ماذا قال الفائز بجائزة السلطان قابوس عن الشخصية العُمانية؟

أكثر من ٦ سنوات فى الشبيبة

القاهرة، - العمانيةأعرب المفكر الاقتصادي المصري د.جلال أحمد أمين عن سروره الفائق وشعوره بالامتنان لحصوله على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، فرع الدراسات الاقتصادية.وقال د.جلال لوكالة الأنباء العُمانية: "مبعث سروري أن الجائزة تأتي من سلطنة عُمان التي لها في نفسي ونفوس العرب جميعاً التقدير الشديد، وأشعر بالفخر لاختياري من بين عدد من المرشحين في فئة الدراسات الاقتصادية". وأشار إلى أن هذه الجائزة لها طابعها المميز، ففضلاً عن قيمتها المادية المرتفعة، لها قيمتها المعنوية لما تتسم به من حياد وعدم تحيّز.وأبدى د.جلال إعجابه بالشخصية العمانية بعد أن أتيح له الاحتكاك بها خلال زيارته للسلطنة مؤخراً لتسلّم الجائزة. وقال: "الحكم على شخصية أمةٍ ما ليس أمراً سهلاً ويحتاج إلى إقامة أطول، لكني أستطيع القول إنني فُتنت ببعض سمات الشخصية العُمانية لما رأيت فيها من هدوء وتصالح مع الذات، لم أجدهما في مكان آخر".ولفت د.جلال إلى أنه بصدد إنجاز كتاب جديد بعنوان "ماذا علمتني الشيخوخة" على غرار كتابه "ماذا علمتني الحياة"، مؤكداً أنه مشروع ما زال في بدايته، وأنه لا يستبعد أن يتجاوز الطابع الشخصي فيه، ليرصد التغيرات التي طرأت على أفكاره فيما يتعلق برؤيته للديمقراطية والحداثة وغيرهما.ويعدّ كتاب "ماذا حدث للمصريين" أشهر كتب د.جلال، إذ رصد فيه التغيرات الطبقية والثقافية والقيمية في المجتمع المصري على مدى نصف قرن، لا سيما مع تحول المجتمع من ثقافة الإنتاج إلى الاستهلاك، ومن الادخار إلى المبالغة في البذخ لإظهار أن هناك نوعاً من الرقي في السلّم الاجتماعي قد حدث للفرد.وقال د.جلال إن هذا الكتاب حقق نجاحاً كبيراً، لأنه لامس مشاعر الناس وعبّر عمّا يدور في دواخلهم وتتبّع التحولات الطبقية التي جرت لهم، ذلك أن الصورة كانت أشبه بـ"عمارة كبيرة قرر سكان أدوارها العليا النزوح إلى الأدوار السفلى؛ بينما قرر سكان الأدوار السفلى النزوح إلى الأدوار العليا، وبينما الكل ينتقل بأولاده وأطقم ملابسه ومحتويات منزله، تَقابلَ الجميع على السلالم".ولفت إلى أنه في مسألة أعراس الزواج على سبيل المثال، كان يكفي في الماضي أن يمتلك الشخص حديقة بسيطة حتى يقيم فيها الفرح أو ربما يقيمه فوق سطح المنزل أو في الشارع؛ بينما اليوم تغير مكان الفرح إلى الفنادق، ويجب على (العريس) أن يُظهر البذخ، وأن يثبت للجميع أنه ارتفع اجتماعياً إلى أعلى مستوى ممكن في السلّم الاجتماعي إلى درجة إحضار أغلى الأشياء؛ ليس لأنه يحتاج إليها، ولكن لمجرد أن الجميع يعرف أن هذه الأشياء هي أغلى ما في السوق.وأرجع د.جلال هذه التحولات الطبقية الكبيرة إلى التوسع في التعليم منذ منتصف القرن الماضي وتطبيق المجانية والسياسة الناصرية، فانخفضت المراكز الاقتصادية للأرستقراطية الزراعية والصناعية وارتفع المستوى الاقتصادي لطوائف واسعة من مستأجري الأرض وأصحاب المهن، علاوة على أن ارتفاع معدل التضخم أدى بدوره لارتفاع أسعار أراضي البناء واستفادة طوائف واسعة من الحرفيين.وأوضح أن المجتمع شهد أيضاً محاولة تقليد الأقل دخلاً للأعلى دخلاً في نمط المعيشة، رغبة من الشخص في الانتماء لطبقة أعلى ، فانتشرت الرموز الطبقية، كالإصرار على اقتناء سيارة خاصة أو جهاز هاتف معين لتأكيد الانتماء لطبقة أعلى. وكشف أنه استفاد كثيراً من والده أحمد أمين صاحب المؤلفات الشهيرة "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام"، لا سيما في رؤيته لتأثير البعد الاجتماعي على سلوك الفرد. وقال د.جلال في هذا السياق، إن والده كان عالماً ومؤرخاً كبيراً ورجلاً حكيماً، وكان من سمات الحكمة عنده أنه كان يعلّق أهمية كبيرة على أثر تطور الظروف الاجتماعية على سلوك الناس وأفكارهم، ولهذا كان يرى ضرورة الاجتهاد في تفسير الدين، أي ضرورة أن يواكب تفسير قواعد الدين هذا التطور في الظروف الاجتماعية.وأضاف أن والده كان يرى بضرورة عدم إقحام الدين في السياسة، باعتبار أن ذلك يفسد السياسة والدين على السواء، وإن كان الأمر يتطلب أن يتحلى السياسيون بالأخلاق التي تدعو إليها الأديان السماوية. وأشار د.جلال إلى أن كتابه "ماذا علمتني الحياة" تناول بعض المواقف مع والده وإخوته وأبنائه، حيث يقارن بين ظروف نشأته وظروف نشأة والده، ومن ثم نشأة أولاده وأحفاده، إذ يتحدث عن إخوته الثمانية والاختلاف في شخصية كلّ منهم رغم نشوئهم في بيئة واحدة، مع رصد تحوله الفكري العميق والهادئ من القومية في بواكير شبابه إلى الاشتراكية إلى المادية الوضعية، إلى أن وصل إلى مرحلته الأخيرة في نظرته الإيجابية والمتعاطفة مع الدين عموماً والإسلام خصوصاً، وهي نظرة أخرجته من صفّ اليساريين، ولكن لم تضعه بالضبط في خانة "الإسلاميين".وأوضح د.جلال في هذا الكتاب أن تحوله إلى التعاطف مع الدين جاء بعد أن عاش في الغرب ولاحظ الخواء الروحي هناك.ويتساءل: ماذا كان سيكون شعور أبي لو علم أن واحداً من أحفاده سيكسب رزقه من الغناء بالإنجليزية أغاني تروج لصابون أمريكي مشهور في واحدة من القنوات العربية؟! ورأى د.جلال أن العولمة تبدو حالياً في أبشع صورها، لذا وصفها في أحد كتبه بـ"عولمة القهر"، فمنذ الحادي عشر من سبتمبر 2001م وقعت أحداث خطيرة أدت إلى تغير صورة العالم بأسره، وتعرض العرب والمسلمون على إثرها لحملة من الإساءات والإهانات، فضلاً عن القتل بالقنابل، وعلى الأخص في افغانستان وفلسطين، ما لم يعرف العرب والمسلمون له مثيلاً في تاريخهم الطويل، وعلى نحوٍ ينبئ باستمراره لفترة طويلة في المستقبل، وخلال هذا كله بدت ظاهرة "العولمة" في صورة أبشع بكثير مما كانت تبدو من قبل، مما يجعل من الملائم وصفها بـ"عولمة القهر".وأبدى د.جلال أسفه لأن الصلات ما بين أجزاء العالم أصبحت بهذا العنف الذي يجعل هويةً محددة تفرض نفسها على هويات أخرى بهذا الشكل.وأضاف بأن العرب والمسلمين تعرضوا لما تعرضت له سائر الشعوب التي خضعت للاستعمار الغربي، من حملات ضارية من التشهير والتحقير، ولكن نالهم ما نالهم في العقود الماضية من حملات التشهير من جانب الصهيونية وأبواق الدعاية الإسرائيلية والعاملين فى خدمتها، خاصة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، حيث تضاعف التشهير وزادت هذه الحملات قسوةً وضراوة. ولفت إلى أنه أبدى تحفظه في كتابه "خرافة التقدم والتأخر" على وصف بعض الدول بالتقدم والأخرى بالتأخر، متسائلاً عن المعايير التي يستند إليها من يطلقون تلك الأوصاف.وقال في حديثه لوكالة الانباء العمانية إن العرب اليوم في أحوال سيئة، لكن هذا لا يعني وصفهم بالتأخر أو التخلف، فالتقدم والتأخر ليسا سوى خرافة، لا سيما وأن التقدم التكنولوجي لا يعني أن الغرب متقدم بالضرورة. وقال إن افتتان العرب بالغرب كان سببه أساساً تقدمهم التكنولوجي، الذي بدأ منذ الثورة الصناعية أواخر القرن الثامن عشر، وقبل ذلك لم تكن الفجوة ما بين العرب والغرب كبيرة أو ملحوظة.ورغم أن هناك مفكرين أكثر ميلاً لرد حالة الإخفاق إلى خلل في التكوين العربي، إلا أن د.جلال احمد امين لا يعتقد بصحة هذا الزعم، خصوصاً وأن العرب كانوا في وقتٍ ما أعظم أمة في العالم، وبالتالي لا يوجد شيء في العقلية أو النفسية العربية يمنعهم من الخروج مما هم فيه. أما كتاب "رحيق العمر"، فيمكن اعتباره بحسب د.جلال، الجزء الثاني من "ماذا علمتني الحياة؟"، فهو استكمال له، وهو أيضاً سيرة ذاتية، يبدأ من واقعة الميلاد، بل وقبل الميلاد، وينتهي إلى اللحظة الراهنة، ولكنه لا يكرر ما سبق قوله، وكأننا بصدد شخصين يصفان حياة واحدة، ولكن ما استرعى انتباه أحدهما واعتبره يستحق الذكر، غير ما استرعى انتباه الآخر.وأضاف: "لقد استلهمت في هذا الكتاب ذوقي الخاص، كما فعلت في سابقه"، مشيراً إلى أن لديه ميلاً طبيعياً للحكي، على اعتبار أن أفضل طريقة للروي أن تحكي من وجهة نظرك ما حدث لك وما جعلك تتبنى هذا الاعتقاد أو ذاك.الجدير بالذكر أن د.جلال الدين أحمد أمين الذي تميز بتحليلاته التي تركز على تأثير البعد الاجتماعي في تغير المجتمعات، وأبعاد تغير منظومة القيم منذ منتصف القرن العشرين، وُلد في القاهرة في يناير 1933م، وتخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1955م، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1964م، وعمل أستاذاً للاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس في الفترة 1965م-م1974، كما عمل مستشاراً للصندوق الكويتي للتنمية (1974-م1978م)، وأستاذاً زائراً للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا (1978-م1979م)، وأستاذاً للاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة منذ عام 1979م. وقدم للمكتبة العربية العديد من الكتب أشهرها: "ماذا حدث للمصريين"، و"عولمة القهر" و"عصر الجماعير الغفيرة"، و"عصر التشهير بالعرب والمسلمين"، و"ماذا علمتني الحياة"، و"مكتوب على الجبين". /العمانية /171

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على