الحروب الناعمة..
over 7 years in الشبيبة
لميس ضيفقبل سنوات وقعت شركات التبغ العالمية في مأزق وواجهت معارك ضارية من عدة جبهات: دعاوى بـ15 مليار في كندا. مشاريع قوانين لمنع التدخين في الأماكن العامة في أوروبا. ضغوط جدية من نشاط البيئة، محاولات من الكونجرس لفرض قانون يجبر الشركات على نشر علامة الموت على علبها. ضغوطٌ أشعرت المتابع أن عرش تلك الصناعة سيتهاوى. وزاد الطين بلة انشقاق جيفري ويجاند، وهو مسؤول سابق في الائتلاف الذي يضم أشهر العلامات التجارية «مارلبورو، لاكيسترايك، دانهيل وكابتن بلاك» وإفشاؤه لأسرار أدت لمحاكمة شركات التبغ ومكنت المتضررين من الحصول على 209 بلايين دولار كتعويض.بعد كل هذه الأحداث نقول بدا وكأن صناعة التبغ التي تدر ذهباً معرضة للانهيار. سيما وأن حملات التوعية وصلت لكل زوايا الدنيا ولم يعد أحد يجهل مضار التدخين القاتلة. إلا أن القائمين على الصناعة لم يستسلموا، ولم يجادلوا بطبيعة الحال مدعين أن التبغ «صحي» أو «غير قاتل».. كل ما فعلوه هو تكثيف الإعلانات. ورصد 200 مليون دولار لإقناع أبطال السينما بالتدخين في الأفلام. ساهم نجوم السينما مثل جيمس دين، جيمس بوند، كلارك غيبلوهم فريبو غارت في بناء أمبراطوريات التبغ في الخمسينات وهم من أنقذوا صناعة التبغ عبر كل العصور. فصورة نجم يحمل سيجارة بين شفتيه. وصورة رجل قوي جذاب يدخن في صدر الصحف وجوانب الطرقات كانت كفيلة بهدم صوامع التوعية التي بناها الغير في أعوام. فالعقل الباطن أقوى من العقل الواعي. والصور المخزنة فيه أكثر نفاذاً. ورغم أن رجال إعلانات مارلبورو الأشداء: ديفيد ماكرلين، وريتشارد هامر قد توفيا بسرطان الرئة. إلا أن الشباب الذين راقبوا اعلاناتهم لسنوات لا يذكرون سوى صورة الكاوبوي رائق المزاج.هذا مجرد نموذج على كيفية إدارة المعارك الناعمة. حروب تجند الجماهير باستخدام أسلحة لا تخطر على بال. حروب تزهق فيها الأرواح ولا يُراق بها الدم «بالمناسبة: التدخين يقتل 16 ألف شخص حول العالم يوميا وفق تقارير منظمة الصحة ما يجعله أهم سفاح في العالم».سقنا مثالاً عن حروب شركات التبغ لأنها أقل جدلية وأكثر وضوحاً من الحروب السياسية والاجتماعية «الخادعة» التي تدور رحاها اليوم بيننا. لقد انتقلنا من أن فلسطين عربية إلى أن القدس عربية. وتضاءلت طموحاتنا باستعادة الأرض لأدنى مستوياتها بسبب الهزيمة النفسية التي ألحقها بنا العدو. والأسوأ من ذلك أن القوى ذاتها حققت انتصارات -غير مكلفة- علينا كأمة عربية. فجعلت كيدنا بيننا. وربت أجيالاً تحمل من البغضاء والعداء لبعضها ما لا تحمل معشاره لأعدائها الحقيقيين. على صعيد اجتماعي لم نعد نرفض الشواذ كما كنا، ولا نرفض الملحدين أو المدمنين أو حتى تجار المخدرات، فآلة الإعلام حسنت صورتهم عندما أعطتهم أدوار البطولة ولمعت حياتهم. ولو راجع كلٌ منا خارطة مفاهيمه وتوزيع أعدائه لوجد أنها تغيرت أكثر مما يتخيل في السنوات الأخيرة.هذه هي معارك الكيد التي لا نفقه فيها شيئاً. لذا فنحن بيادقها وضحاياها لا أكثر. نردد كالببغاوات ما يُراد لنا أن نردده. نكره من يريدون منا كرههم. ونحب من يحبون.. بأمرهم.