التماثيل والرسوم والآثار ليست رجساً في ذاكرة التاريخ

أكثر من ٦ سنوات فى الراكوبة

تمثال غردون نموذجاً

يمتلك الأستاذ كمال حامد نظرةً تاريخيةً ثاقبةً؛ لأحداث الماضي في السُّودان، كما أنه يطرح بعض القضايا المثيرة للجدل أحياناً، والتي تحتاج إلى بحثٍ وتدبرٍ. قبل أيام مضت كَتبَ مداخلةً في صفحته على (الفيس بوك) عن تمثال الجنرال البريطاني تشارلس جورج غردون (1833-1885م)، الذي وضعه البريطانيون عند تقاطع شارع الملكة فكتوريا (شارع القصر، لاحقاً) مع شارع الجنرال غردون (شارع الجامعة، لاحقاً) في الخرطوم عام 1904م، ثم رُحِّل التمثال إلى بريطانيا عام 1959م؛ لأنَّ دعاة الحركة الوطنية السُّودانية تضجَّروا من وجوده في قلب عاصمتهم المستقلة الخرطوم؛ مُحتجين بأنه يرمز للعهد الاستعماري البريطاني في السُّودان؛ ولذلك يجب إزالته من الذاكرة التاريخية. وأخيراً ختم الأستاذ كمال مقاله بتعليقٍ استنكاريٍ، مفاده: "الاهتمام بالتاريخ هو الاهتمام بالتفاصيل، والاهتمام بالتفاصيل من أسباب الإتقان والتفوق؛ للأسف نحن تضجرنا من التفاصيل." بهذا النصّ يشير بحياء إلى مجانبة قادة الحركة الوطنية الصواب عندما أظهروا تبرّمهم من تمثال غردون، وطالبوا بترحيله من الخرطوم. يحضرني في هذا المقام قول العلامة ابن خلدون عن الخليفة العباسي هارون الرشيد، عندما اعتزم هدم إيوان كسرى، الذي قال الشاعر البحتري فيه: "لَيسَ يُدرى أَصُنعُ إِنسٍ لِجِنٍّ ... سَكَنوهُ أَم صُنعُ جِنٍّ لِإِنسِ"، فبعث رسولاً "إلى يحيى بن خالد ، وهو في محبسه، يستشيره في ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين لا تفعل، وأتركه ماثلاً، يُستدل به على عظم ملك آبائك، الذين سلبوا الملك لأهل ذلك الهيكل، فاتهمه في النصيحة، وقال أخذته النعرة للعجم. والله لأصرعنه، وشرع في هدمه، وجمع الأيدي عليه، واتخذ له الفؤوس، وحمَّاه بالنار، وصب عليه الخل، حتى إذا أدركه العجز بعد ذلك كله، وخاف الفضيحة، بعث إلى يحيى يستشيره ثانياً في التجافي عن الهدم، فقال: لا تفعل، واستمر على ذلك؛ لئلا يقال عجز أمير المؤمنين وملك العرب عن هدم مص --- أكثر

شارك الخبر على