غزة تضع المصداقية الأميركية على المحك

about 1 year in الإتحاد

ذُكرت الحرب في غزة عدة مرات، خلال المؤتمر الوطني للحزب «الديمقراطي» الذي عقد في شيكاغو، خلال الفترة من 19 إلى 22 أغسطس 2024. وعلى الرغم من منع مجموعة مؤيدة للفلسطينيين من إلقاء كلمة فيه، فإن هذه الأخيرة نجحت في إحداث ضجة وإثارة الانتباه خارج المؤتمر، إذ تمكّن «بيرني ساندرز»، عضو مجلس الشيوخ التقدمي واليهودي الذي يعارض السياسة الإسرائيلية منذ وقت طويل، من التحدث حول هذا الموضوع. ومن جانبها، تحدثت المرشحة الرئاسية كامالا هاريس عن الوضع في غزة، غير أنه في الوقت الذي كان يُعتقد فيه أنها ستكون أكثر انتقاداً لإسرائيل من جو بايدن، أظهرت في نهاية المطاف أنها لا تختلف مع سياساته. فقد استهلّت كلامها بالتذكير بأنها لطالما دافعت عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأدانت هجمات 7 أكتوبر بالطبع. ثم انتقلت للحديث عن معاناة الفلسطينيين التي تعتقد أنه يجب وضع حد لها، ولكن من دون الإشارة إلى الكيفية التي يمكن بها لواشنطن المساعدة على الحد منها. هذه النقاط تُبرز بشكل جيد مشكلة السياسة الأميركية: فمما لا شك فيه أن واشنطن تتعاطف مع الفلسطينيين، غير أنها لا تتخذ أي إجراءات ملموسة لمنع إسرائيل من الاستمرار في قصف السكان المدنيين. فهؤلاء السكان الذين يعيشون تحت الحصار، يواجهون مجاعة وأزمة صحية (وباء شلل الأطفال) ما فتئت تتفاقم. فمنذ عشرة أشهر، يأوي سكان غزة إلى الفراش كل ليلة، وهم غير متأكدين من أنهم سيبقون على قيد الحياة في اليوم التالي. ولئن كان قصف المدنيين يُعتبر جريمة حرب أصلاً، فإن ضرب سكان تحت الحصار بهذه الطريقة هو أدهى وأنكى من ذلك بكثير.واللافت أن أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، شدد في وقت سابق على مزايا وقف إطلاق النار الذي اعتبره أفضل طريقة لإعادة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس»، ووضع حد لمعاناة الفلسطينيين، وتجنب اندلاع حرب إقليمية.وكانت كل من إيران و«حزب الله» اللبناني، و«الحوثيين» اليمنيين أعلنوا أنه إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، فإنهم لن ينفذوا هجمات ضد إسرائيل. ولكن وعلى الرغم من أن هذه الدعوة صدرت عن أنتوني بلينكن، وكذلك مجلس الأمن الدولي، إلا أنها لم تُحترم: إذ تُواصل إسرائيل قصف غزة، وتُواصل واشنطن مدّها بالأسلحة. والحال أنه إذا كانت الولايات المتحدة جادة حقاً في الدعوة لوقف إطلاق النار، فكل ما عليها فعله هو التوقف عن تزويدها بالسلاح، إذ لا يمكن للمرء أن يدعو لوقف إطلاق النار من جهة، بل ويتأسف لمعاناة الفلسطينيين، ويقوم في الوقت نفسه بتزويدهم بالسلاح الذي يذكي الصراع. وبالتالي، فنحن أمام سيناريو غريب من النشاط الدبلوماسي المكثف من جانب الولايات المتحدة – فأنتوني بلنيكن لم يتوقف عن القيام برحلات مكوكية بين مختلف الأطراف، وجو بايدن لم يتوقف عن الاتصال بهم هاتفياً -- والذي لم يسفر عن أي نتائج بخصوص السياسة الإسرائيلية. وبالتالي، فإن مصداقية الولايات المتحدة الاستراتيجية باتت على المحك، نظراً لأن هذه القوة العظمى غير قادرة على ممارسة أي تأثير على حليف تقدِّم له 3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية سنوياً، بالإضافة إلى مساعدات إضافية منذ 7 أكتوبر. وعلاوة على المصداقية الاستراتيجية، هناك أيضاً مسألة المصداقية الأخلاقية. فقد تم الكشف مؤخراً عن أن دولاً غربية مختلفة تحاول تعطيل إجراءات المحكمة الجنائية الدولية ضد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وبالتالي، نحن إزاء معارضة للعدالة الدولية من القوى التي يفترض بها أن تطبّق القانون الدولي. والحال أن هذا الدعم الضمني للإجراءات الإسرائيلية يقوِّض مصداقية الدول الغربية الأخلاقية كلما رأينا الأذى الذي يلحق بسكان غزة. ولا شك أنه حينما ينتهي كل هذا، سيتم على الأرجح الكشف عن صور ومعلومات جديدة ستجعل ما يحدث في غزة أكثر إثارة للصدمة. ولهذا، فإن هذا النشاط الأميركي الذي يرقى إلى السلبية، يطرح مشكلة بخصوص المصداقية الأخلاقية والاستراتيجية على حد سواء، والأكيد أنه سيستمر طالما لم تظهر نتائج حاسمة على ساحة غزة.*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس

Share it on