أدب الرحلات بين الثابت والمتحول
٧ أشهر فى الإتحاد
- هذا النوع من الكتابة أو الإبداع المعرفي ظهر قديماً في آداب شعوب العالم، وعرفوه باسم «أدب الرحلات»، واليوم أصبح تخصصاً منفرداً في علم الصحافة والاتصال «Travel journalism»، حيث يعد جسراً حريرياً بين ثقافات الشعوب، وقوة ناعمة للاتصال والتواصل بين الناس والحضارات.- عرفه العرب قديماً، فغالب شعراء الجاهلية والعصور التي تلتها كانوا يتحدثون عن رحلاتهم وتجاربهم وتجوالهم ومغامراتهم، ومع الوقت ظهر الرحالة العرب بقصد التجارة وتبليغ الدعوة أو كسب معرفة، ولعل من أبرز الرحالة العرب «ابن بطوطة» (1304-1369) الذي قام برحلة طويلة حول العالم الإسلامي وأوروبا وآسيا، حتى أنه وصف خورفكان، وكتب مؤلفه الشهير «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، لكن الإدريسي (1100-1165) هو الأهم لأنه يعد من أبرز الجغرافيين الذين قدموا وصفاً دقيقاً للأراضي والمدن والبقاع، وكتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، وكذلك «ياقوت الحموي» (1178 - 1229) صاحب «معجم البلدان».- كانت رحلات الرحالة العرب والمسلمين تتضمن توثيقاً للثقافات والعادات والأماكن التي زاروها، في حين الرحالة الغربيون كانت رحلاتهم بهدف الاكتشاف والمغامرة والتسهيل لاستعمار بعض المناطق المكتشفة، ولاحقاً التبشير الديني، وقد ظهر أدب الرحلات في الغرب في أواخر العصور الوسطى، وتطور بشكل جلي في عصر الاكتشافات في القرن الخامس عشر والسادس عشر، فحمل الرحالة الأوروبيون معهم القصص واللوحات والمغامرات من الأراضي الجديدة التي اكتشفوها، خاصة من الشرق الساحر.- من الكتّاب والرحالة البارزين والمكتشفين «كولومبوس» و«ماجلان»، بالإضافة إلى أدباء مثل «ماركو بولو» الذي أرخ رحلته إلى الصين في كتابه «رحلات ماركو بولو».- في النهاية، يمثل أدب الرحلات جسراً بين الثقافات، حيث يسهم في فهم التنوع البشري وتجارب الحياة المختلفة.- اليوم المقارنة ظالمة بين ما تقدمه الصحافة الجادة، وما يقدمه بعض «صنّاع المحتوى» في مثل هذا الأدب الجميل، هل تعرفون كم تكلف رحلة لمجلة وقناة «ناشيونال جيو غرافيك» أو محطة «بي بي سي» من كتّاب ومصورين وفريق عمل؛ لكي يظهروا بغلاف المجلة وصفحات عن بلد أو مدينة أو قرية معينة من العالم أو صنع فيلم تسجيلي، وما تتكلفه صانعة محتوى أو مؤثرة، وهي تتحدث عن مكان مثل باريس مثلاً؟!- «ناشيونال جيو غرافيك» أو «بي بي سي» ستظهر جماليات باريس التاريخية، وستقرأ المكان وتقدم للقراء أو المشاهدين المتعة مع القيمة المعلوماتية، وسنعرف وجه باريس الآخر. في الإعلام الرقمي الجديد ستكتفي المؤثرة باستعراض ثيابها التي توهم المتابعين بأنها صناعة فرنسية أو إيطالية وذات ماركة عالمية، مع حقيبتها وحذائها، وستظل في شارع الشانزليزيه مستعرضة المطاعم الحديثة التي لا تنتمي للثقافة الفرنسية العريقة، قد تدخل في باريس مطعماً يقدم البيتزا، وتقول لنا: إنه أفضل مطعم يقدم البيتزا في باريس! ناسية أن بجانبه مقهى «Café de Flore» العريق الذي تأسس عام 1887!