كيف تكافح مصر الفساد؟

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

كتب:- محمد حلمي

اتصالات لمعارف وأقارب وزيارات متكررة لصيدليات، لكي يستطيع الحصول على جرعة من عقار "الأنسولين" لطفله البالغ من العمر 3 سنوات، ليخفف من آلام مرض السكري ليقع تحت ضغط عمله اليومي ومحاولات حصوله على العقار، ليصل الأمر في النهاية إلى شخص مؤثر اجتماعيا ساعده في الحصول على 3 أمبولات.

ومع تفاقم الأزمة لدى قطاع كبير من المواطنين فيما يخص عقاري "الأنسولين والبنسلين"، توصلت الرقابة الإدارية إلى أن هناك حالة فساد تمثلت في أن مسؤولا في إدارة شركة أدوية كبرى، أحال أمر توريد لـ42 نوع مستحضر طبي لشركة خاصة يمتلكها، ما أدى إلى أن وزارة الصحة عجزت عن توفير بعض المستحضرات الحيوية للمواطنين، ومنها "البنسلين والأنسولين".

وهنا نذهب لتعريف محدد لمعنى الفساد في أنه "إساءة استغلال السلطة المخولة لتحقيق مكاسب خاصة"، واحتلت مصر المركز 108 عالميا من أصل 176 دولة والتاسعة عربيا من أصل 10 دول في مجال مكافحة الفساد، وفق مؤشر مدركات الفساد لعام 2016، والمركز 88 على مستوى العالم خلال 2015 من أصل 168 دولة، مقابل المركز 94 في 2014 من أصل 175 دولة.

كثرة القوانين عامل سلبي

التقينا واحدا من جيل الرواد المؤسس لجهاز الرقابة الإدارية، الذي عاد بقرار من الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 1982، بعدما ألغاه الرئيس الراحل أنور السادات عام 1980 بدعوى أنه جهاز يعرقل الاستثمار في مصر، وكان قوام الجهاز وقت عودته نحو 130 فردا.

وبدأ القيادي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، حديثه معنا بأن مصر بها ترسانة من القوانين التي تكافح الفساد، لكن تلك الجزئية تعد سلبية وثغرة ينفذ منها محامو الفاسدين، وهو أمر يجب أن يتغير، وتوحيد تلك القوانين في قانون واحد يحدد الاختصاصات والبنود، ويكون الإطار التشريعي المحدد لمكافحة ومحاكمة الفاسدين.

وأضاف أن الإطار المؤسسي لمكافحة الفساد يختلف بنوع الرقابة ما بين خارجية والتي تمارسها أجهزة مستقلة مثل الرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات، ورقابة داخلية تمارسها المؤسسات والهيئات على نفسها داخليا ممثلة في قطاعات الرقابة والمتابعة.

تفاصيل غريبة في عصر مبارك

وتابع القيادي السابق أنه في عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك حدثت تفاصيل غريبة بشأن ملف الفساد، فهناك بعض الوزراء في حكومات سابقة كان يتم تقديم المستندات الدالة على فساد موظفيها من جانب هيئة الرقابة الإدارية، لكن كان رد الفعل أنهم يعتبرون الأمر تقليلا منهم أو يعرضهم للحرج أمام القيادة السياسية، وكانوا يطلبون الانتظار حتى يصدروا قرارا بخروج هؤلاء الموظفين للمعاش، أو رفض الاتهامات لدرجة أن أحد الوزراء الكبار طالب رجال الهيئة بعدم التواصل معه بشكل مباشر، بعد زيادة عدد حالات الفساد في رجاله ومن ذوي ثقته.

وأشار إلى أن المواطن الذي يبلغ عن حالات فساد لا يتم الكشف عن هويته، منعا لتعرضه للعقاب أو الانتقام من الشخص أو الجهة التي أبلغ عنها.

كما حدد أنواع الفساد في الفساد المالي والإداري والسياسي والمجتمعي، لكن حدد نوعا من الفساد يسمى (فساد الكبار والصغار)، فالأول أشد خطرا والأكثر كلفة على اقتصاد الدولة، مثل من له سلطة إبرام عقود المشاريع الكبرى أو مثلما حدث في عقود خصخصة بعض الشركات، وعند كشف الأمر يكون المشروع قد تم، لكن دون أن يكون بالجودة المطلوبة، أو أن يتم البيع بالشكل الذي يعود على الدولة بالربح المراد، وبالتالي عند إصلاح الأمر تكون التكلفة أكبر والخسارة فادحة، أما فساد الصغار وهو الأكثر انتشارا والأقل تأثيرا، فيوجد داخل الوحدات الخدمية والتي لها علاقة مباشرة بالجمهور.

وهناك أيضا تزاوج السلطة بالمال وتضارب المصالح وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية لقيام ثورة 25 من يناير 2011، وجاء ذلك نتيجة لدخول عدد من رجال المال للوسط السياسي وتولي مناصب قيادية وبرلمانية في الدولة، وبالتالي كان هناك تضارب في القرارات الصادرة في أن تكون لصالح رجال الأعمال أم لصالح الشعب والمواطن؟

القليوبية الأكثر فسادا

حصلنا من مصدر حكومي على دراسات غير معلنة عن الفساد الإداري، يرجع تاريخها لعام 2007، وحددت الدراسة بالأرقام أسباب انتشار الفساد الإداري في مصر، بأن 40% منها اقتصادية، و27% ثقافية، و20% إدارية، وأظهر مؤشر إدراك الفساد أن القاهرة، والغربية، والقليوبية، والبحر الأحمر، والسويس أكثر المحافظات من ناحية الفساد والتعرض له، وجاءت القليوبية في المرتبة الأولى والأعلى في المؤشر، وجاءت كفر الشيخ، وجنوب سيناء، والبحيرة، والمنيا، ودمياط، كأدنى 5 محافظات في نفس المؤشر.

بطبيعة الحال تعد رغبة النظام الحاكم في مكافحة الفساد محركا مهما في دفع عجلة تفعيل التشريعات والاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية في هذا الصدد، وبالتالي منذ عام 2014 نجد أن مصر أصدرت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2014 - 2018، بالإضافة لتصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن ملاحقة الفاسدين مستمرة دون هوادة، ولو نظرنا إلى عام 2016 وما تم إعلانه من معلومات حول قضايا الفساد سنتطرق إلى تقرير الأمانة الفنية للجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد، التي كشفت أن مصر قفزت 36 مركزا في مؤشر مكافحة الفساد، وأن هيئة الرقابة الإدارية توصلت خلال النصف الأول من العام نفسه لـ687 قضية فساد شملت 3 آلاف متهم كما تم فحص 547 شكوى.

وتم الإعلان في نهاية عام 2016 عن أن هناك 1200 جريمة فساد وقعت خلال العام كان من أخطرها ضبط قاض برشوة 650 ألف جنيه، بالإضافة إلى قضية الرشوة التي تورط فيها مستشار وزير الصحة.

قانون شامل لمكافحة الفساد

الدكتور ولاء جاد الكريم، رئيس مجلس أمناء مؤسسة شركاء من أجل الشفافية، أكد أن دور المجتمع المدني يتلخص في 3 أدوار متكاملة لمساعدة الدولة في مكافحة الفساد، يأتي على رأسها رفع الوعي لدى المجتمع حتى يلعب دورا إيجابيا في المكافحة.

وأشار جاد الكريم إلى أن الدور الثاني يتمثل في الجانب الدفاعي، وهو المطلب الذي يتمثل في إصلاح البيئة التشريعية، والتي تعاني من مشكلتين أولاهما غياب بعض القوانين المهمة في المكافحة، مثل قانون حماية المبلغين والشهود، بالإضافة إلى أن القوانين الموجودة غير كافية وليست داعمة لأجهزة مكافحة الفساد.

وطالب بقانون شامل لمكافحة الفساد، لأنه سيسهل التنسيق بين الأجهزة الرقابية، أما الدور الثالث في مكافحة الفساد هو بناء القدرات الخاصة بالأشخاص والموظفين العموميين ورفع قدرتهم في هذا المجال.

المستشار محمد سمير المتحدث الرسمي للنيابة الإدارية والمكلفة بمكافحة الفساد الإداري بجانب المخالفات، كشف لنا عن آخر إحصاء إجمالي من يناير حتى أكتوبر من العام الجاري، إذ بلغ عدد القضايا التي تمت إحالتها 13 ألفا و11 قضية، أما القضايا المنتهية في ذات التوقيت فبلغت 14 ألفا و290 قضية، كما كشف عن أن القضايا التي انتهت في النيابة الإدارية للإحالة للمحاكمة التأديبية خلال شهر أكتوبر الماضي بناء على طلب النيابة بلغت 355 قضية تضم 565 متهما.

شارك الخبر على