«بوليتكو» كيف أعاق أوباما عمل «كاسندرا» من أجل إيران؟
أكثر من ٧ سنوات فى التحرير
مليار دولار سنويًا.. أرباح حزب الله من تجارة المخدرات والسلاح
مسئول في إدارة أوباما: حزب الله جماعة مثير للإعجاب
موظفة سابقة في وزارة الخزانة: تغاضينا عن عقوبات حزب الله
"التغاضي عن تورط حزب الله في تجارة المخدرات وغسيل الأموال وغيرها من الأعمال الإجرامية".. هكذا اتهمت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
حيث أشارت المجلة في التحقيق الذي أجرته، إلى أن إدارة أوباما، في إطار سعيها لإتمام الاتفاق النووي مع إيران، وضعت العديد من العقبات في طريق تحقيق كبير لتعقب تجارة حزب الله، المدعوم من إيران في المخدرات.
وأضافت أن التحقيق الذي أطلق عليه اسم مشروع "كاسندرا"، بدأ في 2008 بعد أن تمكنت إدارة مكافحة المخدرات من جمع أدلة ضخمة تثبت أن التنظيم اللبناني، تحول من جماعة عسكرية تتركز أعمالها في منطقة الشرق الأوسط إلى إمبراطورية إجرامية دولية، تصل أرباحها إلى مليار دولار سنويًا من تجارة السلاح والمخدرات، وغسيل الأموال وغيرها من الأنشطة الإجرامية.
وعلى مدار الثمان السنوات التالية، تعاون القائمين على المشروع مع 30 وكالة أمنية أمريكية وأجنبية، لتعقب أنشطة حزب الله غير المشروعة، بحسب المجلة الأمريكية.
وتعقب المشروع شحنات من الكوكايين، من عدد من دول أمريكا اللاتينية إلى أوروبا عبر دول غرب إفريقيا، ومن المكسيك وفنزويلا إلى الولايات المتحدة، وعمليات غسيل أموال عن طريق شراء سيارات مستعملة من أمريكا وبيعها في دول إفريقيا والشرق الأوسط.
لكن مع تمكن "كاسندرا" من إدانة عدد من كبار القادة في حزب الله، ألقى العديد من مسئولي إدارة أوباما عثرات لا يمكن تجاوزها في طريق التحقيق.
وأشار عدد من المشاركين في مشروع "كاسندرا" إلى أن طلباتهم بإجراء المزيد من الإجراءات أو الاعتقالات لعدد من الأشخاص، أو توقيع عقوبات إقتصادية، كانت تقابل بالتجاهل أو الرفض من وزارتي العدل والخزانة الأمريكية.
حيث رفضت وزارة العدل توجيه تهم لعدد من كبار المشتبه بهم، مثل مبعوث حزب الله لدى إيران، وبنك لبناني شارك في غسيل أموال المخدرات، وعدد من أعضاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الموجودين في أمريكا.
كما رفضت وزارة الخارجية الأمريكية باستدراج عدد من الأهداف الهامة لدول يمكن إلقاء القبض عليهم فيها، وفقًا لـ"بوليتكو".
وأكد دافيد آشر الذي ساعد في تحقيقات مشروع "كاسندرا"، أن هذه القرارات كانت سياسية، مضيفًا "هذه القرارات التي دمرت بشكل منهجي جهود المحققين، كانت مدعومة من أكبر القيادات في الإدارة".
كان أوباما تولى منصبه في 2009، بعد عام من بدء عمل المشروع، ووعد بتحسين العلاقات مع إيران، كجزء من النهج الجديد الذي سيتبعه في التعامل مع العالم الإسلامي.
وأضافت المجلة الأمريكية، أن أوباما أكد مرارًا خلال حملته الانتخابية بأن نهج إدارة بوش، بالضغط على إيران لإنهاء برنامجها النووي، لا يجدي نفعًا، وأنه سيتواصل مع طهران لتقليل حدة التوتر بين البلدين.
وفي 2010 قال جون برينان مساعد أوباما للأمن القومي ومكافحة الإرهاب: إن "الإدارة تسعى لتعزيز دور العناصر المعتدلة في حزب الله، حيث صرح "أن حزب الله جماعة مثيرة للإعجاب للغاية"، وأنه تحول من جماعة إرهابية إلى جماعة مسلحة، وفي النهاية أصبح حزبًا سياسيًا له ممثلين في البرلمان اللبناني، والحكومة اللبنانية.
وأكد عدد من العاملين في مشروع "كاسندرا" أن رغبة الإدارة في تصور دور جديد لحزب الله في الشرق الأوسط، والتوصل إلى نتيجة مرضية في المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، تٌرجمت في شكل ممانعتها لأي تحرك عدائي ضد أي من قادة حزب الله.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن أبرز دليل على تلك "الممانعة" ما حدث مع تاجر السلاح اللبناني علي فياض، أحد قادة حزب الله، والذي يعتبره بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من كبار موردي الأسلحة في سوريا والعراق.
وألقي القبض على "فياض" في العاصمة التشيكية براج في 2014، وبقى بها نحو عامين، في حين رفضت إدارة أوباما الضغط بشكل جدي على السلطات التشيكية لتسليمه للولايات المتحدة، في الوقت الذي كان يضغط فيه بوتين لعدم تسليمه.
وفي النهاية تم ترحيل فياض، الذي يواجه داخل الولايات المتحدة تهمًا بالتخطيط لقتل موظفين أمريكيين، وتقديم الدعم المادي للمنظمات الإرهابية، ومحاولة الحصول على وتهريب واستخدام صواريخ مضادة للطائرات، بالإضافة لمساعدة الميليشيات في سوريا وغيرها على الحصول على أسلحة روسية ثقيلة.
ولم تقف محاولات الإدارة الأمريكية لتقويض عمل مشروع "كاسندرا" عند هذا الحد، حيث أعاقت الإدارة جهود القائمين على التحقيق في تعقب شخص ما يطلق عليه "الشبح"، على الرغم من إدراجه على قائمة الملاحقة الجنائية الأمريكية.
ويعد "الشبح" واحدًا من كبار تجار الكوكايين على مستوى العالم، كما يعد المورد الرئيسي للأسلحة التقليدية والكيماوية للرئيس السوري بشار الأسد.
كما أشار عدد من المشاركين في المشروع إلى أن وزارة العدل الأمريكية رفضت طلبًا لتعقب عبدالله صفي الدين مبعوث حزب الله لدى إيران، والمحرك الرئيسي لشبكة الجماعة الإجرامية.
ونقلت "المجلة" عن عدد من المسئولين في إدارة أوباما، قولهم: إنهم "كانوا يسيرون وفقًا لأهداف السياسة العامة الأوسع نطاقًا، من ضمنها عدم تصعيد الصراع مع إيران، إلا أنهم نفوا أنهم أعاقوا أي إجراءات ضد حزب الله أو أي من حلفاء إيران لأسباب سياسية".
حيث لفت مسئول بارز في مجلس الأمن القومي الأمريكي في إدارة أوباما، والذي كان له دورًا بارزًا في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، إلى أن العاملين في مشروع "كاسندرا" خمنوا أن قضاياهم رُفضت لأسباب سياسية، مضيفًا أن عناصر أخرى مثل نقص الأدلة وتضارب الاختصاصات مع إدارات أخرى كانت السبب وراء رفضها، حيث قال: "أشعر أنهم لا يعرفون ماذا يدور في العالم المحيط بهم".
إلا أن العديد من العاملين في إدارة أوباما، أكدوا الإدعاءات التي قالها العاملون في مشروع "كاسندرا"، وفقًا لما قالته كاثرين باور الموظفة في وزارة الخزانة الأمريكية خلال إدارة أوباما، في شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي.
واعترفت "باور" التي عملت كمستشار سياسي بخصوص إيران في مكتب تمويل الإرهاب بوزارة الخزانة، بأنه إدارة أوباما أخفت تلك التحقيقات المتعلقة بحزب الله خوفًا من تخريب العلاقات مع إيران، والمغامرة بمستقبل الاتفاق النووي مع إيران".
وأضافت أنه نتيجة لذلك لم يُلاحق عدد من قادة حزب الله جنائيًا، ولم يُمنعوا من الدخول لسوق المال في الولايات المتحدة، كما لم يتم تسليم عدد من قادة الجماعة، الذين أُلقي القبض عليهم في فرنسا وليتوانيا وكولومبيا، للولايات المتحدة.
وأشار "آشر" إلى أن عدد من مسئولي إدارة أوباما عبروا، خلال وبعد مفاوضات الاتفاقية النووية، عن خوفهم من تخويف إيران، مضيفًا أن كل هذا كان ضمن خطة الإدارة "لتقليل تأثير وقطع تمويل وتقويض التحقيقات التي كانت إيران وحزب الله طرفًا فيها".
وأضاف أنه كلما اقتربنا من الانتهاء من الاتفاقية، كلما زادت تلك الجهود لتقويض التحقيقات، لافتًا إلى أن العديد من الإمكانيات المتاحة للتحقيق، مثل توقيع العقوبات المالية، والمداهمات، والملاحقات الأمنية، بالإضافة لعدد الموظفين العاملين في تلك التحقيقات، تم استنزافها للنقطة الأخيرة، مع انتهاء ولاية أوباما.
وفي السابع عشر من يناير 2016، أعلنت إدارة أوباما الانتهاء من الاتفاق بشأن تنفيذ الاتفاقية النووية مع إيران، والتي تعهدت خلالها طهران على تعليق برنامجها لتصنيع أسلحة نووية، في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الموقعة عليها.
وخلال أشهر أصبح مشروع "كاسندرا" في عداد الأموات، حيث تم نقل العديد من العاملين في المشروع، من ضمنهم جاك كيلي العميل المخضرم في إدارة مكافحة المخدرات، والذي أنشأ المشروع وقاده إلى مهام أخرى.
وأكد مسئولون في المشروع أنه بإلغاء البرنامج، لم تفقد الولايات المتحدة قدرتها على مراقبة تهريب المخدرات وغيرها من الأنشطة الإجرامية، ولكنها فقدت كذلك قدرتها على مراقبة المؤامرات غير المشروعة لحزب الله بمشاركة كبار المسئولين في إيران وسوريا وفنزويلا بمن فيهم نيكولاس مادورو وفلاديمير بوتين وبشار الأسد.
التحقيق الذي أجراه الصحفي الأمريكي جوش ماير، أثار ردود فعل قوية في الساحة السياسية الأمريكية، حيث دفع المدعي العام الأمريكي جيف سيشنز لفتح تحقيق للبحث في صحة الادعاءات التي نشرت.
من جانبه طالب النائب الجمهوري روبرت بيتنجر، الكونجرس الأمريكي بفتح تحقيق في هذه الادعاءات، التي وصفها بـ"الصادمة والمثيرة للجنون".