«نجاحات محفوفة بالمخاطر».. الإرهاب في تونس «تَعافٍ ملموس»
over 7 years in التحرير
كتب: محمود عبدالعزيز
واجهت تونس على مدار عامى 2015 و2016 تحديات كبيرة فى مواجهة الإرهاب الذي ضرب البلاد وقطاعاته الاقتصادية، ما كان له تأثير شامل على حياة المواطنين، ويمكن القول إن العام الذى شارف على الانتهاء 2017 شهد نجاحات عدة فى مجال مكافحة الإرهاب، لكنها لا تزال محفوفة بالمخاطر، وربما تعيد البلاد إلى نقطة الصفر، كما سنعرض فى تقريرنا.
الحصاد الأمني والقانوني
كشفت العمليات الكبيرة التى ضربت الأمن التونسي، مثل عملية بنقردان العام الماضي، عوارًا فى القدرة والجاهزية الأمنية فى دحر الإرهاب، وهو ما دفعها إلى التعاون مع شركائها فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة لدعم برامج تدريبية للشرطة والجيش، بالإضافة للدعم المالى:
* إعلان وزيرة الدفاع الدفاع الألمانية فى أغسطس 2017 قيام عناصر من الجيش الألمانى بتدريب الشرطة والحرس الوطني والبحرى التونسي على مواجهة الإرهاب، وقد أنفقت ألمانيا على البرنامج المقرر أن يستمر لمدة ثلاثة سنوات، أكثر من 6 ملايين يورو.
* تسلمت تونس فى فبراير الدفعة الأولى من المروحيات الأمريكية من طراز (أو اتش 58 كيوا) من إجمالى 24 طائرة متعاقد عليها لمكافحة الإرهاب، كما تترقب الحصول على طائرات هليكوبتر جديدة من طراز (بلاك هوك)، فى إطار التعاون مع الولايات المتحدة، خاصة بعد منح تونس صفة حليف أساسي غير عضو فى حلف الناتو، وهو ما يمنحها مهمة خاصة فيما يتعلق بالتدريب والتسليح والتعاون المعلوماتى.
وتستهدف تونس فى ظل الصعوبات الاقتصادية، الحصول على التمويل المالى من حلفائها لدعم قوات الأمن والشرطة مهنيًا وتدريبيًا، بالإضافة لدعم برنامج إعادة تأهيل السجون التى تستقبل الإرهابيين المحالين للمحاكمات أو العائدين من الخارج قيد التحقيقات والحبس الاحترازى:
* أعلن "جيل دو كيركوف" منسق الاتحاد الأوروبى لمكافحة الإرهاب تمويل برامج تونسية فى مجال الأمن 23 مليون يورو، والعدالة الجنائية وإصلاح منظومة السجون بالتعاون مع المجتمع المدنى التونسي بقيمة 100 مليون يورو، بالإضافة للتعاون فى مجال نزع الألغام.
* فى ظل توافر الدعم الأوروبى، تم الشروع فى بناء سجن بمدينة باجة شمال تونس جديد بمواصفات أوروبية لاستيعاب الأعداد الزائدة من الإرهابيين المتواجدين، ولحل مشكلة الاختلاط بين السجناء التى تعيد إنتاج التطرف داخل السجون، وتحولها من بؤر إصلاحية لبؤر للتخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية، خاصة بعد أن وصلت نسبة الازدحام بالسجون لـ150%
* فى النصف الأول من 2017 نجحت الداخلية التونسية فى إحالة 831 مشتبهًا فيه للمحاكمة الجنائية.
* فى سبتمبر هذا العام أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد تشكيل حكومته الجديدة، وشملت تغييرًا فى المؤسسات الأمنية، حيث تم تعيين رئيس الحرس الوطنى السابق "لطفى براهم" وزيرًا للداخلية، وكريم الزبيدى وزيرًا للدفاع، وهى التعيينات التى شهدت ترحيبًا نتيجة النجاحات التى حققها الأول أثناء توليه مسوؤولية الحرس الوطنى، والأخير حين كان وزيرًا للدفاع بعد الثورة وحتى 2013.
* أقر البرلمان التونسي فى ديسمبر زيادات بموازنة وزارتى الدفاع والداخلية التونسية، حيث ارتفعت ميزانية وزارة الداخلية لعام 2018 بنسبة 12.6% مقابل العام الجارى، وزادت ميزانية وزارة الدفاع بنحو 10.7% خلال نفس الفترة لتصل كل منهما لنحو مليار دولار بزيادة قليلة لوزارة الداخلية عن الدفاع.
كما توجهت مواجهة الإرهاب فى تونس للمعالجة القانونية والتشريعية خاصة فيما يتعلق بملف عودة المقاتلين من بؤر الصراع، وملف تمويل الإرهاب:
* حيث تسعى تونس إلى تهيئة الوضع القانوني المناسب لاستيعاب الإرهابيين العائدين من بؤر التوتر في سوريا وليبيا والعراق، وإدماجهم في المجتمع مجددًا، وقد أقرت في مشروع موازنة العام القادم (2018) اعتمادات مالية كبيرة، وفق ما أعلنت عنه اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب والتطرف، واستثنى البرنامج الحكومي الإرهابيين الذين ثبت تورطهم في الأفعال المصنّفة جرائم ضد الإنسانية، كالقتل والذبح، فضلًا عن ذلك تتوجه السلطات فى تونس لإصدار تشريعات بالعفو عن المقاتلين القادمين من الخارج من العناصر الصغيرة والوسطى فى سبيل إعادة الإدماج.
تأتى الخطوة ضمن ما يعرف بقانون التوبة الذى يواجه انتقادات كبيرة، خاصة بعد فصل العفو التشريعى الذى صدر فى أعقاب سقوط (بن علي) فى 2011 باستيعاب الإرهابيين الخارجين من السجون، بل عملوا على إعادة الانتظام فى صفوف تنظيمات جديدة، ومن هؤلاء "أبى عياض" زعيم تنظيم أنصار الشريعة الإرهابى الذي ترك البلاد هاربًا بعد إعلان تنظيمه إرهابيًا فى 2013.
* أعلنت الحكومة التونسية فى سبتمبر2017 فتح التحقيق فى ملفات أكثر من 150 جمعية أهلية يشتبه في تورطها بدعم الإرهاب، وتلقي التمويلات للمساعدة فى تسفير التونسيين خارج البلاد فى الفترة من 2012-2014، وتشير التحقيقات إلى أن هذه الجمعيات ومن بينها جمعية "تونس الخيرية"، التي ترأسها عبدالمنعم الدايمى، شقيق الرئيس التونسي السابق (المرزوقى) طالبت البرلمان بفتح تحقيق بشأنها، كونها تلقت تمويلات من الحكومة القطرية، ومن مؤسسة الرئاسة التونسية فى فترة حكم منصف المرزوقى، وقدرت هذه التمويلات بين 100 ألف و3 ملايين دينار للجمعية الواحدة.
* إضافة إلى جهود مراقبة تمويل الأنشطة الأهلية الخاصة بدعم الإرهاب، الذي تم بوقف نشاط حزب التحرير الإسلامى بأمر قضائي لدعوته لإقامة الخلافة الإسلامية فى تونس، وهى خطوة تمهد لحظر الحزب نهائيًا بعد أن دعى الرئيس "قايد السبسي" لذلك، كما سبق وتم حظر أنصار الشريعة فى 2013.
حصاد الاقتصاد
واجهت تونس تحديين اقتصاديين أساسيين فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب، وهما ملف السياحة، وقضية التهريب التجاري على الحدود مع ليبيا.
* قضية السياحة
يعد قطاع السياحة واحدًا من أهم قطاعات الاقتصاد التونسي، ويمثل نسبة السدس من إجمالى الدخل العام، ويعمل بهذا القطاع نحو 200 ألف تونسي، وتضرر كثيرًا جراء العمليات الإرهابية، خاصة فى عامى 2015، 2016 في أعقاب حادث أحد الشواطئ بـ"سوسة"، وراح ضحيته أكثرمن 60 سائحًا، ما أدى إلى انخفاض عدد الزوار لتونس بنسبة 25%، وتراجعت العائدات لـ35% لتصل لـ1.1 مليار دولار فى 2015، واستمر الحال كذلك فى 2016، إلا أن عام 2017 كان مختلفًا عن سابقه، حيث استعاد القطاع عافيته، وتطور بنسبة 30% في الأشهر الثلاثة الأولى حسب تصريح وزير الاستثمار والتعاون الدولى "فاضل عبدالكافى"، ووصل عدد السياح الزائرين حتى نهاية يوليو2017 أكثر من 3.5 مليون زائر بزيادة قدرها 27% عن العام الماضى، كما ارتفع عدد السياح الأوروبيين بنسبة 15% بعد أن قامت كل من بريطانيا، ألمانيا، وفرنسا بسحب تحذيرات السفر لمواطنيها إلى تونس، مما يساهم فى عودة السوق للوضع السابق على 2014، حيث وصلت العائدات من القطاع حينها إلى 1.7 مليار دولار، وهو ما يتم السعى للعودة إليه من جديد.
* قضية التهريب
تواجه تونس تحديًا كبيرًا فيما يتعلق بحدودها مع ليبيا والتي تبلغ 480 كم، بمنفذين بريين هما "رأس جدير"، و"دهيبة"، حيث اشتدت عمليات التهريب على الحدود بعد الثورة، مما دفع الدولة التونسية لبناء ساتر ترابي على الحدود، لوقف عمليات تهريب السلع والأفراد سواء من الإرهابيين أو المهاجرين، وقد زادت عمليات التهريب التى تم ضبطها هذا العام إلى 21.30% حسب تقرير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية.
وتضيف عمليات التهريب السلعي من قوة السوق الموازية الذى يقدر بـ20% من سوق التجارة التونسية التي تعاني مشاكل هيكلية فيما يتعلق بالبطالة وسوء التوزيع.
كما أنه من المقرر أن تشرع تونس فى بناء منطقة للتجارة الحرة على الحدود مع ليبيا، خاصة عند معبر "رأس جدير"، وذلك من أجل استيعاب التجارة المهربة في إطار قانونى، تطبيقًا لاستراتيجية التنمية المشتركة التي أقرها الاتحاد المغربي عام 991، وتعمل تونس على تعزيز التعاون التجارى مع جيرانها في هذا الصدد.
ورغم كل الجهود التى تبذلها الدولة التونسية، ما زالت هناك تحديات متعلقة بقضية المقاتلين العائدين للبلاد، خاصة فى ظل تضارب الأنباء حول أعدادهم الحقيقية التى تقدرها الحكومة بأقل من 3 آلاف مقاتل، بينما تشير تقارير أجنبية لـ"مركز فيريل الألمانى" إلى أن عدد المقاتلين التونسيين فى الخارج بلغ 12 ألفًا قتل منهم نحو 5 آلاف وفقد 1320، ما يعنى أن العدد المفترض عودته أكبر مما تعلنه الحكومة، كما أن هناك مخاوف من فشل برنامج إعادة التأهيل وتكرار الأخطاء التى عمقها العفو التشريعى فى 2011، والذي منح الإرهابيين فرصة جديدة كما سبق.
وقد ذكرت الحكومة أن نحو800 مقاتل قد عادوا من الخارج وُوضع منهم أكثر من 150 تحت الإقامة الجبرية.
ولازالت الحكومة التونسية تواجه أزمة اقتصادية فى ظل توقف نسبة النمو الاقتصادى على أعتاب الـ3%، مع وجود نسبة عجز كبيرة فى الموازنة العامة، الذى يهدد نجاح برامج العدالة الجنائية الذى تسعى الحكومة لتطبيقه فى مواجهة الظاهرة الإرهابية.
ورغم الانخفاض الملحوظ فى عدد العمليات الإرهابية فى تونس التى لم تسجل عملية إرهابية ضخمة منذ أواخر 2016، تبقى الخلايا الإرهابية النائمة والمتواجدة فى المناطق الجبلية فى جبل الشعانبى وجبل مغيله فى ولايتى القصرين وسيدى بوزيد، اللتين تشهدان معدلات فقر كبيرة مقارنة بغيرهما من ولايات الشمال مما يجعلها حاضنة اجتماعية للجماعات الإرهابية التى تستغل الحاجات الاقتصادية لتجنيد أبناء المناطق الجبلية والفقيرة.
وفى ظل ذلك يمكن القول إن العام القادم 2018 سيكون حاسمًا فى نجاح تونس بمواجهة الإرهاب أو أن تستمر بالمعاناة.