عبرة

أكثر من ٦ سنوات فى التحرير

عزيزي علاء..
أكتب هذا ليظل هنا ونعود لنستكمل النقاش فيه حين تستطيع قريبا.

اندهشت حين عرفت للمرة الأولى أنك تحب محمد المنسي قنديل. سامحني، لا يبدو شبيها بالنوع الذي أعتقدك تقرأه، ربما لأني أنا نفسي اكتشفت الجانب الآخر من كتاباته متأخرا، وربما لأني عالق عند اللحظة التي اكتشفت فيها مدونتك من جهاز مستعمل بإنترنت بطيء، بعد أن شاهدت وثائقيًّا عن المدونين قبل أحد عشر عاما.
عرف المنسي قنديل في البداية مع "قمر على سمرقند" و"انكسار الروح" ولاحقا في "يوم غائم في البر الغربي"، إلى روايته الأخيرة "أنا عشقت". مؤخرا كنا نضحك على اختيار أمير كرارة في مسلسل عنها، وأظنك ستفعل أيضا حين تعرف.

لا أعرف ما الذي قرأته منها قبل أن تدخل السجن، ويصبح بعدها منع الكتب عنك جزءا من العقاب.
للأسف علاقة المنسي قنديل بالتراث وانشغاله بإعادة كتابته والبحث في أوجه الشبه بين ما مرت به مصر في مراحل مختلفة من تاريخها رغم أنها مشروعه الأدبي الأول لم يحز اهتماما كبيرا في قراءاتي سوى مؤخرا.

في كتابه "لحظة تاريخ" الذي قرأته مؤخرا ولم أفكر سوى في أن نناقشه معا، يستعرض قنديل ثلاثين حكاية من التاريخ المصري، أعاد كتابتها نقلا عن كتب المؤرخين الأشهر "الطبري" و"ابن إياس" و"الجبرتي" وآخرين. ربما سنتناقش يوما في إمكانية تقديم تلك القصص بشكل درامي. أظن أننا سنختلف حول إمكانية تحقيق ذلك، كيف ستظهر تلك القصص بدراما جيدة مع الحفاظ على ما للكلمات والسجالات اللفظية من أثر كبير فيها.

مواضع كثيرة من الكتاب تثير ما يقلقني دوما من أوجه الشبه  بين العصور رغم محاولة الكاتب نفيه في أول كلمات كتابه قائلا: لا يعيد التاريخ نفسه. لي رأي قد تعتبره ساذجا، ربما كان دافعي أن كثيرين يركنون إلى ذلك الشبه حين يحاولون طمأنة روحهم أن النهاية ستكون سعيدة، وسيدفع الجناة الثمن كما تقول الأفلام العربية.
والحق أن كل حكاية تثبت أن التاريخ ممل بشكل مؤسف.

تذكرت كيف انتهى مقال لك في "الشروق" بإشارة تقول: "أعد علاء هذا المقال قبل أن يعرف بالذي يجري في التحرير، وبلاد مصر الآن".
لا جديد. السلاطين يبنون مساجد ومدنا جديدة لتخليد اسمهم ووضعهم في مقارنة مع سابقيهم، ولا يتم هذا بالطبع سوى برفع الضرائب وسرقة الأعمدة من المعابد الفرعونية والمساجد الأخرى، ومصادرة أملاك الناس.

يتقبل العامة قرارات إزالة منازلهم ومصادرة أقواتهم، لكنهم ينتفضون حين يتعرض مقام الولي المجهول لخطر الهدم. الزينة في صدور الجواري والدرر على رؤوس الأميرات بينما الطاعون يختال في شوارع المدينة. 

تذكرت حديثنا عن "المطالب الفئوية" حين ناقشنا نصيب طلاب المحافظات من الاهتمام، وما يجري كل عام من إهمال وسوء تعامل مع طلاب المدن الجامعية. "الفئوية" هي الثورة، قلت بحسمك المعتاد.

المشايخ يلونون الخطب لتليق بالوالي الجديد، والتتار هم التتار، والمواكب تسير دوما، في أولها الفرسان الولاة الذي يحاربون بجنون ويخسرون بلا شرف، ويبيعون ذمتهم بأبخس الأسعار، ومعهم والي الشرطة الذي كان راتبه الأساسي من الإتاوات التي يدفعها اللصوص، ومن بعده المحتسب الذي كان الباشا معجبًا بمهارته الفائقة في مغالطة الحسابات، ثم فرسان الانكشارية الذين لم يكسبوا أي معركة قط إلا أمام الناس العزل.

في وقت مبكر، وبعد صدمات عدة في آراء محيطين بنا سألت ذات مرة من أين يأتي الناس بهذا اليقين عند كل معركة ربما لا تتذكر أنت تعليقك حينها: اليقين الوحيد أن دماء كثيرة في الطريق. ظهر لي في ذكريات فيسبوك قبل يومين.

دسائس وديون، وضرائب وأمراض، وشيخ يدعي الحكمة والسعي إلى إنقاذ البلاد، فيفتح الباب الصغير لتيمور لنك ليغزو المدينة بهدوء، فتهوي بعدها تحت نار حرائقه ويتركها ويمضي بحثا عن مدينة جديدة.

رعية لا تملك أمام القمع والفقر والجوع سوى سخرية سرية أو أغنية تنتقل بين الأزقة حتى تصل إلى مسامع السلطان في قلعته، تدفعه إلى مزيد من أوامر بالسجن وفرض الجديد من الضرائب.

نهرب إلى التاريخ لنواسي أرواحنا بأن ما نمر به ليس أسوأ ما حدث؟ لنريح أنفسنا بتذكر أن لكل سواد نهاية؟ أم لننظر إلى أخطائنا فنتمتم قانعين أنها أهون بكثير مما ارتكبه غيرنا؟ أم لنكون كهؤلاء الذين كتبوا. لنجيب عن سؤالك المبكر: كيف سنكتب ثورتنا.

والآن نسأل معا: هل سنضع ما بين أيدينا على ورق راضين، على أمل أن يقرأه اللاحقون ولا يعيدوا نفس الأسئلة؟ سنكون نحن عبرة كما قلت أم هم؟ ربما أحتاج إلى معرفة هل ما زلت عند ذات موقفك حين قلت: ما الأسهل ليس السؤال الوحيد.. اهتموا بما الأثرى. وما الأجمل؟ وما الأعدل وما الأرحم وما الأفضل؟

ذكر فى هذا الخبر
شارك الخبر على