كيف فاجأ «عبد الناصر» صديقه «هيكل» ليلة ٢٣ يوليو؟

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

نفاذه إلى عالم الكبار لم يكن بمحض الصدفة، وإنما جاء نتيجة روح المغامرة التي تحلى بها، والتي ميزته عن باقي زملائه من أبناء المهنة، فهو من قطع في سبيل الحصول على المعلومة عشرات الكيلو مترات، وهو من عرض نفسه لنيران الحرب رغبة في الانفراد، بعد أن قرر عيش حياة غير تقليدية، فظفر بمكانة لم يسبقه لها أحد من صحفيي الوطن العربي.
 

-

الصحفي محمد حسنين هيكل، أو "الجورنالجي" كما لقبه البعض، حرص على توثيق ما شهد عليه من أحداث بشكل دوري.

ولعل أبرز ما تركه لنا "الأستاذ" من توثيق لأهم مرحلة في تاريخ مصر الحديث، كان تسجيل صوتي مدته 20 ساعة مع الكاتب فؤاد مطر، الذي كان  قريب الصلة بكل ما  يجرى فى مصر منذ 1962، وفيه تعرفنا على بداية علاقة الصحفي الشاب محمد حسنين هيكل بالصاغ جمال عبد الناصر، والتي تحولت فيما بعد إلى صداقة وطيدة، كانت مصدر حنق باقي الصحفيين على "هيكل".

في صيف عام 1948، وأثناء اشتراك مصر في حرب فلسطين، أصدر وزير الحربية آنذاك محمد حيدر باشا قراره بألا يرافق الصحفيون الجنود في تلك الحرب، لكن "هيكل" استنثى نفسه من القرار، وركب الطائرة متجهًا إلى عمان، ومن هناك إلى القدس، ومن القدس إلى بيت لحم، ومنها إلى الخليل، لينضم إلى قوات البطل أحمد عبد العزيز، ويكون بذلك الصحفي الوحيد الذي كسر قرار وزير الحربية وسافر من تلقاء نفسه.

أثناء عودته إلى القدس برفقة البطل أحمد عبد العزيز داخل سيارة "جيب"، توقفت السيارة بسبب معركة دائرة بين كتيبة مصرية وأخرى صهيونية، قرب منطقة "عراق سويدان"، فنزل من السيارة وتحدث إلى الجنود المشاركين في المعركة بعد انتصار الكتيبة المصرية، فأخبروه أن قائد العملية هو الصاغ جمال عبد الناصر، رئيس أركان حرب الكتيبة السادسة.

ذهب هيكل لرؤية عبد الناصر، فوجده مستلقيًا على "بطانية" في استعداد للنوم، فجلس معه ثلث ساعة، ولم يحصل على معلومة تفيده كصحفي، لأن الأخير رفض أن يدلي بأي حديث لغضبه من تغطية الصحافة المصرية للحرب، لكنه التقى به مرة أخرى قبل العودة إلى القاهرة، وسنحت الفرصة هذه المرة لتبادل الحديث، لأن عبد الناصر كان مهتمًا بتحقيقات هيكل عن القضية الفلسطينية.

تجدد اللقاء بينهما بعد العودة إلى القاهرة، حيث تردد عبد الناصر على هيكل أكثر من مرة في مكتبه بـ"أخبار اليوم"، فبدأت العلاقة تتعمق بينهما إلى حد ما.

وفى يوم 18 يوليو 1952 التقى هيكل بعبد الناصر فى منزل اللواء محمد نجيب، لمناقشة أزمة حل مجلس إدارة نادي الضباط، وكان معه عبد الحكيم عامر.

وفي هذا المجلس دارت مناقشة حول وضع الجيش، أكد خلالها "هيكل" على ضرورة أن يحمي الجيش نفسه على الأقل من براثن الملك فاروق، فقال جمال عبد الناصر: "هل يعني ذلك أن يقوم الضباط بانقلابات كتلك التى حدثت فى سوريا؟"، فرد هيكل: "أنا لست مع فكرة القيام بانقلاب"، وبعد جدال انتهت المناقشة.

ولم يكن يعلم هيكل آنذاك أن جمال عبد الناصر سيكون قائدًا لحركة الضباط التي ستطيح بالملك بعد أيام قليلة.

وفي ليلة 23 يوليو 1952، كان هيكل في منزل اللواء محمد نجيب، فحضر إليه ضابط من المخابرات يدعى سعد توفيق، واصطحبه إلى مبنى قيادة الجيش، وكان أول شخص التقى به هو عبد الحكيم عامر، والذي أخبره قائلًا: "خلاص.. القاهرة كلها سيطرنا عليها".

وتابع عامر بقوله: "صاحبك مستينك فوق"، وبعدما صعد هيكل وجد أمامه جمال عبد الناصر، فسأله: "إيه اللي حصل؟"، فأجابه ناصر: "يعنى لسه مش فاهم!.. مش مهم حصل إيه.. المهم إننا صممنا ونفذنا وأكدنا إن في مصر شباب رفضوا المهانة واتحركوا"، وكانت هذه بداية علاقة هيكل الحقيقية بالسلطة في مصر، والتي امتدت حتى وفاته في فبراير الماضي.

شارك الخبر على