هكذا بدأت الحكاية

أكثر من ٧ سنوات فى التحرير

كنت واحدا من الناس اللي بتتمتع بنفوذ من اللي بيقولوا عليهم واصلين..
كنت متعايشا مع الداخلية المفترية في عهد مبارك.. ولا كان ليا في سياسة ولا هيبقى ليا.. بس كواحد بيحب البلد دي ماكانش عاجبني مبارك في ما قبل حكومة نظيف.. لكن لما جت حكومة نظيف الدنيا ظبطت شوية من ناحية نقل مصر لصورة أكثر تطورًا وبقيت بافكّر إيه أحسن الحلول لمصر في الوقت ده.

‏كان بالنسبة لي جمال مبارك حل مثالي أو أفضل الوحشين زي ما بيقولوا، متعلم بره ومش جيش ومالوش أيديولوجية دينية وعايش مع أبوه فقريب من المطبخ السياسي.. وكان بيتقال ساعتها أمريكا راضية عليه.. بس كانت أكبر مصايب مبارك في الفترة الأخيرة مع الحكومة دي حبيب العادلي.

‏حبيب العادلي استغل الإرهاب الديني اللي بدأ يكبر في مصر ليتسع نفوذه ويفرض أساليب بطش علّمها وشرّبها لكل فرد في الداخلية.. هو فعلا كان أسوأ من زكي بدر عشان هو اللي طوّر سلاح الشر الرهيب اللي اسمه "أمناء الشرطة".
وعمل منهم خميرة حلوة للبطش والفساد في مقابل وأد أي حركة غير مرغوب فيها
وطبعًا زي التاريخ ما علمنا.. انقلب السحر على الساحر وكان خالد سعيد
القشة اللي قصمت ظهر البعير وأحداث تونس ولدت عند الرافضين للنظام أملا
وحماسا وطبعًا في الكواليس كان فيه رفض مطلق من قيادات الجيش لجمال مبارك
في الفترة دي لأن ده كان بيهدد مصالحهم جدا.

‏وهوب.. شوية شباب على السوشيال ميديا وحّدوا كلمتهم وطبعا الداخلية وقتها ماكانتش عاملة حساب للسوشيال ميديا والكلام بتاع النت ده.. وطراخ قامت ثورة ٢٥ يناير وفي الحقيقة كأي حد مصالحة ماشية ماكنتش مقتنع إن الثورة هتكمل وشوية العيال دول هيعملوا حاجة وقلت تنفيس غضب..

بس يوم ٢٨ يناير قلقت وحسيت الموضوع هيكبر وكانت كل حاجة بتقول النظام
هيقع من أول إلغاء ماتشات الكورة في اليوم ده لأسلوب الداخلية القمعي اللي ماكانش مستوعب إن الوضع هيكون أسوأ من تخيلاته وتقرير أمناء الشرطة وحقيقي مش عارف الوضع ده كان فيه زي ما بيقولوا أيد خفية وراه ولّا كل حاجة وليدة الصدفة.. المهم حزنت على مصر مع مشاهد الثورة الأولى وكنت قلقًا كأي عاقل على البلد ومع انسحاب الشرطة ونزول الجيش واعتصام الشباب في ميدان التحرير، فعلًا العجلة بدأت تقف وبرضه مش عارف صدفة ولا مدبّر قطع الإنترنت، عمل زي ما تكون بترمي بنزين على نار مشتعلة.. وفضلت أتمنى الحلول السلمية وإن مبارك يحلها بحكمة والولاد يروحوا وشوية إصلاحات وقرصة ودن للداخلية والبلد تتحسن.

‏لكن موقفي ده اتبدل يوم موقعة الجمل.. وأنا شاهد عيان على غدر النظام بمساعدة الجيش لفض الاعتصام واقتحام الميدان بشكل يظهر فيه الشعب هو اللي رفض التظاهر وهنا نقطة تحول شخصية بالنسبة لي.. الموضوع مابقاش سياسة ولا مظاهرات، الموضوع تحول جوّايا إلى معركة بين الخير والشر، معركة بين الإصلاح بعَدَلة، والفساد بظَلَمة وهنا كان ماينفعش موقفي يكون سلبيا.. حسيت إني مسئول قدام ربنا عن دم اللي بيموتوا.. وظاهرة الميدان واللي فيه في اللحظة دي ونزلت أملًا إني أكون بانصر كلمة حق.

‏وخرج التحرير من عباءة الفساد والظلم والقهر بأمل الإصلاح. والهتاف كان" عيش حرية.. عدالة اجتماعية" وتنحى مبارك وتولى الجيش زمام الأمور ويوم التنحي كان جوايا إحساس بمسئولية أكبر وكانت فكرة خرجتم من الجهاد الأصغر للجهاد الأكبر مسيطرة عليّ وعلى شباب كتير شفتهم في الميدان.

‏لكن للأسف كانوا أقلية والأغلبية العظمى أفسدوا كل شيء بسبب نشوة الانتصار والمصالح الشخصية.. وتواطأت حناجر الثورة مع الجيش إما لمصالح شخصية أو جهلا ورعونة سياسية.. وخلال تلك الأحداث كانت قيادات الجيش تعمل لأجل مصالحها بشكل جيد وتراقب الجميع بشكل دقيق.. أسهم الجميع ولا أستثني أحدًا من جموع الشباب لإدراك مصالح شخصية والبحث عن فرص لانتهازها من أجل الوصول إما للشهرة أو للمال في الإضرار بالثورة.

فقدت الثورة بريقها بسبب تحكم الأدرينالين في شباب الميدان واختفت عقولهم ونياتهم الصالحة لمبدأ الثورة واستغلت الأطراف الأخرى ذلك أسوأ استغلال مع فرقة صف ما يسمى بحكماء الثورة.

‏والحقيقة، كشاهد على الأحداث، تحكم المجلس العسكري في كل خيوط اللعبة وظهر ذلك جليا في مشهد أول انتخابات رئاسية.. وفي خلال تلك الفترة للأسف ارتكب المجلس عدة جرائم في مواجهات مع الشعب، منها على سبيل المثال وليس الحصر «مذبحة ماسبيرو ومذبحة استاد بورسعيد» ودخلت البلاد نفقًا مظلمًا وساءت الأمور وأصبح الجيش أو المجلس العسكري متحكما في كل شيء، وترك المشهد الرئيسي لآخرين يعملون على تنفيذ وتسهيل مصالحه.

مثلًا، كانت مهزلة انتخابات الرئاسة وتسليم الحكم للإخوان لأنهم يعلمون جيدًا أنهم أكثر فريق طاعة ووفاء لسيده.. وصار المخطط، ولا أعلم إن كان مدبرًا من البداية أم الأحداث هي ما وفرت الفرص لذلك.. وسقطت مصر في بئر الاستقطاب ولعب الجيش دور البطولة في إنقاذ مصر من حرب أهلية وهمية سعى من البداية لرسم صورتها.

‏فلقد كان الاتفاق جليا بين المجلس والإخوان وتسلم الجيش البلاد على طبق من فضة وسط تأييد شعبي غير مسبوق وساعده في ذلك الجميع ممن يسمون بالثوار وممن يسمون «الفلول» أو «الدولجية» الحالمين بدولة مستقرة، بالإضافة إلى «أسوأ ما أنجبت مصر» الإخوان.

الجميع تكاتف ولعب دوره بمنتهى الغباء لتتسلم الإدارة العسكرية مقاليد البلاد وليتضخم نفوذ الجيش ويتحكم في كل شيء ويتحول لكيان اقتصادي يدهس الجميع من أجل امتلاء خزائنه.. لم تكن من البداية تحركات قادة الجيش بدافع الوطنية أو ما شابه ذلك من شعارات جوفاء، بل كانت المصالح الشخصية والمال هما الدافع.. ربما لا تعجبك رؤيتي ولكن البراهين كثيرة على صحة كلامي.

‏سؤالي لمن يساوره الشك: «هل يعاني الجيش لحصولة على الدولارات لاستثماراته
ليحصل عليها من السوق السوداء، كما هو الحال لباقي التجار؟ وهل يدفع الجيش
الضرائب كما يفعل الآخرون؟ هل يسدد الجيش فواتير ما تسهلكه الدولة من خدمات كالكهرباء والغاز؟ هل دور الجيش الدخول لعالم الاستثمار بإنشاء الفنادق والبنزينات والمدارس الخاصة والنوادي الخدمية والطرق والدواء؟».
ولمن يرفض كلامي: هل تعلم لماذا تسمى فنادق الجيش (توليب)؟ وكيف تكتب
بالإنجليزية؟ الوضع أصبح يزداد سوءًا كل يوم في غياب الكفاءة في إدارة البلاد وما تفعله القيادة السياسية للبلد من قرارات اقتصادية كارثية وغياب التخطيط والسعي لتلقين المؤيدين كلمات يرددونها لدفع الفشل عنهم وتوجيه لآخرين يدفع البلاد إلى الهاوية.

‏تلك هي شهادتي على الأحداث والتاريخ يجب أن نكتبها ونحن نوثق المشاهد والأحداث حتى لا يحرَّف بأيدي من امتلكوا المشهد.. وادّعوا أنهم المنتصرون.. ربما كانت تلك الكلمات المختصرة مريرة وهي تصف مشاهد أكثر مرارة تعيشها بلاد لطالما كانت لها مآثرها على هذا العالم. 
وفي النهاية ألجأ إلى الله لرفع الغمة عنا جميعًا وأن لا يأخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا، وأطمع في رحمته التي وسعت كل شيء أن يحفظ هذه البلاد وأن تحمل الأيام القادمة خيرًا لنا ولأبنائنا وأن يتحمل الجميع مسؤولياته تجاه الأمانة التي كُلفنا بها وأعتذر عن الإطالة وعن أي ضيق قد تسببه تلك الكلمات لأي شخص.

شارك الخبر على