هل استحق السيد راضي لقب «فيلسوف المسرح المصري»؟

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

ناصر كامل

لو قدر لك أن تطالع عنوانا لمقال أو لموضوع صحفي أو لكتاب يصف شخصا ما بأنه "فيلسوف"، فقد ينصرف ذهنك إلى أن الكاتب جاد، قد تفكر فى مدى صواب ودقة من يقول إن "لينين الرملى هو فيلسوف المسرح المصرى"، لكنك قد تنكر تلك الصفة إذا كانت حجة القائل، فقط، أن الرملى لا يكتب نصا ويتركه، بل يحضر بروفاته كلها حتى يرى العمل النور، فهناك احتمال أن يكون الكثير من كتاب المسرح يفعل ذلك دون أن يضعهم هذا فى "قاموس الفلاسفة". 

وستكون أمام نفس الموقف مع وصف علي سالم بأنه "فيلسوف المسرح السياسي"، إذ استند الكاتب إلى أن عموم الجمهور لا يذكرون لعلى سالم من مسرحياته سوى مسرحية "مدرسة المشاغبين"، التى تروى حكاية معلمة للفلسفة تحاول تأديب صف من التلاميذ المشاغبين، الأمر يمكن أن يصبح جديا مع توفيق الحكيم، مثلا، وقد تقبل بحث صواب عنوان كهذا "الفيلسوف الحكيم رائد المسرح الذهني"، فقد اعتبره البعض أحد "فلاسفة العرب"، وأطلق عليه آخرون رائد الكتابة المسرحية المصرية والعربية.

لكنك قد تفكر مرات وأنت تواصل القراءة بعد أن عرفت أن "فيلسوف الفن" المقصود هو "الدكتور شديد"، قد تكون سمعته وشاهدته فى مقطع ما من فيلم ما وهو يردد عبارته "وماله يا خويا" التى لا يُعرف إلا بها، وربما تذكرت باقى العبارة "يا رب يا خويا يا رب''، وتذكرت أيضًا: "الخواجة بيجو، والمعلم شكل، وأبو لمعة"، وسيكون عليك أن تحسم أمرك بعد أن تعرف أن "الدكتور شديد" -وهذا اسم الشخصية التى عرف واشتهر بها وكان يقدمها فى برامج إذاعية كوميدية ساخرة، أما اسمه الحقيقى فهو محمد فرحات عمر- نال صفة "فيلسوف الفن" لأنه كان -حسب الكاتب- "متعمقا في العلم، وقد حصل على الماجستير حول ''طبيعة القانون العلمي'' عام 1965، والدكتوراه عام 1968، هل الكاتب جاد أم يسخر، فى وصفه، أم أن مجازه ومبالغته لا قيود عليها، أم أنه يهجو الدكتور شديد فى صيغة مدح؛ وذلك أسلوب معروف فى الشعر والأدب.

إذا كنت قد طالعت مثل هذه العناوين فسيكون موقفك أشبه بموقفى وأنا أنظر لعنوان كتاب لدى بائع الكتب، قريبا من ميدان الجيزة، حيث اعتدت أن أطالع لدقائق ما هو مطروح على الرصيف من كتب، فى البداية نظرت إلى "فيلسوف المسرح المصرى" قبل أن أتأكد أن المقصود هو السيد راضى (1935- 2009)، المخرج والممثل.

فى الغلاف الخلفى توقفت عند كلمة الناشر، ووصفه لراضى بأنه: "أحد أهم أعمدة المسرح المصرى على مدى خمسين عاما ممثلا ومخرجا مسرحيا"، وتذكرت على الفور عبارة؛ لم أتأكد -لم أحاول بالأحرى التأكد- أبدا من صحتها، نسبت للسيد راضى يضع فيها نفسه بين ثلاث قامات كبرى سيظل التاريخ المسرحى المصرى يذكرها: أولها، من أسس المسرح المصرى -العربى-، وثانيها من أنشأ أول معهد لتدريس المسرح وفق أسس علمية، وثالثها من أفسد المسرح المصرى، وفى حين تغير الألسنة من اسم الشخص الأول، لكن الأغلبية تسمى جورج أبيض، تجمع على أن الثانى هو زكى طليمات، وأن الثالث هو السيد راضى.

فى مرات عدة تشجعت لأسأل السيد راضى نفسه، ولكنى أحجمت فى اللحظات الأخيرة، وبقيت الحكاية فى مجملها "طرفة" ليست بعيدة عن شخصية راضى بالفعل، فقد تمتع بالفعل بشخصية ساخرة، وترددت لأزماته ومواقفة الطريفة لسنوات فى المسارح المصرية.

قلبت الكتاب، لم أفهم فى البداية مغزى اختيار سورة الشمس لتوضع فى أول صفحات الكتاب، عاودت قراءتها: "والشمس وضحاها..."، وأجلت محاولة فهم المغزى فقد يكون فى طيات الكتاب، قلبت وتوقفت عند إهداء الكاتب هشام الصواف إلى: الزوجة، والابنة، والابن، والوالدة، والوالد، رموز: الحكمة والعطاء والأصالة، الأدب والأخلاق الحميدة والطيبة والرقة والحنان والذكاء والنجاح، الصدق والأمانة والقوة والدقة والرجولة، الحب الصادق والعطاء بلا حدود، الشهامة والسمعة العطرة والإيمان والطهارة والقوة والحسم.

ثم تجاوزت عن محاولة الفهم، وجلست بالقرب من البائع الذى يعرفنى جيدا، ورحت أقرأ، بحثا عن مبرر الوصف: "فيلسوف المسرح المصرى"، وانتهى بحثى عند: "تعلمت منه كيف تكون القيادة والإدارة، وتعلمت منه حب الفن، تعلمت منه كيف أكتب حلقة كل يوم فى عدة ساعات طالما ملخص المسلسل مكتوب بعناية، تعلمت منه كيف أكتب فصلا من مسرحية فى يومين أو ثلاثة طالما فكرتها مكتوبة أيضا بعناية".

السيد راضى فيلسوف المسرح المصرى
تأليف: هشام الصواف
الناشر: مكتبة جزيرة الورد
الطبعة الأولى 2014

شارك الخبر على