إصلاح التعليم الأميركي..«لحظة سبوتنيك» جديدة

٥ أشهر فى الإتحاد

زعم الكاتب «هربرت جورج ويلز» ذات مرة أن الحضارة هي سباق بين التعليم والكارثة. وفي الولايات المتحدة اليوم، يبدو أن الكارثة لها اليد العليا. النقطة الحقيقية التي أردت التأكيد عليها هي أننا نواجه لحظة «سبوتنيك» تعليمية، ومع ذلك لا يبدو أن أحداً من البالغين المزعومين في البلاد يريد حل المشكلة. لا يمكن لـ «الديمقراطيين» أن يكونوا الحزب الذي يؤمن بالمساواة كأحد المبادئ الأساسية، بينما يظلون متساهلين بشأن تراجع معدلات الرياضيات عن مستويات ما قبل الجائحة، وانخفاض معدلات القراءة إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من 30 عاماً.(لحظة سبوتنيك هي اللحظة التي تدرك فيها دولة أو مجتمع أنها بحاجة إلى اللحاق بالتطورات التكنولوجية والعلمية الواضحة التي حققتها دولة أو دول أخرى من خلال زيادة استثماراتها في التعليم والبحث والتطوير المبتكر وما إلى ذلك).
علينا أن نتحرك بسرعة. على جانبي الطيف السياسي، نحن عالقون في نقاشات تعليمية جامحة وغير مجدية - من مسألة ما إذا كان ينبغي إغلاق وزارة التعليم، إلى أي الطلاب يجب أن يستخدموا أي غرف تبديل الملابس أو يشاركوا في أي رياضات، إلى ما إذا كان يجب إزالة التنوع والمساواة والشمول من المناهج الدراسية. جميع هذه القضايا تستحق النقاش، لكنها مجرد عوامل تشتيت عن الأزمة الحقيقية - وهي فشل أطفالنا في تحقيق المعايير الأساسية في القراءة والكتابة والحساب.على مدى عقود، كان الجميع يدركون أن التعليم هو حجر الزاوية لمستقبلنا الاقتصادي. لقد شهد الاقتصاد الأميركي فترات نمو هائلة بعد استثمارات تعليمية كبيرة – مثل إنشاء الجامعات الممولة من الدولة، وتعميم التعليم الثانوي، وإقرار قانون «جي آي بيل» لدعم التعليم العالي للمحاربين القدامى. وكان هذا أولوية مشتركة بين الحزبين، فقد أطلقت إدارات ريجان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن وأوباما مبادرات مختلفة لتحسين القراءة والرياضيات. ورغم أن بعضها كان أكثر فاعلية من غيره، إلا أنها جميعاً ركزت على هدف واحد: تحقيق تقدم تعليمي.لم يعد هذا هو الحال اليوم، وليس ذلك فقط بسبب محاولات «الجمهوريين» الدؤوبة لتحويل الانتباه عن القضايا الأساسية. فـ«الديمقراطيون» أيضاً بحاجة إلى مصارحة الأهالي: لقد أغلقنا المدارس لفترة طويلة جداً بسبب الجائحة، وعلينا أن نتوقف عن تجاهل العواقب الوخيمة التي تسببنا بها. لقد فقدت بلادنا تقدماً تعليمياً امتد لعشرين عاماً في أكثر من عامين بقليل.بالتالي، هناك تحديان علينا مواجهتهما اليوم: الأول هو تعويض التراجع في التقدم التعليمي، والثاني هو بناء نظام تعليمي يُهيئ طلاب المدارس الثانوية لسوق العمل الذي سيلتحقون به.فيما يتعلق بالتحدي الأول، لا شك فيما يجب فعله. لدينا اليوم رؤى جديدة وواقعية حول كيفية تدريس الأساسيات. في السنوات الأخيرة، أحرزت ولاية ألاباما تقدماً كبيراً من خلال اتباع نهج تعليمي يركز على الأساسيات في الرياضيات للمرحلة الابتدائية، مما جعلها الولاية الوحيدة التي شهدت ارتفاعاً في درجات الرياضيات للصف الرابع منذ بداية الجائحة – وهو إنجاز رائع. كما أن تبني ولاية ميسيسيبي المبكر لـ «علم القراءة» – أي إعادة إدخال طريقة الصوتيات في تدريس القراءة – أدى إلى ما وصفه البعض بالمعجزة: حيث ارتفعت درجات القراءة لطلاب الصف الرابع من المرتبة 49 على المستوى الوطني في عام 2013 إلى المرتبة التاسعة في عام 2024. ينبغي علينا أن نعمم هذه الأساليب بشكل عاجل.حقيقة أخرى: لا يحصل الطلاب على وقت كافٍ من التعليم، كما أنهم لا يتلقون التدخلات اللازمة عندما يبدأون في التأخر. عندما كنتُ عمدة لشيكاغو، قمتُ بتمديد اليوم الدراسي، وزيادة عدد أيام السنة الدراسية، وإضافة برامج تعليمية شاملة لمرحلة ما قبل الروضة والروضة. وكانت النتيجة أربع سنوات إضافية من التعليم لكل طالب. علينا أن نعزز هذه الجداول الجديدة باستخدام دروس خصوصية عبر الإنترنت أو فردية لمساعدة الطلاب على اللحاق بركب التعلم.لمعالجة ما أفسدته جائحة كوفيد-19، علينا أن نشن حرباً على التغيب المدرسي. فمنذ الجائحة، أصبح العديد من الطلاب وأولياء الأمور ينظرون إلى الحضور على أنه اختياري. علينا أن نكون واضحين: أي طالب يتغيب أكثر من 7% من الوقت لن يتمكن من الانتقال إلى الصف التالي أو التخرج. هذا معيار بسيط يمكن للجميع فهمه.كما أننا بحاجة إلى إعادة ابتكار الطريقة التي نُعد بها الطلاب للمستقبل. فكل يوم، يتسرب حوالي 7000 طالب من المدرسة، وهذا ببساطة غير مقبول. يمكننا أن نقوم بعمل أفضل في جعل التعليم بعد المرحلة الثانوية متاحاً للجميع. ويمكن أن يكون أمران صحيحين في الوقت نفسه: ليس على الجميع الالتحاق بالجامعة، ولكن لا يمكن لأحد التوقف عن التعليم عند سن 18. إذا استطعنا جعل المدرسة الثانوية خطوة حقيقية نحو مستقبل واضح للطلاب، فسيستجيبون لذلك.لقد رأيتُ هذه الفكرة تنجح في شيكاغو، في عام 2017، بدأنا إلزام كل طالب في المرحلة الثانوية بتقديم خطاب قبول من كلية أو جامعة أو مدرسة مهنية أو فرع من فروع الجيش كشرط للحصول على الدبلوم. كما جعلنا الدراسة في الكليات المجتمعية مجانية لجميع الطلاب الذين حصلوا على معدل «B» فأعلى. بالإضافة إلى ذلك، قمنا بتسهيل حصول الطلاب على اعتمادات جامعية أثناء دراستهم الثانوية، مما وفّر على 50% من الخريجين الذين استفادوا من البرنامج 18.2 مليون دولار من تكاليف الدراسة الجامعية.وقد كانت النتائج واضحة: عندما توليت منصب العمدة في عام 2011، كان معدل التخرج بالكاد يتجاوز 50%، لكن عندما غادرت المنصب، ارتفع إلى أكثر من 80%. وعلى الرغم من أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الطلاب جاءوا من أسر منخفضة الدخل، إلا أن نحو ثلثيهم التحقوا بالجامعة، مما يعادل المعدل الوطني.هذا هو المجال الذي ينبغي أن نركز جهودنا عليه. لكن بدلاً من ذلك، فإن البالغين في واشنطن - الذين يبدون أحياناً كالأطفال - منشغلون بتسجيل نقاط سياسية بدلاً من حل المشكلات. نعلم جميعاً النمط الذي يريده الرئيس دونالد ترامب، لكن إذا ظلت إدارته غير مبالية بانخفاض المعايير التعليمية، فعلى حكام الولايات ورؤساء البلديات والقادة المنتخبين الآخرين تشكيل فريق عمل وطني يحدد الأهداف والاستراتيجيات الفعالة لحل هذه الأزمة. هذا ما تتطلبه «لحظة سبوتنيك» لهذا الجيل.
 * سفير الولايات المتحدة السابق في اليابان ونائب سابق في الكونجرس، ورئيس موظفي البيت الأبيض بإدارة أوباما.- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»

شارك الخبر على