كما تضمَّنت التوصيات، ضرورة إعادة تنظيم الاختصاصات المنوطة بالجهات الإعلامية، وذلك للفصل بين اختصاصات كل جهة من الجهات أثناء الممارسة العملية، مع أهمية تحديد جهة إعلامية واحدة ذات مرجعية لجميع الجهات الإعلامية في الدولة، ومواءمة السياسات الإعلامية الوطنية والمحلية، بما يضمن دعم الاتحاد، وإبراز مفهوم الهوية والوحدة الوطنية ووضع أسس وضوابط واضحة لها.ومع التقدير المتزايد الذي يحظى به قطاع الإعلام، تبرز مسؤوليته في تحقيق الأهداف الوطنية، ولا يجب أن تقتصر هذه المسؤولية على أدواره التقليدية، بل يلزم أن تتسع لتشمل دوره المحوري في ترسيخ الصورة الإيجابية للدولة على الساحة الدولية، والتعريف بمُنجزاتها الحضارية، والدفاع عن مُكتسباتها وطموحاتها. كما يُناط به واجب أساسي في حماية النسيج المجتمعي من محاولات التشويه وبثّ الأفكار الهدامة، ليظل الإعلام درعاً معرفياً وثقافياً يُعزّز الوعي، ويحفظ الهوية.ومما لا شكّ فيه أن الصعود المستمر لأداء الإعلام في مجال تعزيز الهوية وترسيخها، يتجاوز كونه مجرد نجاح تقني أو تنظيمي، إلى أن يكون شاهداً حيّاً على نضج الرؤية الاستراتيجية التي تنتهجها الدولة في بناء الشخصية الوطنية والبيت المتوحد وتعزيز قيم الولاء والانتماء بوصفها ركائز أساسية في مسيرة التنمية التي تطمح إلى تحقيق حزمة من الأهداف الكبرى، ضمن «مئوية الإمارات 2071»، المشروع الوطني الطموح الذي لا يرضى بأقل من القمة، ويضع نُصب عينيه هدف أن تكون الإمارات في صدارة دول العالم.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.