هل ما يزال ثمة وقت للاختيار؟
حوالي سنة فى الإتحاد
مات ستة رهائن آخرون، ووجد شلل الأطفال، الفيروس القاتل الذي تم القضاء عليه تقريباً، موطئَ قدم بين الأطفال في قطاع غزة الذي يعيش ما يشبه «نهاية العالم». ويواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معركتَه التي يقول إنها للانتقام من هجوم 7 أكتوبر الذي أدى إلى مقتل حوالي 1200 شخص وللقضاء على مَن فعلوا ذلك. وأسفرت هذه المهمة عن مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني. وفي خضم هذا الرعب، يبدو أن البعض في الولايات المتحدة يعتقدون أن خزان دموعهم يجب أن يكون مقنناً. لقد اعتاد الأميركيون البكاء على الضحايا، فنحن ندعم المستضعفين ونواجه المتنمرين، وقد قيل لنا إننا أبطال العالم.. لكننا أصبحنا غارقين في كارثة الاختيارات الرهيبة، والتبريرات غير الأخلاقية، والعواقب الوخيمة.ربما نكون غير قادرين على ذرف الدموع، وربما نكون بخلاء بها لأننا نجد أنه من غير المعقول أن يوجد هذا المشهد الجهنمي في منطقة ضبابية من صنع الإنسان. على سبيل المثال: نشر المرشح الرئاسي «الجمهوري» دونالد ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي إعلاناً بالأحرف الكبيرة قال فيه: «ما كانت أزمةُ السابع من أكتوبر الإسرائيلية لتحدث أبداً لو كنتُ رئيساً»!ويحتج الإسرائيليون على حكومتهم بسبب ما يعتقدون أنه فشل في إعطاء الأولوية لعودة الرهائن السبعة والتسعين الذين يقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم ما زالوا محتجزين. وما زال الفلسطينيون يموتون، وما زال المسلحون يقاتلون، وما زالت الحكومة الأميركية تزود إسرائيل بالأسلحة، والأميركيون منقسمون وغاضبون بشأن تورطهم ومسؤوليتهم.عندما قبلت نائبة الرئيس كامالا هاريس ترشيحها من الحزب الديمقراطي لمنصب الرئيس، تناولت في خطابها بعنايةٍ الحربَ في غزة، ليس بكل تعقيداتها الجيوسياسية، ولكن بأبسط المصطلحات الإنسانية، إذ قالت: «دعوني أكون واضحةً، سأدافع دائماً عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وسأضمن دائماً أن تتمتع إسرائيل بالقدرة على الدفاع عن نفسها. لأن شعب إسرائيل يجب ألا يواجه مرةً أخرى الرعبَ الذي تسببت فيه منظمة إرهابية تسمى حماس في 7 أكتوبر. وفي الوقت نفسه، ما حدث في غزة على مدى الأشهر العشرة الماضية مدمر. فقدنا الكثير من الأرواح البريئة. والناس اليائسون والجوعى يفرون بحثاً عن الأمان. إن حجم المعاناة مفجع». لم توحِ صياغتها بأن فعلا واحداً يلغي الآخر.. كلماتُها أكدت أنه لا توجد منافسةٌ في البؤس أو الحزن، على الرغم من أن الكثير من هذه الحرب متجذر لدى هؤلاء الذين لديهم أعمق الجروح ويتحملون أشد صدمات الجيل. لكن بالنسبة للبعض لا يوجد «في نفس الوقت». لقد أوضح نتنياهو هذا الأمر بوضوح. إن استجوابه يعني معارضة إسرائيل، حتى لو كان السؤال يتعلق بتكتيكاته، وبالجوع واسع النطاق في غزة وموت الأطفال فيها. وفي الحركة المؤيدة للفلسطينيين، من الطلاب المحتجين إلى الناخبين غير الملتزمين، هناك أولئك الذين انحدروا إلى معاداة السامية، ممن يساوون بين الشعب الإسرائيلي وحكومته ويشيدون بالإرهاب!لقد قررت الحكومة البريطانية تقييد مبيعات بعض الأسلحة إلى إسرائيل، ووصف نتنياهو هذا بأنه «مخزٍ»، وأعلنت المنظمات الإنسانية أن هذا «غير كاف على الإطلاق».. وهذا ليس مفاجئاً، لأنه في غزة لا توجد خيارات مرْضية تماماً. قامت منظمات الإغاثة بحملة تطعيم جماعية خلال فترة توقف القتال. وهذا دليل على تفاني وإصرار العاملين في المجال الطبي، لكن أيضاً على قدرة الطرفين على التوقف عن القتال. إذن، ما يزال بإمكانهم الاختيار، ويمكنهم اختيار التوقف.قد يكون العاملون في المجال الإنساني قادرين على احتواء الفيروس، لكن البؤس القاسي في غياب التعاطف يتحول إلى يأس وغضب وكراهية. والكراهية لا تحترم الحدود. ولا يمكن القضاء عليها برصاصة واحدة. تتفاقم الكراهية وتنمو حتى لا يمكن التفاوض على التخلص منها، أو رشوتها لإخضاعها أو قصفها حتى تذهب في غياهب النسيان. ومع ذلك ما تزال هناك خيارات حتى الآن.لكن إلى أي مدى سيتمكن الإنسان من حبس دموعه وكبت حزنه؟ يتساءل المرء ما إذا كان خزان الحزن هذا لا قاع له أو ما إذا كان البكاء يتوقف ببساطة عند نقطة ما.. ليس لأن الناس توقفوا عن الاهتمام أو لأنهم تصالحوا مع اليأس الذي صنعه الإنسان، ولكن لأن العقل ببساطة لا يستطيع أن يستوعب مدى سوء الأمور، لأن كل شيء جديد فظيع يبدو وكأنه أسوأ شيء ممكن، ثم يغوص الحضيض الذي وصلت إليه الحالة الإنسانية قليلاً. فقد قُتل توأمان فلسطينيان حديثا الولادة وأمهما في غارة جوية بينما كان الأب يستخرج شهادات ميلاد طفليه. وقُتل ابن عائلة أميركية اختطفته الفصائل أثناء حضوره مهرجاناً موسيقياً، وفَقد آخرُ ذراعَه في الهجوم، أثناء وجوده في الأسر. وأصيب طفل صغير في غزة بالشلل بسبب شلل الأطفال، الذي كان من المفترض أن يتم القضاء عليه من المنطقة منذ جيل.إن الطبيعة البشرية، أو الطبيعة الأميركية على الأقل، تَعني النظر إلى العالم في شكلين: الصواب والخطأ، الخير والشر، الصديق والعدو.. ولديها ميل إلى تسليط الضوء على الحقائق التي تجعل خطوط الترسيم أكثر وضوحاً، والاعتقاد بأن أي ثغرات يمكن إصلاحها من خلال الوقت والمال، وأن أسوأ ما في الأمر سيصبح قريباً خلفنا، وأنه ما يزال هناك وقت للاختيار.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»